التوني «سلطان المداحين».. إنشاده كوثر تنهل منه أرواح المحبين
التوني، رغم من رحيله منذ سنوات إلا أنه ما زال الحاضر الغائب في قلوب متصوفة دشنا، خصوصا إذا ما تذكروا قصيدته المرتجلة “أنا بمدح اللي يفوح المسك من قدمه”، وقصيدة “و عملت غنامي لأجل ما أقول حيّ”، وغيرهما من عشرات القصائد الصوفية الملهمة، التي تغنى بها “سلطان المداحين” أحمد التوني، والتي ما زالت تعيش في وجدان المتصوفة ومحبي فن الإنشاد الديني.
لا ينسى الأهالي ليالي التوني التي تميزت عن غيرها بالسلطنة، لذلك سموه “سلطان المداحين”، واصطبغ أداء التوني بصبغة روحية مغلفة بحالة من الجذب، فسمى بعمدة المجاذيب، ليتحول إنشاد التوني إلى كوثر تنهل منه أرواح المحبين متمايلين مع رقص أنفاسه، ليلقب بساقي الأرواح.
منشد مجدد
يذكر الشيخ محمود عبدالعزيز، متصوف رفاعي ، 63 سنة، فترة السبعينات حين ذاع صيت التوني في صعيد مصر، قائلا: “التوني من مواليد الحواتكة بمركز منفلوط بمحافظة أسيوط، ومن مواليد حوالي 1918، وبدأ طريقه في عالم الإنشاد منذ الخمسينات وذاع صيته في السبعينات، في فترة كان الإنشاد الديني يؤدى بالدف فقط، لافتا إلى أن التوني كان أول من أدخل الآلات الموسيقية إلى فن الإنشاد، حيث فوجئنا به في إحدى المرات في مولد الشيخ جلال يقوم بتقليد صوت الكمنجة مستخدما حنجرته وبعدها أدخل الآلات الموسيقية مثل العود والكمنجة والناي، حين سأل عن ذلك قال: إنها تقرب المعنى وترقق المشاعر.
أستاذ الأساتذة
ويلفت الشيخ منتصر الدشناوي، منشد، إلى أن التوني صاحب مدرسة فريدة في عالم الإنشاد، ويعتبر من أوائل المنشدين الذين وصلوا إلى العالمية، مشيرا إلى أنه في فترة الثمانينات طاف معظم بلدان أوروبا شاديا بفنه.
ويلمح الدشناوي إلى أن التوني امتلك صوتا متميزا جمع بين القوة والمرونة بالإضافة إلى الإحساس العالي، وكان يتحرك بصوته بين المقامات الصوتية بكل يسر، فهو أستاذ الجيل في فن الإنشاد دون منازع، تعلم في مدرسته العشرات من كبار المنشدين في وقنا الحالي؛ أشهرهم ياسين التهامي وأمين الدشناوي.
الكأس والمسبحة
ويلمح محمد عبدالدايم، متصوف، إلى أن التوني اشتهر في بداياته بأنه كان ينشد ممسكا سبحة قصيرة، وكان غالبا ما يحركها بين يديه أثناء اندماجه في المديح، ثم ما لبث أن أدهش محبيه في إحدى ليالي المولد وطلب كأسا وراح يضرب إيقاعا مستخدما المسبحة والكأس وسط إعجاب الدراويش وحضور الليلة، وحين سأل عن ذلك أجاب أن أحد الدراويش روى له أنه رآه في الرؤيا ينشد من أمام ضريح السيدة زينب مستخدما الكأس والمسبحة، يعلق زغلول ومن يومها أصبح الكأس والمسبحة لازمة للتوني، كأنه يضبط إيقاع حالته الصوفية.
حالة
ويقول حسين زغلول، متصوف، إن التوني كان حالة أكثر منه منشد، وكان يغلب عليه طابع الجذب، لذلك كان يهيم في معاني كلمات القصيدة فيلهب حماس الذاكرين فيهيموا ويترنحوا على نغمات صوته، لافتا إلى أنه عرف عنه عدم اهتمامه بالأجر المادي لعشقه فن الإنشاد، وأحيانا كثيرة ما كان ينشد في موالد الصالحين بدون أجرا ليروي روحه وأرواح المحبين بمعاني الحب الإلهي والعشق المحمدي.
رحيله
استمر التوني في فن الإنشاد حتى وفاته في 14 مارس عام 2014، ودفن في مسقط رأسه بقرية الحواتكة، وفي هذا السياق يقول ابنه محمود التوني، منشد: “كانت أخر كلمات والدي وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة أنا بمدح اللي يفوح المسك من قدمه”.
2 تعليقات