أسوار الإسكندرية القديمة: تاريخ مجهول تحت الأرض

تحتوي مدينة الإسكندرية على العديد من المعالم التاريخية، أبرزها أسوارها القديمة التي لا تزال تجري بها أعمال الحفر والتنقيب. الحفائر الجارية منذ سنوات من قبل البعثة اليونانية شمال طابية النحاسين، حتى الشمال الغربي من البرج الشمالي في حدائق الشلالات البحرية، قد تكشف قريبا المزيد من الشواهد على تاريخ المدينة وعمارتها.

أهمية أسوار المدن قديمًا

يقول الدكتور إسلام عاصم، نقيب المرشدين السياحيين السابق بالإسكندرية لـ«باب مصر»: “المدن قديمًا كانت محاطة بأسوار وأبواب تفتح وتغلق في أوقات معينة. حيث كانت هذه الأسوار وسيلة الدفاع الأولى ضد أي هجوم خارجي على المدينة. وقد كان للإسكندرية، منذ بداية إنشائها على يد الإسكندر الأكبر، سور يحيط بحدود المدينة. ومع مرور العصور، تطور سور الإسكندرية بحسب تنامي أو تضاؤل مساحة المدينة”.

وتابع: ما تبقى من أسوار الإسكندرية القديمة يرجعه البعض إلى العصر الإسلامي، وقد تم تجديده في عهد محمد علي باشا. ومع نهاية القرن الـ19، لم تعد هذه الأسوار ذات أهمية كبيرة بسبب تطور الأسلحة ووسائل الدفاع. وأيضا بسبب امتداد المدينة خارج حدود هذه الأسوار (التي تقع حاليا في وسط المدينة تقريبا). لذلك، أخذت بلدية الإسكندرية آنذاك تصريحا من هيئة الاستحكامات العسكرية لتحويل المنطقة إلى حدائق عامة، أطلق عليها اسم “حدائق الخندق” آنذاك.

ويضيف «عاصم»: خلال تنفيذ خطة لتطوير مدينة الإسكندرية وإنشاء نفق قناة السويس – المُقام على مسار “ترعة الفرخة” قديمًا – تم اكتشاف جزء من سور الإسكندرية القديم كان من المقرر هدمه. ولكن كان هناك موقف قوي من الوسط الثقافي في عهد وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني للحفاظ على ما تبقى من أسوار الإسكندرية القديمة. وبالفعل تم نقلها لأقرب مكان على حدود حديقة الشلالات القبلية بجوار طابية محمد علي. هذه الأسوار تشهد على حقبة تاريخية مهمة للإسكندرية.

وناشد عاصم في ختام حديثه المسؤولين، بضرورة الحفاظ على هذه المناطق الأثرية والتاريخية. ورفع كفاءة النظافة العامة بها، وإنارتها بشكل جذاب. وعودة المكتبة والقراءة مرة أخرى بين الشباب وتنشيط حركة الثقافة. مقترحًا إقامة فعاليات ثقافية مجانية للجمهور حول هذه القطع الأثرية المهمة في تاريخ المدينة. وأيضا وضع لوحات إرشادية تشرح تاريخ هذا السور، لأن الأجيال الجديدة معظمها لا يعلم تاريخ هذا المكان وأهميته.

 من روائع العمارة الإسلامية الحربية

ويؤكد خبير التراث تامر ذكي في تصريحات خاصة لـ«باب مصر» أن بقايا أسوار مدينة الإسكندرية التاريخية والتحصينات الدفاعية بالحدود الشرقية للمدينة القديمة، الموجودة حاليًا أطراف حدائق الشلالات سواء البحرية أو القبلية. تمثل بانوراما رائعة للعمارة الإسلامية الحربية. وتعد هذه الأسوار شاهداً على مراحل تحصين المدينة وأسوارها عبر العصور المختلفة لتأمينها ضد الغزو الخارجي.

ومن المعروف تاريخياً أن بداية سور الإسكندرية في عهد الإسكندر الأكبر، واكتمل في عهد البطالمة. وكان يتخلله عدة أبواب، كان أهمها باب الشمس في الشرق وباب القمر في الغرب. واستمر الاهتمام بأسوار المدينة وأبراجها في عصر الرومان. وكان هذا السور عائقاً كبيراً عند مجيء الفتح الإسلامي لمصر على يد عمرو بن العاص. الذي دمر بعض أجزائه لمنع الرومان من العودة للمدينة واحتلالها من جديد.

وأضاف «ذكي» أن الحكام المسلمين على مر التاريخ اهتموا اهتماماً كبيراً بأسوار الإسكندرية القديمة. وأقاموا أسواراً جديدة وفتحوا فيها أبواباً مقابلة لأبوابها القديمة. فمقابل باب الشمس الشرقي كان باب رشيد أو باب القاهرة، ومقابل باب القمر الغربي كان باب القرافة. وظل باب البحر شمالاً كما هو، وجنوباً باب سدرة، إلى جانب عدد آخر من الأبواب الفرعية التي تم فتح بعضها وإغلاق البعض الآخر عبر فترات تاريخية مختلفة.

وكانت أسوار مدينة الإسكندرية عبر عصورها التاريخية المختلفة بمثابة شاهد حي على عمران المدينة. فتارة تنحسر لوجود مناطق غير مأهولة وغير صالحة. كما حدث في القرن الثالث الهجري في عهد أحمد بن طولون، الذي أحاط المناطق المأهولة بالسكان بسور مستطيل الشكل تقريبا. وتوالى الاهتمام من قبل الحكام بالسور خلال تاريخ المدينة في العصر الإسلامي حتى عصر محمد علي باشا وخلفائه.

وتعد هذه المنطقة بمثابة متحف مفتوح للعمارة. يمكن تحويلها إلى منطقة جذب سياحي تليق بالتراث الأخضر للمدينة المتمثل في حدائق الشلالات. وأيضا بما تحويه من زخم وتنوع معماري بوجود أسوار إسكندرية القديمة وطابية النحاسين وطابية محمد علي وغيرها.

مطالب بعودة “مسرح الشارع”

في سياق متصل، تقترح دعاء محفوظ، محاضرة وباحثة في التراث الثقافي غير المادي ومسؤولة المشاركة المجتمعية بمؤسسة راقودة للثقافة والتراث، عودة “مسرح الشارع”. تقول: “كانت هناك فعاليات فنية في شوارع الإسكندرية قبل ثورة يناير 2011. وهذا المكان المهم من تاريخ المدينة المتمثل في أسوار الإسكندرية القديمة يستحق أن تقام فيه فعاليات ثقافية وفنية. يتعرف من خلالها الشباب والأجيال الجديدة على تاريخ مدينتهم. وكذلك إبراز مواهبهم الفنية. وعودة “مسرح الشارع” ستكون سببا في ظهور العديد من المواهب الشابة السكندرية. وأيضا في تسليط الضوء على هذه الأماكن التاريخية العظيمة في تاريخ المدينة”.

كما نجد أن الكثير من الفرق المسرحية الأوروبية تقدم عروضها في الشوارع والميادين والحدائق العامة بهدف أن يصل الفن لجمهوره البسيط. واستطردت «محفوظ» أن وزارة التضامن الاجتماعي قامت بتجربة تخص مسرح الشارع من خلال عرض (كفايه 2). الذي استهدف محافظات عديدة كالجيزة والفيوم وبني سويف والمنيا وقنا وسوهاج وأسيوط والأقصر وأسوان. وكانت العروض تعبر عن قضايا اجتماعية مهمة مثل الزيادة السكانية وكثرة الإنجاب، وقضايا التنمية المجتمعية.

وأكدت محفوظ أن فكرة “مسرح الشارع” ليست حديثة، حيث لها جذور عميقة. فقد شهدت الحضارات المتعاقبة فنونًا مشابهة، كما كان في الحضارة المصرية القديمة والحضارة اليونانية والرومانية. فقد بدأت المواكب والطقوس الدينية والاحتفالات في الشوارع. كما كانت عروض الأراجوز وصندوق الدنيا وغيرها من الأشكال التراثية تنتشر في الشوارع. وهي أيضا من أشكال مسرح الشارع.

ومن أهم مميزات مسرح الشارع أيضا أنه يستغني عن الديكور. فالفضاء أو المساحة المتاحة للعرض هي الشارع أو الميدان أو الساحات، وهذا يسمح بتقديم العروض مجانا. حيث يذهب الفنان المسرحي إلى الجمهور بدلا من انتظار قدومهم. والجدير بالذكر أن تلك العروض لا تتجاوز عادة 30 دقيقة. وتتميز موضوعاتها بأنها عروض عصرية وتفاعلية سواء كانت اجتماعية أو ثقافية أو سياسية.

اقرأ أيضا:

تدمير «الحوض الجاف».. لكن «الطابية» لا تزال بخير!

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر