الشاعر محمد توفيق.. 25 عاما تؤرخ لحياة رجل مغترب بالكويت رأس ماله البلاغة
على طريقة الإذاعية الكبيرة الراحلة أميمة عبد العزيز، بحس وطني متوهج وشعور إنساني مرهف، يشهد لها به كل من سمعها يبرز بصوتها وطريقتها حين كانت تقدم برنامج “أبناؤنا في الخارج”، الذي كان بمثابة صوت كل المصريين خارج مصر، وربط بين المصريين داخل الوطن وأبنائهم المتناثرين على خريطة العالم بروابط قوية من الفن الإذاعي المتقن والحرفية العالية والمعرفة الواسعة والشاملة والخبرة بأساليب التواصل مع المستمعين، يجري “ثقافة وتراث” حوارًا مع الشاعر محمد عبد الحميد توفيق، شاعر وعضو اتحاد كتاب مصر، عضو اتحاد الصحافيين العرب، عضو جمعية الصحافيين الكويتية، مقيم في الكويت ويعمل صحفيا في جريدة القبس، وشهرته محمد توفيق، من قرية الحبيلات الشرقية، التابعة لمركز أبوتشت، شمالي محافظة قنا.
محمد توفيق من مواليد 1971، وتخرج من معهدين بالإضافة لحصوله على ليسانس الآداب قسم اللغة العربية، في عمر 31 عامًا، له عدد من الأعمال الأدبية 8 دواوين شعرية من بينهم أدب الأطفال، كتاب سردي تحت الطباعة بعنوان “وجوه في الغربة”، وأخرهم ديوان “لهيب العسل” المطروح في معرض القاهرة للكتاب، سافر إلى سويسرا وفرنسا وأندونيسيا وأغلب الدول العربية في مهام صحفية، وإلى نص الحوار:
عرفنا بنفسك ومتى بدأت الكتابة الأدبية؟
محمد عبد الحميد توفيق، شاعر وصحفي مصري، مقيم في الكويت من قرية الحبيلات الشرقية بشمالى محافظة قنا، بدأت الكتابة منذ الطفولة في عمر 15 عامًا، ذُقت اليتم مبكرا، ولم تكد عيناي تتفتحان على الحياة حتى غادرنا والدي إلى ملكوت الله، كان عمري حينها ثلاث سنوات، ولم أكد أفطم من ثدي أمي حتى رحل أبي، فلا أذكر من صورته سوى طيف عابر، أذكر فقط حينما كان يصطحبني معه إلى المسجد حيث كان يعمل إماما وحافظا للقرآن الكريم، وكان بمنزلة كعبة يحج إليها الناس استنارة بعلمه وحفظا لكتاب الله على يديه.
وأمي هي الحكاية الكبيرة في حياتي، لقد أسميتها القديسة وكتبت عنها ديوان شعر كاملا عقب رحيلها عنا منذ عامين ولا أستطيع نشره الآن، لأنني حزين بما يكفي لكسر جبل شاهق، لقد ربتنا وترملت وهي في ريعان الشباب وفورة الجمال، فرفضت الزواج وانكسرت علينا، وربتنا أنا وأخوتي “نحن 5 أخوة 3 أولاد وبنتان”، مات أخي الأكبر وتبعته أختي، وبقيت أنا وشقيق وحيد وشقيقة وحيدة، وماتت أمي بعد حياة حافلة بالكفاح والصبر والمشقة.
ما هي حالتك الاجتماعية ؟
أنا متزوج وعندي 4 أبناء “عمرو وعبد الرحمن وهما توأم، في الصف الأول الثانوي، وأحمد في الرابع الابتدائي وأمل في كي جي تو وعمرها 5 سنوات” وهي الأثيرة الحبيبة المشاغبة الرائعة، وأنا مواليد 1971 لكني أشعر أنني ابن العشرين، حيث روحي مغامرة وقلبي مفتوح على أفق الحياة والإبداع والحب.
لك ديوان يحكي عن الشجر ” سيرة أخشاب تتهيأ للملكوت” ونشأت في قرية الحبيلات الشرقية حدثنا عن شجرة الخوخ؟
رغم أنني حققت في الكويت نجاحات كبيرة في الكتابة الصحفية والأدبية، وسافرت سويسرا وفرنسا والهند وأندونيسيا وجميع الدول العربية في مهمات صحفية وأدبية، مازلت أذكر حقل القصب، حيث كان يصطحبني معه فأمرح حول شجرة الخوخ على أطراف الحقل وأشبع من ثمرها، لذا عشقت البراح والحقول والخوخ، وعشقت الكتابة منذ الصغر وعملت في الصحافة والكتابة والدراسات الأدبية منذ فترة المراهقة.
ما الصعوبات التى واجهتك في مشوارك ؟
من أصعب المواقف في حياتي حينما كتبت موضوعا صحفيا، وأحلت إلى المحاكمة وحكم القاضي عليَّ بالسجن لمدة 3 أشهر أنا ورئيس التحرير، لكن محكمة الاستئناف برأتنا من تهمة السب والقذف، كان هذا الموقف صعبا في بداية حياتي المهنية، وتعلمت درسا قاسيا كما اكتسبت صلابة وقوة، فالصفعة التي لا تقتلك تقويك.
أما الموقف الأقسى والأمر، حينما رن الهاتف في فجر أحد الأيام وأنا في الكويت، فوجدت زوجتي على الطرف الآخر تخبرني أن أمي قد فارقت الحياة، فعدوت مجنونا من البيت إلى المطار، واحتضنت جثمانها منكسرا متهاويا فاقدا نصف عمري، كما أن نشأتي يتيما لكن اليتم الجميل الذي منحني صلابة وفرادة وإرادة فولاذية ونشأت متفوقا دراسيا وثقافيا، وهزمت ظروفي بمساعدة أمي وأخي الأكبر، فبعد اجتيازي المرحلة الإعدادية من أبي تشت، ومعهد المعلمين بنجع حمادي، انتسبت للمدرسة الثانوية العامة ثم معهد قراءات القرآن الكريم بقنا، وحصلت على ليسانس الآداب قنا جامعة جنوب الوادي 2002 شعبة لغة عربية، حتى أصبحت رجلا يشار إليه بالبنان شعرا ومحبة ووعيا ووظيفة.
متى شعرت بلحظات الانتصار والفرح.. و25 عامًا من الحب؟
هي أكثر من أن تحصى، يكفي أن أذكر لك فرحتي بتخرجي في كلية الآداب وحصولي على المركز الأول متصدرا دفعة قوامها مئات الطلاب، وأنا في عمر الـ 31عامًا، فضلا عن فرحتي بصدور ديواني “سيرة أخشاب تتهيأ للملكوت” وقد حظي بحفاوة كبيرة من النقاد والشعراء والمتابعين، وكُتبت عنه أكثرمن 20 دراسة نقدية، ومن الأفراح التي جعلتني صاعدا في السماء لقائي بأول حبيبة بعد فراق دام 25 عاما، ساعتها نظرت إليها وقلت لها: أنتِ كما أنتِ، فبكت وازدهيت أنا لأكتب عشر قصائد لها.
تزوجت غيري وأنا وجدت امرأة أخرى تشبه روحي، هي أم أولادي التي احتضنت الشاعر داخلي، وتحملت تقلبات مزاجي، ووفرت لي أرضية حب وحياة، ساندت عملي الصحفي ومشروعي الإبداعي، ووقفت بجانبي وكانت بمنزلة السند والملك الذي يغفر ويصفح ويحب ويسند ارتعاشة الروح.
زوجتي أصبحت أيقونتي وما بيننا الآن يتجاوز الزواج التقليدي إلى العشق والصداقة، والاحتماء بنورها، وبعد أن أنجبنا 4 أبناء أرى الرباط أصبح أكثر قداسة وأبدية.
كيف ترى مصطلح “مبدعي الأقاليم”.. وهل يجدون فرص وطرق متاحة لنشر إبداعهم؟
أنا ضد تصنيف الأدباء، وأرفض مسمى أدباء الأقاليم، فإما أن يكون المبدع متميزا وحقيقيا أو ليصمت، والآن أصبح الفضاء مفتوحا للنشر، يكفي أن تكتب نصا أو فكرة وتنشرها عبر صفحات التواصل لتلقى متابعة، المهم أن تكون الفكرة نابعة عن رؤية إنسانية.
ودعني أسألك: أنتِ ابنة بلدي، من أين سمعتِ عن الشاعر الصحفي محمد عبد الحميدتوفيق؟ وأين قرأتِ نصوصه وإبداعه، أليس عبر مواقع التواصل؟ إذن هذا بحد ذاته ينفي فكرة تصنيف المبدعين إلى أدباء أقاليم وأدباء القاهرة.. هذا لا ينفي وجود هيمنة وسطوة للقاهرة، لكن المبدع الحقيقي يبزغ وينتشر حتى لو كان يعيش في الأدغال أو الصحاري، أعطني غرفة واحدة وحماما ومطبخا ومكتبة فقط، أما الأدباء كثيرو الشكوى فهم الضعاف والانهزاميون والعاجزون.
ما هي رؤيتك لتنمية الصعيد ومحافظة قنا وهي بلد القبليات كما هو معروف؟
التنمية تتحقق بتعليم جيد وانفتاح حقيقي على الوعي والفكر والثقافة والأفق الإنساني الأرحب، ويوجد بعض مدن في قنا تغلب على ناسها الاستنارة والوعي مثل نجع حمادي وقوص وقنا المدينة.
لن تتحقق التنمية ما دامت الدولة المركزية المتمثلة في النظام الحاكم والدولة العميقة تتبنى القبلية وتهمش النهضة المنشودة بالصعيد، وإن كنت أرى أن أجيالكم أحسن حالا من جيلنا، فنحن ظللنا سنوات نذاكر على “لمبة الجاز” ونشرب مياها من الطلمبة، فقد كانت قرانا بلا كهرباء ولا مياه نقية.
ورغم التطورات الحادثة في صعيد مصر، لا نزال نعاني من مشكلات أزلية بعضها بسبب المفاهيم والعادات المتوارثة والتي تتسبب في الأخذ بالثأر، والزواج على أساس قبلي، وحرمان البنات من الميراث، والانتماء إلى القبيلة أكثر من الوطن الأم.
لكننا لن نيأس ولن نفقد الأمل من التغيير في محيطنا ومجتمعاتنا التي نشأنا فيها، ويتزايد الأمل ببزوغ دماء شابة وعقول تحسن التفكير، ووجود الكثير من المستنيرين والمثقفين والمنفتحين على أفق الحياة.
وبماذا تطمح في السنوات القادمة وكيف ترى أبوتشت بعد 10 سنوات ثقافيا واجتماعيا؟
طموحاتي لا تحد، فعلى المستوى الشخصي أطمح إلى استكمال مشروعي الشعري، لأصدر المزيد من الدواوين في فضاءات مختلفة، حيث أسعى إلى كتابة مفارقة تكسر السائد.
أسعى أيضا إلى إصدار المزيد من كتب الأطفال شعرا وسردا، وأحلم بالمساهمة في فعل ثقافي كبير يخدم مركز أبي تشت ومحافظة قنا، وأخطط أيضا أن أكرس وقتا طويلا لأعرف مصر كلها على الأرض، أسعى إلى زيارة الكثير من مدنها وقراها، أود معرفة عادات أهلها لأرصد كل ذلك وأكتبه.
أحلم أيضا بتغيير هائل في حياتنا لنصبح أكثر وعيا وتسامحا وقبولا للآخر، لتختفي بذلك لغة الدم والعنف، ويحل بدلا منها التواصل الإنساني الأرحب الذي تحميه دولة القانون والعدل.
خلال عشر سنوات من الآن، أتوقع حركة ثقافية وفكرية في أبوتشت، وألا حظ ظهور جيل جديد من الشباب المبدعين في الشعر والقصة والمسرح والصحافة، وأتوقع أن يسهم ذلك في حلحلة القبلية قليلا.
وفي ظني أن التغيير بطيء جدا في أبي تشت على خلاف نجع حمادي وقنا وقوص مثلا، لكن الأمور أفضل قليلا الآن من السابق على مستوى العلاقات الاجتماعية والتفاعل مع القضايا.
ماذا عن المغتربين بالخارج ووضعهم خاصة الأدباء منهم؟
المصريون المغتربون في الكويت كادحون، وفي مفارقة ملحوظة ومدهشة يلتزمون بالقانون تماما ويكسرون قاعدة أن المصري فهلوي وعشوائي في بلده.
المصريون هنا مسالمون وينكبون على لقمة العيش، وهم من أكثر الشعوب العربية انتماء لبلدهم وتعلقا بترابها، تلمس ذلك من خلال أحاديثهم في تجمعاتهم وفنونهم الشعبية التي تظهر حينما تسنح الفرصة، فالغناء الشعبي والمواويل وغيرها لسان حال المصري حين يجلس مع بني جلدته في أوقات التسامر.
أما الأدباء المصريون في الكويت فهم كثر، ويساهمون في صنع الحراك الثقافي شعرا وسردا ونقدا وفكرا وفنا تشكيليا بجانب المسرح والموسيقى وغيرها، هم بالفعل قوة ناعمة تبرز وجه مصر الحضاري والتاريخي.
أي أشعارك الأحب والأقرب لقلبك؟
أكثر أشعاري قربا لقلبي ديوان سيرة أخشاب تتهيأ للملكوت، خصوصا المقطع الذي أقول فيه:
من المؤكد أن البشر تعلموا العناق من الأغصان الملتفة
الفرق: أن الشجرة لا تطعن شجرة من وراء ظهرها
يذكر أنه صدر للشاعر محمد توفيق دواوين شعر فصحى: “هندسة الأوجاع” عام 1999 – النشر الإقليمي بالهيئة المصرية لقصور الثقافة، “سيرة أخشاب تتهيأ للملكوت” – دار التلاقي عام 2007، “وحدة الشجر العارف بالسر”- دار الأدهم بالقاهرة 2009، “طائرتي الورقية” – شعر للأطفال- دار الرسالة الكويت 2009، “تحصدني بدمعتها السنابل” – دار روافد القاهرة 2017، “لهيب العسل” – دار الأدهم القاهرة 2019، تحت الطبع: سرد من سيرة الترحال القمر المسافر- قصص للأطفال يا مولاي – شعر فصحى، وكتاب سردي بعنوان وجوه في الغربة دخل المطبعة، ومجموعة قصصية للأطفال بعنوان حكايات النيل يصدر الشهر القادم.
كما عمل في العديد من الصحف المصرية والعربية منها المجلة العربية السعودية، جريدة الأولى الكويتية، الفيصل السعودية، صوت الأمة، الدستور، أخبار الأدب، الأحرار، الأهرام الاقتصادي مصر.