«الحمار» في التراث والثقافة

تصوير: أحمد دريم

يتردد مؤخرا سؤال ماذا تريد الصين من الحمير المصرية؟ في إشارة لاستغلال الصين لجلود الحمير المصرية بعد ذبحها لصنع بعض العقاقير، مما يهددها بالانقراض، والبالغ عددها وفق إحصائيات رسمية 1.5 مليون حمار تعيش في ريفها ومدنها، لكن من المتوقع أن الحمير غير المسجلة أكبر من هذا الرقم بكثير، وكما تشير تقديرات غير رسمية يصل عددها إلى 5 ملايين حمار منتشرة في مختلف قرى مصر، وحجم تصديرها يصل إلى 8 آلاف من جلودها. كل هذا يجعلنا نسلط الضوء على الحمار في التراث المصري.

إليك ما قد يدهشك من معلومات عن مكانة الحمير في حياة الإنسان وخاصة المصري منذ أكثر من 5 آلاف سنة:

الحمار في التراث 

قبل 88 عامًا تحديدًا عام 1930 أسس الأديب والمسرحي والمخرج زكي طليمات أول جمعية للحمير بمصر، كأداة لمقاومة تعنت الاحتلال الإنجليزي وقتها، بعد إغلاق المعهد المسرحي نتيجة لإعازهم للملك فؤاد حينها بخطر إنشاء معهد للمسرح الذي كان يسعى طليمات لإنشائه في البداية في كشف الحقائق وفساد الحكم وبالتالي يشكل خطر على حكمه.

ضمت الجمعية 30 ألف عضوًا من المصريين، أبرزهم عميد الأدب العربي طه حسين وعباس العقاد وتوفيق الحكيم وسيد بدير وترأست الجمعية في أحد الفترات الفنانة نادية لطفي.

كما كان للجمعية قواعد وأسس فعند انضمام العضو للجمعية يلقب بالحرحور أي الجحش الصغير، ثم يحصل على رتبة أعلى حسب مجهوده، وقد يظل العضو 20 عامًا دون أن يحصل على اللقب وهو “حامل البردعة” أي “حمار كبير”، ولم يحصل على هذا اللقب سوى ثلاثة أعضاء من الجمعية هم زكي طليمات وشكري راغب والمرسي خفاجي.

كادت الجمعية أن تغلق بعد وفاة السيد بدير، آخر الأعضاء المؤسسين للجمعية عام 1986 لولا أن أحياها الدكتور محمود محفوظ وزير الصحة المصري الأسبق، وتقدم الجمعية خدمات مختلفة للمجتمع منها محو الأمية، وتشجير الأحياء، وإنشاء الحدائق، واستصلاح الأراضي لتمليكها للشباب، وتنظيم الرحلات الداخلية والخارجية، ورعاية المرضى من خلال عيادات الأطباء الذين انضموا للجمعية، وتقدم الأجهزة الطبية الحديثة كهدايا للمستشفيات الحكومية، جاء ذلك بحسب ما وثقت مجلة “ذاكرة مصر المعاصرة” التي تصدر عن مكتبة الإسكندرية.

الحمير في تاريخ الحضارات

أيضًا في الديانات المصرية واليونانية والرومانية قديمًا كانوا يصورون بعض الآلهة على هيئة الحمار، تقديرًا لقدرته على العمل والسير لمسافات طويلة دون تعب.

وقال الباحث الأثري أحمد عامر لـ”ثقافة وتراث”، إن تاريخ الحمار في التاريخ المصري القديم يعود إلى عهد الدولة القديمة، على أقل تقدير، حيث كان يستعمل لحمل الأثقال، وفي عهد الأسرة الخامسة عثر له على رسوم عدة؛ أحدها يصور “حمارين يحملان محفة بينهما لجلوس موظف للتفتيش على أعمال الحقول”.

وإلى جانب استخدامه في الأعمال الزراعية كان المصريون القدماء يعتمدون على الحمار في القوافل التي كانت تعد أهم وسائل المواصلات آنذاك، وفي عهد الأسرة السادسة عندما قام “حرخوف” برحلته للبحث عن البخور والعاج في أعالي بلاد النوبة كان معه 300 حمار، وقد عاد بها محملة بالنفائس من هذه الجهات.

كما ظهر الحمار مصورًا على جدران معبد حتشبسوت في الدير البحري في عهد الأسرة الثامنة عشر، هذا وقد استعان الفلاحون المصريون بالحمار في عملیات درس الحبوب وفصلھا عن الأعشاب، أما عن عملیات النقل بواسطة القوافل عبر الصحاري كان يحمل البضائع والحمولات الثقیلة.

وأشار “عامر” إلى أن المصريون القدماء كانوا يقدسون العديد من الحيوانات التي تتصل بحياتهم، وهم لم يقدسوا الحيوان لذاته، إنما قدروا فيه سرًا من أسرار الخلق، ولونًا من ألوان قدرة الله، والمصريون القدماء روعهم مشاهدة الحيوانات المفترسه والضرر الذي تلحقه بهم، فأخذوا يفكرون فيها ووجدوا أن خير سبيل لجلب خيرها أو اتقاء شرها أن يتقربوا إليها، وهم في كلتا الحالتين إنما عبدوا الروح الخفي في الحيوان الذي يتقمصها، وقد اعتبر الحمار رمزا للإله “ست”، الذى كان يمثل روح الشر خلال العصر المتأخر، وكانت التضحیة تتم خلال بعض المراسم الدينیة، بواسطة الخنزير والحمار.

وفي القرآن ذكر الحمار في أكثر من موضع، منها “كمثل الحمار يحمل أسفارا”، حيث شبه الله سبحانه وتعالى اليهود الذين لم يفقهوا التوراة بالحمار الذي يحمل المؤن دون أن يدري قيمتها.

الحمير في الأدب والتراث

وفي التراث الشعبي اشتهر الشيخ نصر الدين خوجه الرومي (جحا) بحماره الذي صاحبه في أغلب مواقفه المأثورة عنه. وجحا هو صاحب أشهر النوادر التي قيلت عن الحمير.

وفي الأدب الحديث اشتهر الحمار بأدواره في القصص والروايات والشعر والسينما. لكن أشهر حمير الأدباء كان “حمار الحكيم”، الذي ذكره الأديب توفيق الحكيم في روايته “حمار الحكيم”. حيث خص هذا الحيوان دون غيره بأن يكون المعادل الموضوعي للكشاف الذي يقيس سلبيات المجتمع المصري عامة، والأرياف خاصة. وأيضًا الكاتب الساخر محمود السعدني الذي جعل من الحمار رمزا لبطل كتابيه “حمار من الشرق وعودة الحمار”.

ويقول الدكتور فرج قدري الفخراني، أستاذ الأدب الشعبي بكلية الآداب جامعة جنوب الوادي، لـ”ثقافة وتراث”، إن للحيوان في الأدب الشعبي والتراث أهمية كبيرة. حيث يؤدي الحمار الأفكار التي لا يستطيع الكاتب البوح بها. فيستخدم كرمز للبطل أو الذي يقوده. وأشهر الحيوانات التي استخدمت في الأدب الشعبي والتراث الحمار.

وحول اختيار الحمار تحديدًا يوضح الفخراني أن الحمار على وجه الخصوص يقيم حوارات كثيرة بينه وبين الحيوانات الأخرى. فهو الأكثر صبرًا وتحمل وجلد عن نظائره من الحيوانات. ومثل رمزية الصبر والجلد في الأدب العربي والتراث على الرغم من أنه مثل بروح الشر في التراث المصري القديم. ولكن وظف في الأدب العربي والتراث في مفردات الحواديت، وأنه قادر على مساعدة البطل. والوصول إلى الأهداف السامية مثل أشهر القصص في التراث قصة الشاطر حسن أو جحا وزوجته وأولاده. إذ استطاع الحمار اقتيادهم ونقلهم عبر الجو من مدينة لأخرى لعمل الخير. وفي التراث الصوفي اليهودي عند فئة الحسيدية الولي الصديق. واسمه بالعبرية “ساديك” الذي قادة الحمار ونقله عن طريق الجو من مدينة لأخرى لعمل الخير.

وأكد دكتور الفخراني أن قصة الحمار والأسرة موجودة ومذكورة في التراث العربي والفارسي والتركي والعبري.

الصناعات

نستطيع أن نطلق على الحمار أنه رفيق الإنسان في بناء حضاراته خاصة الفلاح. ومازال الحمار يشكل عنصرا أساسيا في بعض الصناعات باستخدامه كوسيلة نقل داخل مصانع الطوب.

على سبيل المثال التي تصمم بطريقة يصعب المرور فيها بالسيارات، بخلاف الزراعة بالنسبة للفلاح. فضلاً عن استخدتم مخلفاته كسماد عضوي في الزراعة.

جدير بالذكر أن العالم يحتفل باليوم العالمي للحمير في 8 مايو من كل عام. كما فاجأت مجلة “القافلة”، الصادرة عن شركة أرامكو السعودية. في أحد أعدادها قراءها بموضوع غلاف مثير للدهشة والاستغراب، حين تصدر “الحمار” الغلاف وملف العدد. كان ذلك في محاولة منها لإعادة اعتبار الكائن الذي ناله القسط الأكبر من الظلم والازدراء. وصولًا للفت نظر القراء لفضل الحمار على المخزون الثقافي الإنساني ومساهمته المميزة في إثراء التراث العربي.

مشاركة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر