كريم جمال بعد «سلوى: سيرة بلا نهاية»: أكتب لمتعتي الذاتية

صدر مؤخرا كتاب «سلوى: سيرة بلا نهاية» للكاتب والباحث كريم جمال، حيث يتناول فيه سيرة مختلفة عن حياة الإعلامية الراحلة سلوى حجازي، مقدما جوانب جديدة لم تُنشر من قبل. ويعد هذا العمل الثاني للباحث بعد كتابه «أم كلثوم وسنوات المجهود الحربي»، الذي نال جائزة الدولة التشجيعية عام 2023.
في بداية حواره أكد «كريم» أنه لا يهتم بتوصيف نفسه، إذ يؤمن بأن الكاتب يجب أن يكتب وكأنه يخترع أبجدية الكتابة. ويركز في عمله على أن المنتج النهائي هو ما يصل إلى القارئ ويحقق الصدى المطلوب، فالمهم هو العمل نفسه الذي وليس كيفية تصنيف الكاتب لنفسه.. وإلى نص الحوار.
-
حقق كتابك «أم كلثوم وسنوات المجهود الحربي» نجاحا نقديا بارزا، ونجاحا لدى الجمهور القارئ، في تقديرك، ما أبرز الأحداث والذكريات المميزة في هذا الكتاب التي جذبت الجمهور إليه؟
أهم ما في الكتاب هو أم كلثوم نفسها. فرغم مرور خمسين عامًا على رحيلها، لا تزال أم كلثوم حية ومؤثرة في قطاعات واسعة من المصريين والعرب. وكل ما يكتب عنها يشغل المهتمين بالتاريخ الفني والثقافي المصري. لكن ربما ما لفت الانتباه إلى الكتاب هو نمط الكتابة وطريقة البناء التي اعتمدت عليها في تشكيل الكتاب. فالكتاب معظمه يعتمد على الأرشيف الصحفي الذي واكب المرحلة، وتابعها وسجلها بدقة، والمواد المتراوحة بين الأخبار في المجلات الأسبوعية أو الجرائد اليومية.
وهذا ما جعل الكتاب أقرب إلى اليوميات الدقيقة في حياة أم كلثوم في الفترة ما بين الحربين: النكسة وأكتوبر. وهو ما نفتقده نسبيًا في عملية الكتابة الفنية، خصوصًا أن أم كلثوم هي أكثر سيدة عربية قد كتب عنها. تناولت الأعمال الدرامية والكتب العربية والأجنبية مراحل حياتها بما فيها مرحلة المجهود الحربي. لكن منهجية البحث والكتابة الأرشيفية هما ما جعل الكتاب يبدو مختلفًا.
-
بالحديث عن ثاني أعمالك «سلوى» عن الراحلة العظيمة سلوى حجازي، كيف طرأت فكرة الكتابة عن هذه الشخصية تحديدًا بعد أم كلثوم؟
كتاب «سلوى» كان مشروعًا مؤجلاً منذ أن قرأت ديوانيها مترجمين إلى العربية من ترجمة الأستاذ عاطف عبد المجيد. في طبعة الهيئة العامة للكتاب في عام 2017. كانت سلوى حجازي في نظري قبل ذلك مجرد وجه تلفزيوني له حضور كبير، بالإضافة إلى ارتباط اسمها بالسيدة أم كلثوم، بسبب مرافقتها للست في رحلة باريس في نوفمبر 1967، وكونها أول مذيعة تلفزيونية تجري حوارًا متلفزًا مع أم كلثوم بعد سنوات من الرفض والتمنع، لذا، عندما قرأت الديوانيين وعدت إلى أصلهما الفرنسي، شعرت أن سلوى تمتلك وجهًا آخر غير معروف.
لكن ما لفت نظري فعليًا في نصوصها الشعرية هو تلك النزعة التشاؤمية القاسية التي غلفت معظم القصائد. فالموت حاضر بين سطور الديوانيين، وتغلب على معظم القصائد روح استشرافية للمستقبل وفواجع الحياة. وهو ما تحقق بعد سنوات حين غابت “سلوى” في نهاية مأساوية فوق أرض سيناء في فبراير 1973. لذا، كان قراري منذ البداية أن تكون تلك الرؤية القاتمة هي مدخل فهمي لسلوى، خاصةً وأن هذه النزعة السوداوية تتقارب نسبيًا مع شاعرات عالميات في زمنها. عاشوا ذات الخوف من الحياة، وكتبوا في أشعارهن عن هاجس الموت وتحسسه في الأشياء.

حدثنا عن فترة التحضير والبحث للكتابة عن شخصية سلوى، والتي بلغت عاما ونصف كما ذكرت، ولقائك بأفراد عائلتها وزملائها…
الكتاب يعتمد على الأرشيف الصحفي الذي وثق نجاح سلوى الإعلامي والشعري، وحتى في كارثة موتها التراجيدي. لذا، حاولت قدر الإمكان الاعتماد على أرشيف الصحف والمجلات الفنية والأدبية والصحف اليومية من أجل تكوين صورة عامة وواسعة لحياة سلوى حجازي. كما قمت بمقارنتها ببعضها البعض للتأكد من صحة كل معلومة. وتتبع كافة حواراتها الصحفية التي كانت يظهر فيها عمق سلوى، وحدود ثقافتها الأدبية والشعرية. على عكس حواراتها التلفزيونية التي كانت إلى حد ما مرتبطة بقواعد التلفزيون وحدود مواضيع الحلقات. كما اعتمدت بشكل كبير على ما كتبته سلوى في قصائدها ونصوصها الشعرية. حيث يظهر كليًا هواجس سلوى وخوفها الدائم من الحياة، ومساحات القلق الوجودي الذي هيمن على حياتها بعد دخولها دائرة الضوء عام 1960.
ففي القصائد، تكشف سلوى بكل صراحة عما يدور داخلها دون مواربة، وتواجه هواجسها الداخلية بشكل مباشر. وقد ساعدني القدر بمد أواصر المحبة والثقة بيني وبين عائلة سلوى حجازي لمدة تزيد عن العام. وخلال رحلة البحث، عثرت العائلة على مجموعة ضخمة من الأوراق الشخصية لسلوى كانت مفقودة لمدة نصف قرن تقريبًا! وقد زادت تلك الأوراق مساحة الفهم لشخصية سلوى وعمقها في نظري. خاصةً وأن تلك الأوراق كشفت عن تجارب شعرية وترجمات قامت بها سلوى ولم يكن أحد يعلم عنها شيئًا، فكانت تلك الأوراق بمثابة الكنز الذي غير شكل الكتاب. ومنحت الكتاب بعدًا جديدًا لم يكن متوقعا أبدًا.
-
ما أبرز الأحداث والمعلومات التي ذكرها الكتاب والصور أيضًا والتي لم تكن معروفة من قبل عن شخصية سلوى حجازي؟
معظم الكتاب يقدم نظرة جديدة لسلوى، خاصةً وأنه يركز على البعدين غير الشائعين لشخصيتها: وجه الشعر ووجه الشهادة، ومحاولة فتح الباب لقراءة سلوى الأديبة وتتبع جذور ثقافتها الأدبية والشعرية. لكن ربما أهم ما يقدم من وثائق هو ترجماتها الشعرية للشاعر فكتور هوجو، ومحاولتها للكتابة باللغة العربية. بخلاف باب “الرحيل” بفصوله الأربعة التي حاولت فيها تتبع رحلة سلوى حجازي الأخيرة في الجمهورية الليبية. وتوثيق تحركاتها من خلال شهادات من نجوا من رحلة الموت، وتوثيق كل ما كتب عن الحادثة في الصحافة العربية والعالمية. لبناء صورة واسعة ومشهد درامي شامل يضع القارئ داخل أيام البعثة المصرية في طرابلس، وحتى داخل الطائرة قبل أن تتحطم فوق أرض سيناء. وأتبعت ذلك الباب بفصل كبير عن الشهداء المصريين الذين كانوا على متن الطائرة، بعدما شعرت أنها فرصة جيدة لتدوين حياة هؤلاء. وتتبع سيرتهم وموتهم، بعدما كتب عليهم أن يكونوا شهداء على مأساة سلوى، وعلى الغدر الصهيوني.
-
بعد النجاح والصدى الرائع الذي لاقاه الكتاب من الجمهور، هل كنت تتوقع هذا؟
بكل صدق، إطلاقًا؛ بل على العكس تمامًا كنت متخوفا قليلاً، لأن سلوى بعيدة عن الأذهان في تلك اللحظة. ولا يمكن مقارنة حضورها، مثلاً، بحضور أم كلثوم الجماهيري، وبالتالي كنت أعتقد أن الكتاب سيلفت نظر العارفين بشخصية سلوى، أو على الأقل المهتمين بتاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي لمعرفة أسباب الحادثة وحقيقة ما جرى. ولكن قدر النجاح والحفاوة بالكتاب فاق كل توقعاتي، وإحياء سيرة سلوى وعودتها إلى الحياة كان شيئا لافتا للنظر، خصوصًا من الأجيال الصغيرة التي بدأت تتعرف عليها لأول مرة، وتسعى لاقتناء ديوانيها الشعريين أو مشاهدة حلقاتها التلفزيونية الموجودة على شبكة الإنترنت.
-
كيف تفكر في أعمالك القادمة؟ وهل هناك شخصية بعينها تتمنى الكتابة عنها لاحقًا؟
عادة لا أكتب إلا عن الأشخاص الذين تجمعني بهم صلة روحية، وهذا ما حدث مع أم كلثوم ومع سلوى. وهناك مشاريع قادمة لشخصيات من ذات المرحلة التاريخية، ولكني أسعى إلى وجود فاصل زمني طويل بين كل مشروع وآخر، حتى يحظى كل عمل بالقراءة الكافية، ويأخذ حظه من النقد والتحليل.
-
هل تتمنى أن ترى أو تشارك في عمل فني (درامي أو سينمائي) يتناول سيرة سلوى حجازي؟
بالطبع، هذا يسعدني، وحياة سلوى تصلح فعليًا لأن تكون مادة درامية عظيمة، والكتاب في معظمه يقدم سيرتها في شكل أقرب للنص الدرامي. لذا فإمكانية تحويله إلى صورة سينمائية أو درامية قائمة. ولكنها لا تزال فكرة فقط حتى الآن.
-
ككاتب شاب حققت نجاحا كبيرا من خلال عملين مميزين، ما هي النصيحة التي تقدمها للكتاب المبتدئين الذين يشعرون بالتردد في بدء أولى خطواتهم الكتابية؟
مازالت أتعلم وأخطو على درب الكتابة الطويل، ودائمًا أطلب النصيحة من الكُتاب الكبار ومن منْ يعجبني أعمالهم الإبداعية. ولكن إذا كانت هناك نصيحة واحدة أنصح بها نفسي والكُتاب الذين يتعثرون في أولى خطواتهم. فهي أن تكون الكتابة فقط للمتعة الذاتية. وأن يكون غرضهم من الكتابة هو محاولة إيجاد سبيل للخيال. ففي البداية كانت متعة الكاتب، ثم جاءت متعة القارئ، وبتحقيق تلك الوصفة يصبح القارئ شريكًا للكاتب في متعته، ويلقى العمل قدرًا من الحفاوة.