التفاصيل الكاملة لتورط مسؤولين بالمتحف المصري الكبير في سرقة تمثال «أوزوريس»
استبدال تمثال برونزي للإله أوزوريس بعملة قديمة مقلدة، كان السبب في الكشف عن تورط قيادات تشغل مناصب رفيعة في المتحف المصري الكبير، في قضية فساد وسرقة آثار. فيما تم القبض على المتهمين وإحالتهم للجنايات بعد تحقيقات استمرت منذ ديسمبر الماضي.
سرقة بالمتحف المصري الكبير
قرر المحامي العام الأول لنيابة الأموال العامة، إحالة المتهمين في القضية إلى محكمة الجنايات. وهم كل من: أمين العهد الأثرية ورئيس مخزن الآثار غير العضوية السابق (رقم 91) بمركز ترميم الآثار بالمتحف المصري الكبير، ورئيس قسم الآثار اليونانية والرومانية بنفس المتحف حاليًا، ومدير إدارة المخازن الأثرية والتسجيل السابق بمركز ترميم الآثار، ومدير إدارة اختيارات القطع الأثرية للعرض المتحفي بالمتحف المصري الكبير حاليًا، ومدير شؤون الآثار والمعلومات ومسؤول قاعدة البيانات الإلكترونية السابق بالمتحف المصري الكبير. وذلك على خلفية اتهامهم بسرقة تمثال من البرونز لأوزوريس من المتحف المصري الكبير. والذي يعود تاريخه إلى العصر الفرعوني المتأخر.
ووفقًا للادعاء، فإن المتهم الرئيسي استولى على التمثال والأوراق الرسمية المتعلقة به بسبب وظيفته. حيث تم تسجيل الآثار المسروقة باسم الدولة. وبدلاً من حفظها وتسليمها، احتجزها المتهم لنفسه بهدف امتلاكها وإخفائها.
وجاء في أمر الإحالة أن المتهم بصفته موظفا عاما ومن الأمناء على الودائع “رئيس مخزن وأمين عهد أثرية بمخزن الآثار غير العضوية – الآثار – بالمتحف المصري “الكبير” اختلس أموالاً وأوراقاً وُجدت في حيازته بسبب وظيفته. وسرق تمثالاً أثرياً -تمثال من البرونز لأوزوريس يعود إلى العصر الفرعوني -المتأخر من الآثار المسجلة المملوكة للدولة المعهود إليه حفظه، واختلس الأصل الورقي من المحضر المؤرخ 10/10/2012 المثبت لإجراءات استلامه التمثال الأثري والمسلم إليه بسبب وظيفته إلا أنه احتبسهما لنفسه بنية تملكهما وإضاعتهما على ملك جهة عمله.
نص التحقيقات
اقترنت تلك الجريمة- حسب نص التحقيقات- بجريمة تزوير محررات رسمية ومحررات رسمية إلكترونية، واستعمالها ارتباطا لا يقبل التجزئة، حال كونه من الموظفين العموميين ارتكب تزويرا في محررات رسمية وهي دفتر تحركات الآثار بمخزن الآثار غير العضوية رقم 91 بمركز ترميم الآثار بالمتحف المصري الكبير. إذ سجل قيد وتسجيل العملات الأثرية بالمتحف المصري الكبير، قائمة تسليم العهدة الأثرية المرفقة بالمحضر المؤرخ 29/1/2015، بطريقي الحذف وزيادة الكلمات وجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة.
كما أشارت التحقيقات أيضا إلى أن الجريمة وقعت من خلال حذف بيانات التمثال الأثري من قاعدة البيانات دون رقمه وأمدهما أيضا بصورة وبيانات ووصف قطعة معدنية زُيفت على غرار الآثار، ليجردها على تلك القاعدة برقم التمثال المار بيانه بالمخالفة للحقيقية.
وزيف أثر بقصد الاحتيال، وكان ذلك بأن زيف قطعة معدنية على غرار العملة الأثرية التي يعود إصدارها إلى العصر التاريخي الروماني والبطلمي بمصر القديمة، متداولا إياها على أنها آثار أصلية مثبتة بيانها بالمحررات المزورة محل الاتهام السابق قاصدا الاحتيال على مسؤولي جهة عمله وإخفاء لجريمة الاختلاس محل الاتهام أولا.
فيما تم تسليم التمثال البرونزي لأوزوريس إلى المتهم بتاريخ 10/10/2012. وأن المتهمين رئيس لجنة الإشراف على التسليم بين المتهم الأول وأمين المخزن سلفه، لم يسلما التمثال المشار إليه إلى أمين المخزن اللاحق عليه، وسلم المتهم الأول مكانه عملة مزيفة.
آثار منهوبة
«هذا الأمر وارد حدوثه في كل متاحف العالم وليس مصر فقط. ولن يؤثر على افتتاح المتحف المصري الكبير» كان هذا تعليق د. مونيكا حنا، عميد كلية الآثار والتراث الثقافي والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري في أسوان.
وأضافت لـ “باب مصر”: “حدثت وقائع مشابهة في المتحف البريطاني ويجب اتخاذ احترازات لمنع تكرار مثل هذه الجرائم”. وعن علاقة سرقات الآثار بالأحداث بعد عام 2011 وزيادة أعداد الآثار المعروضة في مزادات عالمية، قالت: “لا توجد صلة، فالمتاحف كلها تتعرض للسرقة بشكل مستمر”.
هذه ليست القطعة الأولى التي يتم سرقتها من متاحف مصرية. إذ تعرضت العديد من القطع الأثرية للسرقة والتهريب بعد ثورة 25 يناير. وفقًا لتقرير من الإدارة المركزية للمخازن المتحفية، حددت وزارة الآثار المصرية عدد القطع الأثرية المفقودة من مخازنها بـ32 ألفًا و638 قطعة.
ولكن مع ذلك، تمكنت مصر منذ عام 2014 حتى الآن من استعادة أكثر من 30 ألف قطعة أثرية مهمة. ومن بين القطع التي تم استعادتها تابوت الكاهن نجم عنخ في عام 2019 من متحف المتروبوليتان. وتابوت الكاهن -عنخ إن ماعت- المعروف بالتابوت الأخضر في عام 2023 من متحف هيوستن في الولايات المتحدة. ورأس مومياء و14 قطعة في باريس في عام 2023. ورأس الملك رمسيس الثاني من سويسرا في الشهور الأخيرة. واسترداد 4 تماثيل برونزية في عام 2011.
عقوبة سرقة الآثار
على الجانب الآخر حدد قانون حماية الآثار الصادر برقم 20 لسنة 2020 والمعدِل للقانون رقم 117 لسنة 1983، عقوبة من يقوم بتهريب أثر إلى خارج جمهورية مصر العربية مع علمه بذلك. حيث نصت المادة 41 من القانون، على أنه يعاقب بالسجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تزيد على عشرة ملايين جنيه كل من قام بتهريب الآثار خارج البلاد. كما يحكم في هذه الحالة بمصادرة الأثر محل الجريمة والأجهزة والأدوات والآلات والسيارات المستخدمة فيها لصالح المجلس الأعلى للآثار.
فيما نصت المادة 42 من القانون، على أن يعاقب بالسجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تزيد على خمسة ملايين جنيه كل من سرق أثرًا أو جزءًا من أثر. سواء كان الأثر من الآثار المسجلة المملوكة للدولة. أو المعدة للتسجيل، أو المستخرجة من الحفائر الأثرية للوزارة، أو من أعمال البعثات والهيئات والجامعات المصرح لها بالتنقيب. وذلك بقصد التهريب.
3 مزادات لبيع تمثال أوزوريس
ارتبط اسم تمثال أوزوريس البرونزي بالعديد من المزادات العالمية على فترات مختلفة، نظرا لوجود أعداد كبيرة منه باختلاف الشكل والتنفيذ ومدى تآكل التمثال باعتباره كان هدية نذرية للآلهة. لكن تم بيع تمثال واحد للإله أوزوريس 3 مرات ارتبطت بمزادات عالمية مثيرة للجدل. أحدهم في فرنسا والمزادين الآخرين بلندن.
ترجع المرة الأولى إلى عرض التمثال المصنوع من البرونز الناعم ويحمل صولجان، إلى مزاد خاص عقده ورثة جامع آثار فرنسي يدعى تشارليز بوشيه في 24 أكتوبر 2012. ويصفه في الموقع الرسمي الخاص بعرض القطعة ضمن 122 قطعة تم بيعها، أنه يرجع إلى العصر المتأخر. تحديدا الفترة من عام 332 ق.م إلى عام 664 قبل الميلاد، بطول يصل إلى 30.2 سم. وكان قد حصل عليه بعد شراؤه من “بلات هاوس” في عام 1950. وتم عرضه بمبلغ محتمل يتراوح من 25 ألف يورو إلى 30 ألف يورو، لكن تم بيعه مقابل 20 ألف يورو. وتم عرضه للبيع للمرة الثانية في عام 2018 بدار سوثبيز وكريستيز بلندن. وتضمن وصفه أنه يرجح أن يعود لعصر الأسر من الـ26 إلى 30، ويعود تاريخه في الفترة ما بين 664-342 قبل الميلاد.
أما الثالثة والأخيرة كانت في الخامس من ديسمبر 2023، عبر طرح دار مزادات سوثبيز 48 قطعة من الآثار المصرية والرومانية واليونانية للبيع بمزاد علني، من بينها 15 قطعة آثار مصرية نادرة. من بين هذه القطع، تمثال مصري برونزي لأوزوريس، يرجع إلى الفترة من الأسرة 26 إلى 30. تم صنعه خلال الفترة من عام 664 قبل الميلاد إلى عام 342 قبل الميلاد. وتم عرضه بمبلغ بيع محتمل يتراوح من 25 ألف إلى 35 ألف جنيه إسترليني، لكن لم يتم تحديث بيانات موقع المزادات بقيمة البيع النهائية.
بحسب الوصف الرسمي، يقف الإله على قاعدة شبه منحرفة ويداه تخرجان من عباءته.ويرتدي ملابس ذات ياقة عريضة، ولحية تم نقشها على شكل شيفرون. ويصل ارتفاعه من القاعدة 30.3 سم. بحسب تاريخ ملكية القطعة. تم الحصول عليه حوالي عام 1950، التمثال من مجموعة الفرنسي تشارلز بوشيه (1928 – 2010) وأقيم مزاد لمجموعته بفندق درووت في باريس، تييري دي مايجريت، بتاريخ 24 أكتوبر 2012. تم بيع التمثال خلالها، ووصلت إلى دار سوثبيز بلندن في 4 ديسمبر 2018، وحصل عليه المالك الحالي.
هدايا للآلهة
فحصت د.بيثان بريان، مساعد محافظ الآثار بمعهد اسكتلندا، العديد من الآثار المصرية البرونزية. ومن بينها تمثال آخر لأوزوريس. وتفسر سبب وجود أعداد كبيرة من التماثيل البرونزية بنفس الشكل، بأنها كانت في الأصل عروضًا نذرية وهدايا للآلهة.
وتقول إنه تم صنع هذه القطع الأثرية من سبائك النحاس التي صبت في قوالب مصنوعة من نماذج الشمع. وتحمل هذه القطع علامات ورسومات تشير إلى المكان الأصلي الذي تم تثبيتها فيه. وغالبًا ما كانت مرتبطة بقواعد مختلفة، وأحيانًا تتضمن مشاهد أكبر تحتوي على تماثيل متعددة.
تنوع هذه القطع بين تماثيل صغيرة للعقرب وتماثيل أكبر تصور الآلهة مثل أوزوريس. ومن بين هذه القطع، يعتبر تمثال المرأة برأس أسد والذي يصور الآلهة سخمت من بين الأكثر تميزًا واستثنائية. وبحسب دراسة نشرتها على مدونتها، تعتبر هذه الآثار إثباتًا حيًا للعقائد والتقاليد الدينية القديمة. حيث كانت تستخدم كعروض نذرية للتعبير عن العبادة والتبجيل للآلهة.
عملية الشمع المفقود
تعتبر التماثيل البرونزية من القطع الفنية التي تثير الإعجاب، وتحمل في طياتها عملية صنع معقدة وتفاصيل جميلة. وقد تحدث خبير الآثار، كلاوديو كورسي، عن سبب اختيار البرونز كمادة أساسية في صنع هذه التماثيل. في وصف مجموعة برونزية عرضت للبيع بمزاد “كريستيز” في ديسمبر 2016.
يعود سبب اختيار البرونز – وهو سبيكة تتألف من النحاس والقصدير – إلى خاصية البرونز في البقاء سائلاً لفترة أطول من النحاس عند صبه في القوالب. هذا يؤدي إلى قطع أكثر قوة وتحمل. ومن المثير للاهتمام أن هذه الطريقة لا تزال تستخدم في صنع التماثيل البرونزية حتى اليوم، وتُعرف باسم “عملية الشمع المفقود”.
تبدأ هذه العملية بصنع النموذج الأولي للتمثال باستخدام الشمع، حيث يتم نحته وتشكيله بعناية. ثم يتم تغليف النموذج بالطين وتعريضه للحرارة لكي يتم ذوبان الشمع وخبز الطين. يتم صب البرونز المنصهر في القالب الناتج، وعندما يبرد ويتصلب، يتم تحطيم الطين للكشف عن التمثال البرونزي الصلب الذي يكون قد تكون في داخله. تتميز القطع الأثرية ذات القيمة العالية بأنها قد تكون مطعمة بالفضة أو الذهب لإضفاء جمالية خاصة وتعزيز التفاصيل. قد يتم تسليط الضوء على العيون أو تقديم تفاصيل دقيقة في قطعة الشعر أو المجوهرات.
فيما تخصصت دراسة مصرية برئاسة الدكتور محمد عبدالبار بكلية الآثار جامعة دمياط، عن تماثيل برونزية لأوزوريس. وركزت الدراسة على ستة تماثيل مصرية برونزية ترجع إلى العصر المتأخر (332-664) قبل الميلاد. وتم صبها حول نواة طينية رملية باستخدام قوالب شمع، وتمثل هذه التماثيل الإله أوزوريس. وبحسب الدراسة كانت التماثيل البرونزية سائدة خلال الفترة الانتقالية الثالثة حوالي (664-1070 قبل الميلاد). والفترة المتأخرة (332-664) قبل الميلاد. مما يجعلها عرضة للتشقق. وقد تنتج الشقوق أو الكسور في مثل هذه التماثيل عن التآكل بعد الدفن أو أثناء التصنيع لوجود فقاعات من الهواء.
اقرأ أيضا:
في معرض بهولندا.. أسرار لوحات الفيوم الأثرية وكواليس خروجها من مصر