النجارة.. أول حرفة تقليدية تشهد تبادل الخبرات بين مصر واليابان في “بيت يكن”
تبدأ الحكاية بعد تسجيل القاهرة كمدينة إبداعية فى اليونسكو، من خلال تعاون الدكتور علاء الحبشي، صاحب تجربة إحياء وترميم بيت يكن، رئيس قسم العمارة بجامعة المنوفية، استشاري ترميم وصيانة المباني الأثرية، مع محافظة القاهرة، وهو التعاون الذي يتضمن تنفيذ مشروعات رائدة، ليبدأ التفكير في الحرف التقليدية لما لها من دور اقتصادي وتاريخي هام، فكانت مبادرة تبادل الخبرات بين مصر واليابان فى حرفة النجارة، عن طريق تنظيم ورش لمدة أسبوع.
من بداية شارع سوق السلاح تستمع لأصوات دق الحديد مع نقر الأخشاب، فهنا الكل يعمل بيده دون تدخل من الآلات الكهربائية أو التكنولوجية، لتمر بعد الميدان، لتجد على يسارك بيت يكن، والذي تم إنقاذه من خلال مبادرة دكتور علاء، وصاحب فكرة مبادرة تبادل الخبرات بين مصر واليابان في حرفة النجارة.
“نتاج عمل طويل مع المجتمع المحلي بعد التعرف على مشكلاته” هكذا يشرح الدكتور علاء الحبشي بداية الفكرة مضيفا “عملنا 3 سنوات في الدرب الأحمر بعد السكن فى بيت يكن، بحثنا فى المحيط من مباني تاريخية ومجتمع مدني، وجدنا أحد أهم الفئات الأكثر داعما اقتصاديَا فى الحي وهى الحرف التقليدية والمتوارثة من قديم الأزل في القاهرة التاريخية”، مشيرًا إلى أنه في حالة اندثار هذه الحرف سوف يندثر معها الاقتصاد المحلي للمدينة التاريخية.
“العمل على إحياء الحرف وتطويرها” كان أهم أهداف المبادرة بين مصر واليابان والتي نفذت بالتعاون مع الجهات الأجنبية خاصة اليابانيين لأنهم شاركوا قبل ذلك في ورش جماعية خاصة بالنساء والأطفال، مضيفًا أن الورش قائمة على خلق تبادل بين النجارين المصريين سواء فى الخبرة والتقنية أو التصميم مع تجاريين من اليابان استقدمهم الدكتور من خلال منحة من مؤسسة اليابان وهى تابعة لوزارة الخارجية اليابانية بالعداد الخاصة بهم.
لذلك يري الأسطى محمد كراوية، أحد النجاريين المصريين القدماء في حرفة النجارة، أنه من الفخر تنظيم مثل هذه المبادرات للاطلاع علي أساليب جديدة وطرق أخري في الحرفة خاصة أن اليابان هي الدولة الأكثر تطورا في العالم.
التنفيذ
يكمل الحبشي: جاء التنفيذ على مدار أسبوع عن طريق المرور على الورش المحيطة فى سوق السلاح مع النجارين اليابانيين ليتعرفوا على أنواع العدد المستخدمة في مصر بغرض طرح منتج مستدام، دون الاعتماد على حرف قائمة على معدات غريبة على الثقافة المحلية، مؤكدًا أنه على الحرفي المصري التعرف على هوية معدات أخري من المكن الاستفادة منها لنفسه وفي مجاله، وتفعيل أساليب يابانية تقوم على الدقة وتعلى من قيمة المنتج المصري وإعطاء شكل بسيط وجذاب في نفس الوقت.
النجارين اليابانيين
أما عن رأى كاكو وشينودة، من الحرفيين اليابانيين فى ورشة تبادل الخبرات، فهما يوضحان أنه يوجد العديد من نقاط القوة والضعف أو إيجابيات وسلبيات.
وبحسبهما تكمن الإيجابيات فى براعة العديد من الحرفيين المصريين فى حرفتهم وتقنياتهم ، حيث تضمن برنامج الورشة زيارة العديد من ورش النجارة في المنطقة، مما جعلهم يريدون البقاء مع هؤلاء الحرفيين للاستفادة منهم والاستمتاع بفنهم، ولذلك فهم يتطلعون إلى زيارة العديد والعديد من تلك الورش فى زيارات أخرى.
أما السلبيات فتكمن في عدم توافر ميكنة ذات كفاءة عالية لتساعد الحرفيين في الارتقاء بدرجة الدقة العالية فى منتجاتهم والتى تتناسب مع مدى حرفيتهم وتفوقهم.
وهنا يوضح الدكتور علاء أن الورشة عبارة عن7 أيام منهم 6 أيام عمل، تنقسم إلى جزئين، الأول خاص الجولات على ورش المصريين صباحًا حتى لا تتعطل أعمالهم، ومساءَا ورش النجارين اليابانيين بعد قدوم الحرفين المصريين إلى المنزل، والذي هيئ كورشة عمل، لتبادل التقنية مع اليابانية لإنتاج منتج مصري ياباني.
دعوة عمل
ويشير مدير الورشة بين مصر واليابان أن الفكرة تدعو إلى احترام الغير، فمع امتلاك المصريين الخبرات فى التجارة من القرون الوسطى، فلابد من إحداث تطور بشكل كبير فى التفاصيل والجودة، لذا تسمى الورشة “علمني واعلمك.. لكن احترمني واحترمك” فلابد من العمل على كيفية الاحترام في إطار منظومة عمل قوية جدًا ونفس الوقت لإنتاج منتجات فريدة من نوعها فى الجهتين.
المشاركون المصريون من 12 إلى 20 نجارا، واليابانيون 2، وتم اختيارهم بعناية لينفذون منتجات شبيهة في اليابان بتقنية يابانية اسمها “كيموكو” والمقابل لها في مصر بيت التعشيق، والنجارين الموجودين جميعهم كبار السن وهناك من أقنع أولادهم للعمل في الورش.
تقنيات مشتركة
يعمل اليابانيون علي نوعين في فن التعشيق الأول “كوميكو سايكو” وهو عبارة عن تجميع لوحدات خشبية بأشكال هندسية بزوايا وأبعاد مختلفة داخل إطار خشبي خارجى، وتربط هذه الوحدات بدون الحاجة الى استخدام المسامير
والنوع الثانى “يوسيجي سايكو” وهو عبارة عن تجميع قطاعات طولية من الأخشاب بألوان وتصميمات هندسية مختلفة باستخدام مادة لاصقة لتكوين أسطح ذات أشكال وألوان مختلفة وكذلك تداخل العديد من التصميمات فى نسيج واحد منسجم.
النجارة ما بين مصر واليابان
أما التعاشيق التقليدية فى مصر فلها أشكال متعددة، منها النجارة البلدية والعربية والخرط، فأساس النجارة يكمن فى تقنية التعاشيق وعدم استخدام المسامير فى ربط الأخشاب نهائيا، لأنها تتسبب فى ضعف الأخشاب، فتوجد الحشوات المجمعة مع الإنانات بأشكال هندسية مختلفة مثل الأطباق النجمية فى النجارة البلدية، وكذلك الخرط العربي الذي تتميز به النجارة التقليدية وأشهر نموذج للخرط يمكن أن نراه فى المشربيات
كما تتميز النجارة التقليدية بفن “الاويمة” أو الحفر على الخشب حيث تزخر منطقة القاهرة التاريخية بهذا الفن الأصيل الذي يعتمد اعتماد كلى على الحس الفنى لدى الحرفى ومهارته المطلقة فى استخدام أدواته التقليدية اليدوية.
ويوجد تطعيم للأخشاب بالصدف والعاج والنحاس والذهب والفضة والعديد من المواد ليتمكن الحرفى من تسخير تلك المواد لعمل لوحات هندسية وفنية رائعة بألوان مختلفة تعكس الثقافة التقليدية والروح الفنية الأصيلة للنجارة التقليدية العربية فى مصر.
تعليق واحد