الغالية بنت الريح: أنا مش مطربة أنا حكّاءة
كزهرة الصيف البهية، أطلت علينا من محكى القلعة، يوم الإثنين الماضي، الفنانة “غالية بن علي”، ومعها جميع حكاياتنا المنسية.
مع كل خطوة ترقصها في رشاقة وفن وكأنها تدور بنا في براح الأزمان، ذكرتنا بكنوزنا الفنية وتراثنا العريق بسلاسة وتلقائية، وكأن معها رسائل من عهود الفن الذهبية ترويها علينا بحكمة وصدق بصوتها الأصيل والقوي والعالي المقام.
أما فستانها فكان بلون الشمس يضوي بتفاصيل من حضارات عربية مختلفة، وفيه انطوت أسرار الكون المدهشة، التي تجذب إليها الآلاف من الجماهير الشابة، والتي تغنت معها ورقصت على إيقاع أغانيها المبهجة.
هذه الحالة من التجلي والسلطنة تؤكد ما تؤمن به غالية بن علي دومًا، وهو أن الوصال مع تراثنا “موصول” ومتجدد دائما-فقط علينا أن نتذكر، فمن معه الذاكرة معه كل شيء.
وفى حوار خاص لـ”ولاد البلد” شاركتنا غالية بن علي حكاياتها في 24 سنة من الإبداع.
أنا لست مطربة أنا حكاءة
هكذا بدأت الفنانة التونسية غالية بن علي حوارها، مؤكدة أنها ترى فنها نوع من الحكي “أنا باحس إني باحكي حاجات قديمة جدا بالرقص والغنا واللبس”.
بدأت غالية أولى حفلاتها في ديسمبر 1993، ممثلة للثقافة العربية على مسرح أماديوس في بلجيكا من ضمن فقرات موسيقية مختلفة: كلاسيك وفلامنكو، وفي صيف 1994، كانت تتجول مع فرق موسيقية في جولات فنية في البرتغال، وغنت حفلتها الأولى (دون فاعليات ثقافية) في 14 ديسمبر 1996، ومنذ ذلك الوقت وقع فى غرام صوتها ومخارج ألفاظها العالم الغربي، لقبها بـ”سفيرة الثقافة العربية”.
“أنا ماخدتش الموضوع جد غير في سنة 2000، لما طلب مني أنا أمضي مش المزيكاتية، وبقيت أنا اللي أتكلم في الصحافة- جولات في العالم، ساعتها ابتديت أصدق إني شغالة حلوة اليومين دول بدل ما ادور على الجرافيك ديزين” تتذكر ضاحكة.
من “صعيد” تونس لمسارح أوروبا
ولدت “غالية بن على” لأبوين تونسيين في بلجيكا عام 1968، وفي سن الثالثة، عادت الأسرة إلى جنوب تونس، حيث تربت غالية على العادات التونسية الأصيلة والغناء التراثي، وحملت معها كل هذه الكنوز حين عادت لبلجيكا لإتمام دراستها الجامعية في الجرافيك ديزاين في سن 16.
ولعل سر عذوبة هذه الفنانة هو جذورها التي طالما تغنت بها في الغرب وتمسكها بالغناء باللغة العربية لثراء هذه اللغة، التى كم أدرت دموع التأثر من جمهور لا يتقنها فقط، لأنها استطاعت أن تبرز جمالها في مخارج الألفاظ.
وفي الغرب تغنت “بن علي” بأحلى أشعار الصوفية وأغاني التراث وسمعها العالم الذي قدرها، وفي عام 2008 حصلت بن علي على جائزة الموسيقى العالمية، التى تمنحها المؤسسة البريطانية المستقلة “نحن نسمع” لأفضل أغنية موسيقية في العالم.
“تعالي غني في القرى عندنا أنتِ زي المشايخ بتوعنا”
حين تغني “بن علي” تكون دوما علي سجيتها “لا فرق بين غنائي في الحمام أو على المسرح” تؤكد غالية بن على أنها تقريبا تعرف جمهورها بالاسم، وتحترم الجميع من الأمير للبسيط.
وتذكر في إحدى حفلاتها أن من لمس قلبها حقا من الجمهور هم القائمين على الحفل وكانوا من الصعيد والنوبة، وبالرغم من أن الموسيقى كانت غربية ومختلفة جدًا إلا أنهم نزلوا للمسرح وتواصلوا معها.
وحين استفسرت على سر الوصال وسألتهم عن رأيهم في الموسيقى الإلكترونية أجابوها “إحنا سامعين كلامك وأغاني يا سيد الكونين وقلبي يحدثني، تعالى غني عندنا انتي زي المشايخ بتوعنا”.
عن فن السماع والحرية
لم أخش الدمج في الموسيقى، ولا يوجد مقارنة بل يوجد حوار، وأوضحت “بن علي” علاقة الموسيقى الشرقية بالغربية، وأن الغناء العربي حر جدا، لأنه مبنى على السمع و الارتجال “حد بيسمع وحد بيتسلطن فيرد عليه دايما في نفس المقام، وياخدوا لمقام تاني يرجعه لمقام تاني”.
لكنها توضح أن المقامات الموسيقية هي قوانين “لو انت ما تعرفش القوانين ما تعرفش تتصرف فيها، وما تعرفش تتحرر منها أو ما تعرفش تبدع، لأنك متقيد فيها، لازم تعرف هي إيه بالظبط، ودي بالنسبة لي الحرية، هي إنك تعرف القواعد، وتطلع منها بقانون وترجع لها بقانون، بس اللي يقول أنا حر وحر بالنسبة لإيه ومن إيه مش حر في المطلق”.
في رحلتها مع الموسيقى تعلمت غالية بن علي عن طريق فن “السماع” وبدأت بالموسيقى الهندي والعربي فتربت عليهما، ثم كانت مشاريعها الغنائية التي دمجت فيها موسيقى الجاز بالشعر العربي، وفي خلال سنوات قليلة أصدرت 8 ألبومات موسيقية: الهريسة البرية- روميو وليلى- البالنا، غالية تغنى أم كلثوم- اليجوري- ندى- موصول.
وجدير بالذكرأن البوم “موصول”، المنتظر طرحه في 25 أغسطس الحالي، اختيرت أحد أغانيه ضمن أكثر الأغنيات شعبية في العالم هذا الشهر، من قبل مجلة سونج لاين الإنجليزية “حاليا داخلة في مشروع غنائي مهم مع الموسيقى الكلاسيك وموسيقى العصور الوسطى”.
موصول
“البوم موصول مهم جدًا بالنسبة لي، لأنه مرتبط بالثورة واللي هي كانت ثورة شخصية كمان، رجعتني لأصولي العربية أكتر وفيه أشعار من شباب عربي في العشرينيات وفيه شعر صوفي لـ”السهروردي” وفيه من كلامي أنا”.
وتدندن غالية من كلماتها: “كان ياما كان فى أحد الأزمان أحد قال لي قبيحه انتي- عليكِ أن تختفي و قال آخر ضعيفة أنتِ عليكِ أن تنامي وقال ثالث الأميرات وحدهن لهن الحق في رؤية الشمس- صار ياما صار في أحد الأمصار وجهك من حلمي أطل قال لي جميلة أنت عليكِ أن ترقصي- قوية أنت عليكِ أن تُحلّقي- أميرة أنتِ انظري إليّ أنا الشمس“.
نصوص الألبوم مثل اسمه عبارة عن وصل بين القديم والجديد، الموت والحياة و”موصول” كان جذور مقولة غالية بن علي الشهيرة: الأرواح التي لا ينقطع وصالها.
“الأرواح التي لا ينقطع وصالها- بهجة من قلب الحزن- فرق معايا أني عرفتك- الغجرية بنت الريح” هذه المقولات التي ارتبطت باسم غالية تجدها تزين كل صفحاتها على التواصل الاجتماعي، وهي نتاج تجربتها في الحياة، ومن أهمها وأشهرها هي “الأرواح التي لا ينقطع وصالها” وقالتها في سيناء تحديدًا عام 2013.
“يعني كنت حاسة إني في بيتي في أوروبا، أنا مولودة في بلجيكا، وتونس وحشاني بس من ساعة ما جيت مصر وأنا أحس إن الدفا هنا، بلجيكا الغربة، في مصر طاقة الأرواح عالية جدا، ممكن حد ييجي يكلمك ما يعرفكش يقولك روحك حلوة، الروح هي اللى موصولة، ومهما سافرت بعيد لما بنتقابل بيكون كأننا لسه متقابلين امبارح”.
“بهجة من قبل الحزن” مرتبط باللاجئين العرب في بلجيكا وأوروبا، و”اللي جايين يحكوا عن قصتهم اللي هي نكد في نكد، وهما عندى بهجة بهجة في أوروبا فجأة أوروبا نورت بصراحة”.
بثقافة عريقة وبهجة من قلب الحزن، مواهب شابة كبيرة جدًا وتجربة ثرية، وحقيقية فتحت أبواب الثقافة العربية على مصرعيها. ولغالية بن علي، تجارب في السينما التونسية ومثلت في 4 أفلام على حلة عيني 2015، سوينج 2002، موسم الرجال 2000، وضوء النجوم الميته 1994 وحاليا تكتب رواية “روميو وليلى” أولى روايتها
أكبر درس اتعلمته
“اكبر درس اتعلمته هو الرضا والإيمان والقناعة وإن بجد كل شيء مكتوب، ومهما أسرعنا أو قصرنا- حيحصل في أوانه”، يجب أن نترك الأمور تاخد مجراها.
تعليق واحد