«أحمد جمال»: فنان تشكيلي بدرجة أديب
اختار مجلس جامعة الأقصر الدكتور أحمد جمال عيد، ابن محافظة سوهاج، رئيسا لقسم الجرافيك بكلية الفنون الجميلة بالأقصر.
على الرغم أن أحمد لم ينشأ في أسرة فنية، إلا أن موهبته الفنية في الرسم ورسم الكاريكاتير ظهرت منذ صغره، وعمل على ثقل هذه الموهبة وتطويرها منذ التحاقه بالمدرسة حتى التحاقه بكلية الفنون الجميلة، ثم تعيينه معيدا بها، إذ كانت والدته الدافع الأساسي والمستمر له منذ البداية.. «باب مصر» يلتقي به.
موهبة في الطفولة
يحكي الدكتور أحمد جمال عن طفولته لـ«باب مصر» ويقول: “بدأت الرسم قبل التحاقي بالمدرسة، وكانت بداية رسوماتي جمل، حتى أن والدتي التي تعمل معلمة لاحظت اهتمامي بالرسم فبدأت في تشجيعي وتهيئة الجو الملائم لتطوير موهبتي منذ صغري”.
وتابع: ألحقتني والدتي بمرسم نادي الطفل ومرسم قصر ثقافة سوهاج، وذلك لتشجيعي وثقل موهبتي في الرسم، ثم دخلت الابتدائية التي تعرضت فيها كثيرا للفصل من المدرسة بسبب تركيزي على الرسم أثناء شرح المعملين المواد المختلفة، الذين لم يشجعوني على تنمية موهبتي بل كان تركيزهم على التعليم فقط.
ويسرد جمال أنه حضر له مدرس تربية عملي تخصص فنية، وطلب من التلاميذ رسم حصان في كراسة الرسم، ورسم الطلاب جميعهم، ولكنه اختار 5 رسومات مميزة فقط لرسمها على السبورة، فأشاد المعلم برسم الصغير وقال له إنه طفل متأمل “شاف الحصان صح ورسم صح”، ومن هنا بدأت في التأمل في أي عمل قبل رسمه.
وبدأ جمال في رسم الأفلام الكرتونية التي كان يشاهدها وهو صغير خاصة سلاحف النينجا، حتى أن والدته بعد عودتها من عمان مع والده فوجئت بعدة رسومات مختلفة من الكارتون فنظرت إليه ولم تصدق أنه هو من قام برسمها، وقالت: ” أنت شفيتها وهذا ليس رسمك، فقال لها أخوه الأكبر إن أحمد تطور كثيرًا وهذا رسمه بالفعل ففرحت أمي كثيرًا”.
يذكر جمال أن المرحلة الثانوية شكلت طفرة في حياته، إذ تكونت ملامح شخصيته في الرسم والفن وأيضا كرة القدم، هواياته المفضلة، فكان حارس مرمي فريق المدرسة في كرة القدم، وكان حينها معلم التربية الفنية قدوته يشجعه ويدعمه فقد كان يترك له مرسم المدرسة مفتوحا في أي وقت حتى يبدع في رسم اللوحات التي سيشارك بها في المسابقات.
وافتتح له محافظ سوهاج ووكيل وزارة الثقافة بسوهاج وقتها معرضين لعامين متتالين، وهو ما زال طالبا في الثانوية العامة.
رسم البورتريهات
في بداية مشواره كان أحمد يرسم بورتريهات لأصدقائه وجيرانه وأهالي منطقته وبيعها مقابل المال، كما كان يرسم الكاريكاتير لثلاث صحف وهي النبأ والوطن العربي والجمهورية، إذ كان يرسل لهم الكاريكاتير وينشر بصفحة المواهب في هذه الصحف، حتى جدران منزله لم تسلم من أقلامه ورسوماته، وفي هذه المرحلة كان يدرس ويعمل في بعض المراسم الخارجية.
التحق أحمد بكلية الفنون الجميلة جامعة الأقصر (1999-2000)، فقد كانت حلمه منذ صغره، وكان متحمس جدا للدراسة ما جعله يحصد المركز الأول على مستوى دفعته طوال الأربع سنوات.
فنون جميلة الأقصر
يتحدث عن الأقصر ويقول: “الأقصر بالنسبة لي مجتمع جديد ومبهر ومختلف عن سوهاج، فأثرت علي بيئة الأقصر بمفرداتها البصرية الملهمة للفنانين كالحنطور وشكل البيوت القديمة الأثرية، الذي انعكس على لوحاتي في الفن والتراث الشعبي والفن المصري القديم”.
وتابع: أثناء دراستي الفنون الجميلة تعلمت الرسوم المتحركة، واتجهت أيضا للصحافة من أجل خوض تجربة الرسوم الكاريكاتيرية، فرسمت للصحف على مدار أعوام ما أكسبني مخزون بصري كبير استفدت به فيما بعد.
مرحلة جديدة
وأثناء دراسته في العام الأخير من الكلية، شارك أحمد في معرض صور ورسوم، افتتحه وزير التعليم العالي آنذاك وحصل فيه على الجائزة الأولى في فن الكاريكاتير، ثم حصد المركز الأول على مستوى الكلية والثالث على مستوى الجامعة، إذ كان مشروع تخرجه عبارة عن فيلم كاريكاتير بعنوان “كله على كله”، ليدخل بعدها مرحلة جديدة في حياته.
كأي شاب أنهى دراسته الجامعية، اتجه أحمد لأداء الخدمة العسكرية، إلا أن تلقى اتصالا هاتفيا من الراحل الدكتور صالح عبدالمعطي، عميد الكلية، يطلب منه الحضور على الفور من أجل السفر لتسلم الجائزة، ولكنه لم يستطع الحضور فحجبوا الجائزة ماليا بسبب عدم سفره.
ويقول: تعينت معيدًا بكلية الفنون الجميلة بالأقصر في عام 2005، وحصلت على الماجستير في الرسوم المتحركة في المنيا في 2010 بعنوان “الثنائيات المتناقضة في شخصيات القصص المصورة كقيمة تشكيلية”.
ويضيف، واجهتني صعوبات السكن والتنقل في تلك الفترة حيث كنت معيدا بالفنون الجميلة بالأقصر وأعمل بالماجستير في المنيا، ومنتدب لكلية التربية النوعية بقنا، فكنت أتعب كثيرًا في السفر والتنقل والسكن، وكنت أعمل في إحدى شركات التصميمات لأستطيع الإنفاق على سفري.
ثم عملت تمهيدي دكتوراه في 2010، وسجلت الدكتوراه في نفس العام بعنوان “استلهام الفن التفاعلي الرقمي في الارتقاء بالتصميم الجرافيكي للطفل”.
تصميم أغلفة الكتب
اتجه جمال لتصميم أغلفة الكتب في عام 2014، فرسم حتى الآن أغلفة ما يزيد عن 400 كتاب وروايات منها رواية وسيم الأعرج الجزائري، وغلاف رواية متاهة الأولياء لأدهم العبودي، و6 أغلفة لكتب قانونية لأحمد فتحي سرور، وغلاف لأول ديوان للشاعر الأقصري حسن عامر “اكتب بالدم الأسود”، وغلاف لديوان للشاعر الأقصري أحمد العراقي، ومقام الشيخ أمين وغلاف كتاب مخطوطات العاشق الأول، وعدد كبير من الأغلفة، وصنع أول غلاف لكتابه “أسس التصميم الجرافيكي” الذي صدر في 2014، وغلاف كتابه الأدوات البصرية لأدب الطفل المصور في 2015.
حياته الأدبية
لم تنته موهبة أحمد عند الرسم فقط، بل له هوايات أدبية أيضا منذ صغره، فهو يحب قراءة الروايات والكتب والقصص الأدبية، وكتب عدة خواطر على رسوماته، ولكن بداية خطواته للكتابة في الأدب كانت في عام 2014، وكتاب رواية القطب الأعظم في 2017، منبثقة من معرض الفنون التشكيلية الذي ضم 25 لوحة له بالفنون الجميلة، كما تولى منصب مستشار ثقافي لجامعة الأقصر في 2019، وكتب مجموعة قصصية بعنوان “قلب أنتيكا” في 2021 وكتاب بعنوان “الحاسب الآلي بين التقنية والإبداع”.
معارض وجوائز
نظم جمال أول معرض له بقصر ثقافة الأقصر، وافتتحه عميد كلية الفنون الجميلة وقتها وكان بعنوان “فلسطين لنا” في عام 2001، ثم معرض آخر في بيت ثقافة أرمنت عام 2002، ثم معرض رسوم صحفية في 2015 بقصر ثقافة سوهاج، ومعرض القطب الأعظم بكلية الفنون الجميلة بالأقصر، ثم معرض مسافرون بلا متاع في الجزائر، ومعرض أولى عتبات النص في فنون جميلة الإسكندرية عام 2017، وشارك في معرض الصداقة الدولي بألمانيا عام 2008.
حصد جمال العديد من الجوائز منها: جائزة مهرجان إبداع بدبي للرسوم المتحركة في 2004، وجائزة سوزان مبارك لرسوم الطفل، جائزة فضية للفنان نور الشريف بصالون الشرق الأوسط في الرسم في 2013، ثم جائزة اقتناء جاليري بيكاسو في الزمالك عن معرض صالون الجنوب بالأقصر، ثم جائزة الشارقة للإبداع الأدبي بدبي.
يتأثر كثيرًا الدكتور أحمد جمال بالمدرسة التعبيرية والمدرسة التجريدية وخاصة التجريدية الهندسية.
تعليق واحد