“الأسمر للرجال”.. كيف عبّر المصري القديم بالألوان الطبيعية؟
تأثر الفن المصري القديم بالفكر الديني المرتبط بأصل الأشياء، وظهر هذا جليا في رمزيته التي طالت جميع عناصر المنتج الفني، والتي كان من أهمها الألوان.
فلم يلون الفنان الأشياء اعتباطا ولكن عن قصد وغاية تشير إلى فكرة بعينها، بحسب ما أورد الدكتور سليم حسن في كتابه (موسوعة مصر القديمة).
حوار مع الطبيعة
يشير محمد حامد، الباحث الأثري، إلى أن الفنان المصري القديم أقام حوارا فنيا مع الطبيعة ليكشف ماهيتها، وطبيعتها، وفلسفة ألوان الأشياء، فمثلا حين عبر عن أرض مصر الزراعية عبر بالكلمة (كيميت) والتي تعني السوداء، وعبر عن الصحراء بـ(ديشرت) أي الحمراء، لافتا إلى أن السواد هنا رمز لخصوبة الأرض، بينما هو في موضع أخر رمز للظلام، واللون الأحمر هو لون رمال الصحراء.
ويلفت حامد، إلى أن الفنان المصري استخدم الأشياء بلونها الطبيعي المعبر عنها مثل الأزرق للسماء والبحر، والأخضر للخضرة والنماء، والأبيض للصفاء والنقاء، ولكنه في نفس الوقت وضعها في نُسق رمزية لتعبر عن مدلول أخر، مثل حالة الإله أوزوريس فهو في معظم الأحيان باللون الأسود المعبر عن الظلام والموت كونه إله الموتى، ولكنه في أحيان قليلة يلون باللون الأخضر كإله للزراعة والخصوبة.
الواقعية والتجريدية
تلفت الباحثة زينب دياب (ماجستير في الفن القديم)، إلى أنه يلاحظ استخدام الفنان المصري القديم للأسلوب الواقعي في تلوين الأشخاص الطبيعيين، فمثلا لون الرجال باللون الأسمر الداكن لعملهم تحت أشعة الشمس، بينما لونت المرأة بالون (الكريمي) الفاتح دلالة على تواجدها في المنزل ونقائها، كما لونت الفواكه والخضروات بألوانها الطبيعية.
وتتابع: واستخدم أيضا الأسلوب التجريدي في التلوين وخصوصا في الرسومات الدينية، فمثلا لون الآلهة باللون الأزرق الذي يرمز هنا إلى القداسة، ولون رغيف الخبز بنفس اللون ليعبر عن أنه عطية إلهية.
التدرج اللوني
تذكر دياب، أن عملية التدرج اللوني خضعت لقوانين الطبيعة، فمثلا حين كان يرسم الشمس وقت الشروق كان يلونها باللون الأصفر الفاقع، الذي يرمز إلى الولادة المقدسة للشمس ويشير إلى الخلود، وفي منتصف النهار تصبح الشمس أقوى حدة فتكتسب اللون الأحمر رمز القوة والشباب، وعند الغروب تكتسب الشمس اللون الأصفر الشاحب رمز الشيخوخة بالنسبة للإله رع إله الشمس.
حدج
يقول رمضان بسيوني، مرشد سياحي، إن اللون الأبيض تحديدا، من أهم الألوان المستخدمة في رسومات القدماء وقد عبر عنه المصري بكلمة (حادج) أو (حدج) والتي تعني الصفاء وهو لون الزى الرسمي للكتاب والأمراء وكبار الموظفين، ويلمح بسيوني إلى التشابه بين كلمة (حدج) المصرية القديمة والكلمة العربية (حج)، كما توجد علاقة بينهما في أن كلاهما يشير إلى اللون الأبيض.
هوامش
- موسوعة مصر القديمة –الجزء الثاني (ب دي إف) – الهيئة العامة للكتابة 2000- ص 211.
اقرأ أيضا:
14 تعليقات