الغربة داخل الإسكندرية في معرض ضمن فعاليات "أيام التراث السكندري"
“الخفاش” هي إحدى الروايات التي عبرت عن الإسكندرية والغربة التي استشعرها أهلها في السنوات القليلة الماضية، فبعد احتضانها للجاليات المختلفة، أصبح شبح الاغتراب يسكن أرواح أهلها، وهي تجربة ذاتية للألم.
اختارت لميس سليمان، صانعة أفلام، اسم “تجربة ذاتية للألم”، للمعرض الذي احتضنته فعاليات “أيام التراث السكندري”، لأنها عاشت تلك التجربة فعليًا في الفترة ما بين 2016 و2017، حيث عادت إلى موطنها – الإسكندرية – ولكنها تاهت بين شوارعها، فلم تتمكن من الوصول إلى منزلها بعد أن فوجئت بمشهد الكباري الذي أخفى معالم الكورنيش.
تقول لميس سليمان، البالغة من العمر 29 عامًا، إنها اختارت رواية” الخفاش” تحديدًا بين نصوص” ثلاثية مدن جامحة” والتي ترجمها للعربية خالد رؤوف، مدير المركز الثقافي اليوناني، وتم الاتفاق على إنشاء فيديو يعبر عن الاغتراب، مشيرة إلى أن أحداث الرواية تدور حول الإسكندرية بين عامي 1942 و1943، وتتحدث عن الجاليات التي سكنتها.
الفكرة التي اتخذت عن الإسكندرية الكوزموبوليتانية والتعايش السلمي بين أطيافها وعزف الموسيقى في شوارعها، ليس بالفكرة الصحيحة، فتوضح سليمان أن المدينة كانت تضم جاليات مختلفة والتي كانت منهمكة في بمستقبل بلادها من هنا، وهو ما يؤكد أن ديمقراطية اليونان الحالمة خطط لها في الإسكندرية، وإن الغربة التي عاشتها تلك الجاليات خارج أوطانهم، يعيشها السكندريون الآن داخل وطنهم، فهي تسلب منهم شيئًا فشيئًا، فلم تعد الفكرة السائدة عن الإسكندرية الرومانسية كالسابق، بل أضحى الأمر شرسًا، ولم تحتفظ المدينة بشوارعها القديمة ولم يعد أهلها يحتفظون بطباعهم التي ميزتهم من قبل.
ومن خلال تجربتها الذاتية، تضيف سليمان إن الخوف والحزن والعشور بفقدان المدينة لم يعد يساورها الآن، وذلك لتميز الإسكندرية تهدم وتبني نفسها من جديد، لكن بالرغم من ذلك فهناك تجربة ألم استشعرتها بعد تغير ملامح الكورنيش، وغيرها من التغييرات التي لحقت بها مؤخرًا، فلم يكن بالأمر الهين بالنسبة لها، وتمنت لو عادت إلى غربتها في بلد آخر من جديد.
وتعود لميس سليمان إلى رواية” الخفاش” التي تشير إلى إنها عاشت تجربة الاغتراب التي تضمنتها بشكل كامل، فقررت البدء في مشروعها، وفتحت المؤسسة الثقافية اليونانية أبوابها أمامها، لتخرج بتجربتها وكأنها فرد من أفراد الرواية، موضحة إنه خلال قرائتها لها بدأت في الجمع والتجهيز وملأت الفراغات بالكلمات التي تضمنتها الرواية، وعاشتها كما هي وترجمتها في الفيديو الذي لا تزيد مدته عن 4 دقائق.
وعبرت سليمان عن ألمها بقولها: “إذا كانت الإسكندرية هدمت من قبل بقنابل أو حروب، فإنها تهدم الآن بقانون وشخص تنفيذي يطبقه، فقديمًا كانت الإسكندرية الرومانسية والآن لم نجد حتى البحر”، ففكرة الغربة الإجبارية التي يتعرض لها أهل المدينة، هي مضمون الرواية، مؤكدة أن الغربة ليست بالرفاهية إنما هي اقتلاع الشخص عن أهله، جذوره، ماضيه، حاضره، وكل شيئ، ولكننا نجبر عليها لتحقيق هدف ما.
بالرغم من الضبابية إلا أن الجانب الأفضل في الأمر، بحسب لميس سليمان، كان التعاون الذي جمعها والقائمين على فعاليات”أيام التراث السكندري”، حيث نشأت بادرة التعاون مع مؤسسة الثقافة اليونانية، وقرروا أن يقام المعرض ضمن فعالياتها، ليكون تجربة “مصرية، فرنسية، يونانية”، وتولدت لديها الرغبة في تقديم أضعاف ما يقدمه الآخرين، وذلك بفضل ما قدموه من جانبهم، وهو ما جعل منتجها يخرج بقوة في الفيديو في هذا المعرض المتعدد الأدوات.
وبدأت فعاليات اليوم بجولة في المعرض، والذي ضم مجسمات لأشخاص يعبرون البحر إلى الجانب الآخر حيث الغربة، فيما تضمن الطابق الأعلى عرضًا ضوئيًا لفيديو “تجربة ذاتية للألم” وبعض اللوحات الفنية، داخل المؤسسة الثقافية اليونانية، ضمن فعاليات أيام التراث السكندري التي ينظمها مركز الدراسات السكندرية.
* مؤسسة” ولاد البلد” شريكًا إعلاميًا لمركز الدراسات السكندرية