التشكيلية سماء يحيى: «صندوق الدنيا» تجربة من المفصلات والأخشاب القديمة
من الأخشاب القديمة تصنع الفنانة التشكيلية سماء يحيى مراكب “الفرحة”، التي تستخدمها في عرض عرائسها الخشبية في بهجة وسعادة. تحاول يحيى إحياء كل ما هو قديم قد يراه البعض نوعا من المهملات والمخلفات التي يجب التخلص منها مثل الحديد والعروق الخشبية البالية، ولكنها تحوله إلى مركبات ومجسمات فنية تستدعي من خلالها جمال الموروث الشعبي..«باب مصر» يلتقي الفنانة التشكيلية.
البدايات والطفولة
الفنانة سماء يحيى من مواليد محافظة الشرقية، تخرجت في كلية التربية الفنية بالزمالك دفعة 2000، تخصص تصوير، وبعدها بخمس سنوات أعدت رسالة الماجستير عن فنون حضارات وسط آسيا، أما الدكتوراه فكانت عن الفنون البوذية وآثارها في التشكيل.
شاركت يحيى في العديد من المعارض داخل وخارج مصر، ولها مجموعة معارض خاصة بها ومقتنيات في بعض الدول والعديد من المتاحف.
قضت سماء فترة طفولتها بإحدى الدول العربية، حيث كان يعمل والديها بالتدريس، ووجدت نفسها محاطة بالأدوات الفنية، فكان والدها يعمل مدرسا لمادة التربية الفنية، أغلب فترات لعبها مع الورق والألوان.
تقول يحيى: “عمل والدي مدرس تربية فنية، فكانت الفسحة أو الخروج معه للذهاب إلى المعارض الفنية، الألوان كانت دائما أمامي، الخامات متوفرة، وكنت أرى والدي وهو يمسك الألوان وكيف يستخدمها، وهو ما جعلني أقلده في لعبي، وكنت ارسم على الورق، وكان لي معرضي الخاص بالمنزل، حيث كنت أعلق ما أقوم برسمه على الحبال بواسطة المشابك”.
جداريات فنية
تتابع: المدرسة تبنت موهبتي. فقد كنت أشارك في عمل الجداريات الفنية بها، وأشارك في المسابقات والأنشطة والأشغال الفنية برسوماتي، وفي المرحلة الثانوية عدت إلى القاهرة، وكانت مادة النشاط الفني تستحوذ على اهتمامي، وخاصة عندما جاء للمدرسة مدرسًا للتربية الفنية كان يجلس مع الطلاب بعد مواعيد المدرسة ليعطينا كورسات في التربية الفنية بدون مقابل.
اختارت سماء دخول كلية التربية الفنية بالزمالك، بالرغم من اعتراض الوالد بسبب مشقة السفر من الشرقية للقاهرة، لكنها تحملت تلك المشقة.
وعن اختيارها تقول: “قد يرى البعض أن كلية التربية الفنية لا تدرس الفن بتعمق مثل كليات الفنون الجميلة، لكن الحقيقة أن طالب كلية التربية الفنية يدرس أضعاف ما يدرسه طالب فنون جميلة، طالب فنون جميلة يدرس تخصصه فقط، لكن طالب التربية الفنية يدرس كل شيء عن الفنون بالإضافة للجانب التربوي، ومن ثم يتخصص في السنة الخامسة”.
مرحلة التصوير
تخصصت سماء في التصوير، لكنها فضلت ألا تبدأ حياتها العملية كفنانة تشكيلية قبل أن تصقل موهبتها بالدراسة والبحث، فحصلت على الماجستير ثم الدكتوراه. وبعد ذلك بدأت حياتها العملية كفنانة.
وعن بدايتها الحقيقية تقول: “كان تركيزي على الدراسة والتعلم بشكل مكثف وبشكل مهاري. حيث أرى أن الفنان يحتاج إلى تعلم مهارات كثيرة وصقل الموهبة بالدراسة المتعمقة، لذلك احترفت الفن بعد حصولي على الدكتوراه في 2009”.
وتابعت: في بداية عام 2010، قمت بمراسلة أكثر من جاليري خارج مصر، ورد علي أحدهم في إيطاليا، وأرسلت لهم بعض أعمالي، وكانت لوحاتي في تلك الفترة تهتم بالحالة الأنثوية لاسيما عندما تنفصل فيه عن العالم وتكون وحدها، وكانت لوحاتي تعبر عن الأنثى في الشرق، ولا يخطئ أحد عندما يرى النساء في لوحاتي شرقيات ومصريات.
العودة لمصر
سافرت سماء إلى إيطاليا في عام 2012، وظلت هناك لمدة أربع سنوات، لكنها قررت العودة إلى مصر. وتقول: ” لاحظت أن وجودي في الخارج يفصلني عن حالة ارتباطي بمصر وفنونها وثقافتها الشعبية، فقررت العودة”.
بدأت سماء تهتم وتنشغل بالتراث الشعبي في عام 2015. حيث نظمت معرضًا فنيًا، استخدمت فيه “الخيامية” القديمة بتراثها وألوانها المبهجة لتكون خلفيات للوحاتها، وأطلقت عليه اسم “فرحة”. ورسمت مجموعة كاملة على تلك الخلفية، صورت فيه النساء بداخل الشوادر التي كانت تستخدم الخيامية مصورة كل أشكال الفرح والبهجة بتلك الشوادر.
وتقول : “أريد أن أعطي الخيامية التي كنا نشاهدها في الأفراح والمآتم، حياة أخرى، وذلك لكونها تواجه زحف الخامات المستحدثة من أقمشة أخرى ملونة لكنها ليست بجمال خامة وأشغال الخيامية، قاصدة من ذلك استرجاع جزء من تراثنا”.
النحت والبرونز
خلال رحلتها الفنية دخلت سماء في مرحلة النحت باستخدام سبائك البرونز المكونة من خامتي النحاس والحديد، ويغلب على المظهر الخارجي لمنحوتات سماء سمة القدم، فيشعر المشاهد لأحد أعمالها النحتية البرونزية أنها قطع فنية تم نحتها منذ سنوات طويلة كونها تستخدم الألوان الخضراء والنحاسية.
وعن التكنيك الذي تستخدمه في أعمالها النحتية تقول: ” لا استخدم في طريقة صب منحوتاتي سوي طريقة الصب باستخدام الرمل، وهي أقدم طريقة لصب المنحوتات. حيث تتم العملية كاملة بشكل يدوي، إضافة إلى أن تلك الطريقة والنحت عمومًا يجعلني أشعر بحرية أكبر”.
التركيب الفني Art Assemblage
فن التركيب أو Art Assemblage اتجاه معاصر في الفن الحديث، ظهر في بداية القرن العشرين على يد الفنان العالمي “بابلو بيكاسو”. حيث كون عمل فني من أشياء ملتقطة بالصدفة. ثم قام بعده العديد من الفنانين بإبداع أعمال باستخدام طريقة التركيب الفني من خامات مختلفة.
كان للصدفة دورا كبير في اتجاه سماء إلى النحت والتراكيب الفنية. فعندما ذهبت لتنظيف مخزن خاص بأسرتها، وجدت به بعض أنقاض منزل جدها القديم من أخشاب وحديد وغيرها من خامات. وتقول: “ذهبت لتنظيف المخزن، وعندما وجدت العروق الخشبية التي كانت في سقف منزل جدي، لم أجدها سوى عرائس خشبية أو نساء خارجة من المنزل. ومن هنا بدأت علاقتي بالنحت أو التركيب النحتي أو الفني، ونفذت أول معرض من التراكيب الفنية مستخدمة أخشاب منزل جدي عام 2017، ثم اتبعت تلك التجربة بأخرى أسميتها “صندوق الدنيا”، واستخدمت فيه الأخشاب، قطع الحديد، الأبواب، الشبابيك، المفصلات القديمة، وعندما نفذت أنقاض بيت الجد، بحثت عن مصادر أخرى وقد وجدت ضالتي في سوق “السبتية”، إضافة إلى بحثي عن الأشياء القديمة في قرى محافظة الشرقية”.
هنا عرايس بتترص
توالت المعارض الفنية لسماء، وضمت قاعة محمود مختار بالقاهرة تركيبًا فنيًا كبيرًا تحت عنوان “هنا عرايس بتترص”. يتكون من باب قديم حولته أنامل سماء إلى مركب، يحمل فوقه عرائسها الخشبية التي وصل عددها إلى 17 عروسة، واحتوى المركب على العديد من قطع الأبواب والشبابيك القديمة.
تقول يحيى: “وضعت بالمركب العديد من الأشياء التي لها علاقة بتاريخنا الثقافي، حيث إنه لأي شيء قديم تاريخ وذكريات، بمجرد مشاهدتها يتم استدعاء سيل من الذكريات المرتبطة بها سواء على المستوى الإنساني أو الثقافي”.
العالم الخاص
وتابعت: دائما ما أريد أن يدخل المتلقي الذي يشاهد أعمالي في حالتي الخاصة، وينفصل عن عالمه ويدخل إلى عالمي أنا، ويتذكر معي حكاياته الخاصة، ونتبادل تلك الذكريات، العمل المركب لدي هو لخلق عالم موازي داخل المعرض، ليس لوحة يقف أمامها المتلقي، أو تمثال يدور حوله، بل مُركب فني يضم من الأشياء والتفاصيل ما يجعل المتلقي يعيش بداخله ويستدعي ذكرياته مع تلك الأشياء، والعلاقة تكمن في أن المتلقي يعيد إبداع ما قمت به من خلال تصوره للعمل وهذا هو المكسب الحقيقي”.
تختار سماء لمعارضها عناوين بسيطة وقريبة من المتلقي، ومن تلك العناوين (الراوي، ساعة مغربية، الفرحة، هنا عرايس بتترص، حلاوة زمان، بلد المحبوب وغيرها). حيث تهتم وتؤكد على أن تكون أعمالها بسيطة، يستمتع بها المتلقي العادي وليس النخبوي أو المتخصص، وتقول: “كل ما يهمني أن أسمع الناس التي ترى أعمالي، لأن الفنان من غير جمهور فكرة غير موجودة، كما أرفض التعالي على الجمهور أو اتهامه بعدم فهم واستيعاب العمل الفني، من الصواب أن تخاطب الجمهور بلغة يفهمها، وأن يكون العمل الفني قريبا له ومن عالمه ولا يشبه عمل أحد”.
وتختتم سماء حديثها وتقول إن الفن الحقيقي هو ما يبقى، وأن العمل الجيد هو الذي يفرض نفسه، متمنية النظر إلى التراث والهوية المصرية، وعدم الإغراق في إنتاج أعمال تعتمد على تقليد المدارس الغربية.
اقرأ أيضا
الفنان «محمد طرفاية»: قضيت 55 عاما في التمثيل ولدي طاقة فنية كبيرة