الطراوة| كيف كان البيت المصري في 3200 قبل الميلاد؟

كان البيت المصري القديم على درجة كبيرة من الرقي، وروعي فيه التجهيزات الصحية من تهوية، وإضاءة، ونظم، لتوصيل المياه وصرفها وآليات للتخلص من النفايات، حسب من أورده الدكتور مدحت جابر في كتابه الذي حمل عنوان “بعض جوانب مصر العمرانية”.

يشير جابر إلى أن المناخ الحار كان أحد العناصر المهمة التي شكلت عمارة البيت المصري،ملمحا إلى أن الأفنية الواسعة والعالية السقوف كانت أحد المميزات الهامة للبيت المصري، وروعي في البيت النوافذ العلوية المحيطة للسقف والتي تسمى شعبيا (ملاقف الهواء ) ملمحا إلى أن تلك (الملاقف) كانت تعمل على جلب الرياح الشمالية الباردة وتطرد الرياح الجنوبية الحارة .

ماكيت لشكل البيت في مصر القديمة بملاقف الهواء - المصدر جامعة نورهان
ماكيت لشكل البيت في مصر القديمة بملاقف الهواء – المصدر جامعة نورهان

ملاقف الهواء 

وطبقا لبحث حول البيوت الطينية في مصر القديمة ، نشرته الباحثة  ماريا امادور تشير إلى أن المصري القديم استطاع أن يطوع عمارة البيوت لتواجه حرارة الجو بدءا من استخدام الطوب اللبن والذي هو أكثر احتفاظا بالبرودة من الحجر كما راعى أن يكون الحائط سميكا ليكون عازلا، مشيرة إلى أن المصري القديم اخترع ما يسمى حاليا (ملقف الهواء) عن طريق بناء برج مقبب ذو فتحة واسعة تواجه الرياح الشمالية ويقابلها في داخل فناء المنزل نوافذ في مستوى منخفض عنها فيقوم الملقف بجلب الرياح الباردة بدلا من الرياح الحارة ، موضحة أن الملقف صمم بطريقة تجعل فتحته المواجه للرياح الشمالية كبيرة بينما الفتحة المتصلة بسقف المنزل ضيقة ما يجعل سرعة الرياح الباردة اكبر من الرياح الساخنة .

وفي دراسة حول التسمية الشعبية لتصميم العمارة المستدامة في الشرق الأوسط والتي كتبها حسام البورمبالي ولويس فريننادو ، يشير الباحثان إلى أن التسمية لمصرية لصائد الرياح هي (ملقف) وهو عبارة عن فتحة ترتفع عاليا فوق البيت بفتحة أحادية الاتجاه تواجه الريح السائدة،  ويسقط الملقف الريح التي تتدفق فوق المباني و عبر فتحات الهواء الداخلية في الأسفل إلى مساحات البيت. ويلمح الباحثان إلى أن أفضل الأمثلة على استخدام الملقف وجدت في بيوت مدينة تل العمارنة وفي عصر الملك رمسيس الثاني (1300.م) في مدينة نب آمون.

وبلفت الباحثان في خاتمة الدراسة إلى أن العمارة المصرية حافظت على نظام الملقف حتى نهاية الدولة العثمانية ومع مطلع القرن العشرين تجاهلت العمارة نظريات علم الهواء واعتمدت على أساليب التهوية الحديثة مثل المراوح والتكييفات الكهربائية ما يؤدي إلى استهلاك نصف الطاقة في التهوية.

 

رسم كروكي لشكل الملقف في البيوت المصرية القديمة- المصدر جامعة دورهان
رسم كروكي لشكل الملقف في البيوت المصرية القديمة- المصدر جامعة دورهان

هندسة معمارية

يلمح جابر، إلى أن المصري القديم اعتاد التخلص من النفايات عن طريق تكويمها في أكوام خارج أسوار المدينة وتترك تحت حرارة الشمس لتجف، مشيرا ألى أن ذلك سبب في الكثير من المحلات العمرانية إلى انخفاض مستوى المنازل بالنسبة لمستوى الشارع واستمر الحال هكذا خلال عصور ما قبل التاريخ ( 3400 ألى 3200ق.م)، مردفا أن الحفائر دلت على وجود طبقات مدفونة تحت الأرض للنفايات  ممتدة على طول المحلات العمرانية.

ويشير جابر في كتابه، إلى أن المهندس المصري في العصور اللاحقة اهتم ببناء المنازل في مستوى أعلى من مستوى الشارع لتفادي هبوط مستوى المنازل، منوها بأن تلك الخطوة انعكست بشكل إيجابي على تخطيط المنزل وعدد حجراته وتهويته، كما سهلت إقامة نظام للتخلص من النفايات بأنواعها سواء الصلبة أو العضوية.

منزل صحي

الدكتور حسن كمال في كتابه “الطب المصري القديم” يلفت إلى أن تصميم البيت المصري اهتم باتساع صحن الدار أو الصالة وارتفاع سقفها المرفوع على أربعة أعمدة ووضع فتحات بالسقف للإضاءة والتهوية، وبجوارها توجد غرف استقبال الضيوف ثم الحجرات الداخلية وغرف النوم، ووجد فيه غرفة لإعداد الطعام، وكان يلحق بالفناء الخلفي للبيت (المرحاض)، وحوت بعض المنازل الفارهة أكثر من مرحاض بعضها ملحق بغرف النوم.

ويشير إلى ملاحظة في غاية الأهمية، وهي أن دورات المياه كانت دائما تقع في الزاوية الجنوبية الشرقية في البيت المصري في شكل قانون إداري صحي.

ويوضح كمال أن هذه الزاوية بالبيت هي أخر مكان تصل إليه الرياح من منطلق أن الرياح التي تضرب مصر هي رياح شمالية غربيه وبهذه الطريقة يضمن عدم انبعاث روائح كريهة.

دورات المياه

دورات المياه عرفت في مصر القديمة بشكل محدود في عصر الدولة القديمة (3200 ق.م)، وكانت قاصرة على الملوك والأمراء والنبلاء وكانت تصمم بشكل بدائي عبارة عن جانبين متوازيين منخفضين وبينهما إناء فخاري مملوء بالرمل والذي كان يفرغ عند الحاجة في أمان خارج أسوار المدينة.

ويذكر جابر أن التطور الأكبر في دورات المياه رافق الدولة الحديثة (1550 ق.م)، إذ أصبحت في جميع البيوت البسيطة والفارهة، وتطور شكل المرحاض وأصبح فتحة دائرية ذو قواعد ملساء ومائلة لتسهيل تنظيفها، ووجد في بعض المنازل أكثر من دورة مياه واحدة.

ويستشهد جابر بمنازل تل العمارنة التي اهتمت اهتماما كبيرا بدورات المياه، وفي مساكن العمال في دير المدينة عثر على مراحيض متحركة مثل الدولاب الخشبي أو على شكل مقعد بدون مسند يشبه حدوه الحصان.

الحمامات

يورد جابر أن ذكر لقب (المشرف على غرفة استحمام جلالته ) عرف في الدولة القديمة، كما توجد إشارة في قصة سنوحي من عصر الدولة الوسطى (2132 ق.م) لحمام الملك سنوسرت الأول، ملمحا إلى بساطة الحمامات في ذلك الوقت والتي لم تكن تعدو مجرد حجرة مبلطة بالجير، وفي عصر الدولة الحديثة تطورت وأصبحت الحوائط تكسى بألواح جيرية مصقولة أو بقطع حجرية ملساء تشبه القيشاني.

المياه والصرف الصحي

فيما يشير جابر إلى أن حفريات منطقة تانيس وجدت أنابيب فخارية كبيرة مدفونة تحت الأرض وقد احكم تثبيتها يبعضها البعض ويرجح أنها أما كانت لتوصيل المياه النظيفة أو لصرف المياه القذرة، وفي مدينة اللاهوت بالفيوم اتبع نظام المجاري وهو عبارة مرور المياه داخل مجاري كبيرة تمر من وسط الطرق أمام المنازل.
وفي تل العمارنة تطورت الفكرة إلى عمل إناء فخاري كبير مثقوب ويصب في أوعية خارج حوائط المنازل.

الهوامش

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر