السينما المصرية قبل ناصيبيان: هنا شاركت كل الجنسيات
في الخامسة مساء اليوم يتوجه وفد من المثقفين المصريين لزيارة جمعية النهضة العلمية والثقافية (الجيزويت) في مقرها بالقاهرة لتأكيد مختلف صور التضامن مع الجمعية التى احترق مسرحها مساء الأحد الماضى. «باب مصر» يستعرض مسرح «ناصيبيان» الذي يعتبر ثاني أقدم مسرح في مصر، بعد “استوديو مصر”. كما يعتبر جزءا من تاريخ القاهرة سواء عمارة المدينة أو صناعة السينما المصرية. ويعد جزءا من الحركة الثقافية الأهلية الحديثة في مصر.
تأسس المسرح على يد “هرانت ناصيبيان” رئيس الجالية الأرمينية في مصر في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي، الذي باعه بعد ثورة يوليو 1952 واشترته جمعية النهضة الثقافية والعلمية “جزويت القاهرة”.
هرانت ناصيبيان
خمسة عشر عاما ازدهر فيها نشاط مسرح “ناصيبيان” الذي يحمل اسم مؤسسة الأرمني، منذ تأسيسه في عام 1937 حتى عام 1952. إذ انتقل إلى مصر خلال الحرب العالمية الثانية حتى استقر فيها. وشهد المسرح تقدما ملحوظا منذ عام 1945. وقدم المسرح العديد من الأفلام المصرية مثل” “عروس النيل”، “باب الحديد”، “الحفيد”، “شفيقة ومتولي” و”الفتوة” وغيرها من الأفلام.
ولكن لم يكن ناصيبيان هو الأجنبي الوحيد الذي يساهم في تطور صناعة السينما المصرية. إذ جاء وجوده في مصر في الوقت الذي اتجهت فيه جميع الدول المهتمة بصناعة السينما إلى الاستعانة بالخبرات والتجارب الأجنبية. حتى أمريكا نفسها التي تعد رائدة عالميا في صناعة السينما استعانت بأساتذة أوروبيين لتحسين الصناعة الفنية.
كذلك مصر التي لم يتواجد بها استوديوهات سينمائية مجهزة بشكل كاف لتسجيل الأفلام الصوتية التي كانت مختلفة عن نظيرتها الصامتة. مما اضطر الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب إلى إحضار مصوري السينما إلى مصر.
انطلاقة عبدالوهاب
واستعان عبدالوهاب بمتخصصين من فرنسا لتصوير أفلامه الأولى. وكانت تنتهي إقامتهم في مصر بمجرد انتهاء تصوير الفيلم، ثم يعودون إلى فرنسا حتى يطلبهم عبدالوهاب مجددا. وهكذا دارت الكرة. حتى تأثيرات الحرب العالمية الثانية التي جعلت حركة التنقل والسفر أكثر صعوبة، بل كان من المستحيل إحضار مصورين أوروبيين للإشراف على العمل في الأفلام المصرية.
وكان هذا السبب في تفكيره للاستعانة بمصورين سينمائيين يثق بهم بشكل دائم. ووفقا لما ذكر في مجلة «الكواكب» لعام 1951، تمكن بعض المصورين الأوروبيين من الاستقرار في مصر، وصوروا أفلامهم لفترة طويلة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
جاليات في مصر
ومنهم المصور الهنغاري “فيري فاركاس” والمصور الفرنسي “سامي بريل”. فيما كانت الجالية الأرمنية هي الأكثر نشاطا في السينما المصرية، على رأسهم “هيرانتناصيبيان”، الذي أسس استوديو بنفس الاسم وضم العديد من الأرمن المتخصصين، الذين عملوا كمهندسي صوت وإضاءة ومصممي مواقع، وغيرهم ممن عملوا في تطوير وطباعة الأفلام.
وتواجد مصوران إيطاليان كانا يصوران أفلاما مصرية أيضا هما “بريمافيرا” و”توليوكياريني”. ولكن عندما اندلعت الحرب بين الحلفاء والمحور، عاد هذان المصوران إلى موطنهما إيطاليا. ولم يتم سماع أي أخبار عنهما منذ ذلك الحين.
كان هناك أيضًا مصور إيطالي آخر من قبلهم. كان يصور الأفلام المصرية الأولى ويدعى “كورنيل”، الذي كبر وتوفي في مصر. وكذلك المصور الإيطالي “دي لوكا” الذي ظل يعمل في مصر حتى الستينيات.
استوديو مصر
وعندما تم إنشاء استوديو مصر، كان هناك مخرجون أجانب إذ تم إحضار المخرج “فريتزكرامب” لتوجيه الإنتاج الأول للاستوديو. وهو فيلم “وداد” بطولة أم كلثوم. وكان يعتقد أنه ليس كل الأفلام التي أنتجتها الشركات المصرية يجب أن تكون من الدرجة الأولى.
وفي اعتقاد كرامب أنه يتوجب أن يكون هناك فيلم أو اثنان عظيمان في السنة، والباقي يجب أن يكون عَادِيًّا ولكنه قوي. كما كان يميل إلى إدخال العنصر الكوميدي في الأفلام المصرية، لأن الجمهور فضل الكوميديا والترفيه على موضوعات أخرى. أنتج كرامب فيلمًا آخر لـ استوديو مصر وهو فيلم “لاشين” الذي كتب السيناريو الخاص به رجل ألماني، وترجمه المتخصصون في ستوديو مصر. ثم عاد كرامب إلى ألمانيا عندما حذرت اللافتات الدولية من اندلاع الحرب.
وكان المخرج الآخر الإيطالي “ماريو فولبي” يعمل في الاستوديو وأخرج الفيلم الأول “أنشودة الفؤاد”. كما عمل في في الفنار السينمائي، التي أسستها بهيجة حافظ، لإخراج فيلمها الثاني “الاتهام”. لكن لم يمكث فولبي طويلا في مصر قبل أن يعود إلى إيطاليا.
وبحسب موقع “أليكس سينما” التابع لمكتبة الإسكندرية. أحضر ستوديو مصر “أندريا فينو” من فرنسا لترتيب شؤون الاستوديو وتنظيم برنامج فني جديد، ومكث في مصر لبضع سنوات نقل فيها خبراته إلى الاستوديو المصري. تضمن برنامجه نفس الفكرة التي طرحها المخرج الألماني كرامب في وقت سابق لوجود الكوميديا.
وقدم أفلاما أولها كان “محطة الأنس” بطولة علي كسار وعقيلة راتب. والفيلم الآخر كان (الستات في خطر) بطولة الراحل إحسان غازيرلي. وعندما انتهت إقامته في مصر عاد إلى فرنسا تاركا وراءه في مصر كتاب نشره بالفرنسية بعنوان “السينما” كتب فيه عن صناعة الفن السابع!