ابنة الجنوب تواجه الكورونا بالشعر
حبيبة زين العابدين عبدالرسول، بنت قرية الجعافرة بأسوان، سمراء ذات ملامح فرعونية، رغم أنها ولدت في القاهرة إلا أنك ستشعر بروحها الصعيدية التي تتقفى أثر الجنوب في أعمالها، حيث القرية بكل روحها وتفاصيلها بمركز دراو. لذا اختارت أن تكتب بالعامية. ابنة الجنوب اكتشفت احتمالية إصابتها بكورونا، وقررت مواجهة المرض بنشر ديوانها الأول “الجميزة”، كما أنهت في فترة العزلة عددا من الأعمال مجموعة قصصية ويوميات المرض والعزلة. وكانت قد اكتشفت خلال فترة المرض فوز قصتها «اذكُر الله يا جمل» بالمركز الأول في مسابقة “قصص على الهواء” التي أقامتها مجلة العربي، وكانت تذاع على إذاعة «مونت كارلو» طوال شهر إبريل الماضي، و ظلت لأكثر من 4 شهور لا تعلم بالفوز.
الجميزة
“انا وحدي في الليل بكنس قدام عتبات بتنا وبحط حصير مرشوش بمحبتي للدنيا وتعب المشاوير بستنى الناس زي الزرع ما يستنى الشمس بستنى حكاوي الجيرة بستنى وبس”، ترى الزين خريجة الآداب قسم الفلسفة في هذه الكلمات تعبير عنها من إحدى قصائدها “الجميزة”، تأجل طرح ديوانها الأول الذي بصدد نشره خلال أيام، لإيمانها بأن الشاعر لابد أن يتمكن من أدواته، ويتخلص من كل تأثيرات الآخرين الشعرية قبل أن يقدم على تجربة الخروج إلى الناس بكتاب، أصيبت بكورونا، وشعرت حينها أن الحياة قصيرة وعليها أن تترك أثرا فيها، فقررت أن تقدم على تجربة النشر المؤجلة، ومن هنا جاء ديوانها الأول “الجميزة”، كما كتبت مجموعة قصصية خلال العزل، و يوميات ورسائل. تقول: “تجربة كورونا قاسية لكنها تجربة يمكن أن تفجر الشعر، شعرت بمسؤوليات كثيرة تجاه أشياء كثيرة ومنها الكتابة”.
البداية
الفتاة العشرينية التى كانت بدايتها مع “بترجاك ” قصيدة شعرية عامية في المرحلة الثانوية، شغفها الشعر، وجدت به طريقها للوصول للناس ومحاولة التعبير عنهم على حد تعبيرها، قادها للبحث عن شركاء في ذات الحلم عبر السوشيال ميديا لتجتمع بقرابة 8 شعراء صاعدين مثلها، مكونين فريق “لحن الحروف”، واستطاعت إقناع إدارة ساقية الصاوي لمنحهم قاعة الكلمة لتكون أول حفل لهم وهي في المرحلة الثانوية. لتصدر بعدها مجموعة قصايد ضمن ديوان مشترك، فضلا عن نشر أعمالها في عدة صحف، وظهورها في أكثر من لقاء تلفزيوني بقنوات فضائية فيما بعد، ملقيه قصائدها التي من أشهرها قصيدة “ركابية”، فضلا عن مشاركتها فى بعض الأمسيات الشعرية والحفلات.
عقبة الأهل
لا تأتي الأقدار دائما على وتيرة واحدة، حيث واجهت رغبة حبيبة في كتابة الشعر والمشاركة فى الأمسيات الرفض من أسرتها كونها تنتمي لإحدي العائلات شديدة التحفظ. عائلة ترى في شاعرة تحمل ميكرفون على خشبة مسرح وخلفها عواد، فكرة جديدة لا تناسبهم وفقا تقاليد القرية، لتعيش أصعب فترات حياتها لولا مساندة والدتها وإيمانها بها. تأتي المفارقة أن موهبتها استمدتها من والدها الذي كان يلقي شعر بين أبناء قريته، ويجيد شعر النميم الذي تتميز به القبيلة، فكانت كلماته “ما يغرك الناس اللي جتتها دي ممدوده”، هي من اوقعت حبيبة في حب الشعر.
لحظة النور
كاد اليأس أن يمكنها من التخلي لكثرة الضغوط، لكن هناك لحظة نور فارقة، حين دعيت من قبل الأوبرا لإحياء حفل بمناسبة اليوم العالمي للمرأة في مارس 2019، وكانت أصغر الشاعرات، لتفاجأ برد فعل الجمهور والشعراء الكبار من الحضور وعلى رأسهم الشاعر الكبير محمد الشهاوي، الذي وقف يحيها بحرارة. تقول: “حينها تذكرت كيف نمى حب الشعر بداخلي على يد جدتي وهي تترجم تأملاتي الطفولية لرسومات تقوم بها لتشجعني على التعبير، وعمتي ركابية المرأة الصعيدية التي رغم التزامها العادات والتقاليد كانت قوية صلبة، لرأيها ثقل لدى جدي وهو كبير العائلة حينها، وكيف لسيدات الصعيد قوة مؤثرة بالتفكير والوعي والحكمة. ركابية التي يرجعون طباعي لها، التي أتت علاقتنا بعد خوف كنت أخافها، حتى أنها تقول لي أنت النص الحنين مني، حينها شعرت أن حلمي لا يستحق أن يترك، ومؤخرا بالتزامن مع خطواتي الناجحة نسبيا جعلتهم أقل صلابة معي ولعل قصيدة ركابية من أثرت فيهم”.
كورونا
ترى الزين أن شعرها ينتمي للشارع حيث التعبير عنها وعن الناس ليس نضالا أو بطولة، إنما تعبير عنهم وعن معاناتهم وانفعالاتهم بكل جوانبها. وتقول: لا أميل للمدارس الشعرية خاصة الفصحى منها التي تفرط من البلاغات في الصور والدلالات غير المنطقية دون داع مما يجعلها مغتربة عن الوصول للناس. كما تذكر أنها عانت في البداية بسبب أنها تلقي القصائد باللهجة الصعيدية، ولكن سرعان ما ميز المتلقي لونها، وعن الشعراء المفضلين لها وتعتبرهم المثل الأعلى، تقول: الأبنودي، أمل دنقل، درويش، فؤاد حداد. حبيبة تعاونت مع مجموعة من زملائها الشعراء وأقاموا “المندرة”، التي تحيي تراثهم وثقافتهم الصعيدية أو بالأحرى الجنوبية في قلب القاهرة. ليس للزين أحلام كبيرة سوى أن تظل تكتب الشعر حتى آخر نفس على حد تعبيرها.
3 تعليقات