"حتشبسوت" المرأة الفرعون.. أزالت تاء التأنيث من اسمها ووضعت لحية مستعارة
مثلت نفسها في ملابس الفرعون، ونراها في هيئة شاب يافع يلبس التاج الأزرق المنتفخ فوق الجبهة، وفوق صدرها عقد الملك ذي السبع بردورات أو الستة صفوف، فى خصرها المئزر يغطى ساقيها حتى فوق الركبة، تركع بين يدى آمون رع.
وفي صورة أخرى تظهر بلحيتها المستعارة كعادة الملوك الفراعنة وهي في جميع صورها تُمثل مفلطحة الصدر، وقد رفعت تاء التأنيث من اسمها فهي ملك مصر لا ملكتها وهي حتشبسو وليست حتشبسوت.
كان المهندس “سنموت” المستشار الأول للملكة في كل الأمور.. وتمثلت عبقريته في جميع الوظائف الرفيعة التي كان يشغلها، فقد كان مديرًا للحقول والمخازن الملكية.
في البدايات المبكرة لظهور المسيحية في مصر، اتخذ بعض الرهبان من معبد حتشبسوت ملاذًا للعبادة والانزواء، وأطلقوا عليه اسم “الدير الشمالي” ومن هنا جاء اسم “الدير البحري” الذي اشتهر به المعبد عالميًا.
وفضلًا عن التفرد المعماري لهذا المعبد الذي ليس له مثيل في معابد العالم القديم كله، فإن جدران هذا المعبد وأفنيته مزدانة بنقوش ومناظر ونصوص فريدة، لعل أهمها التقرير التفصيلي المدعم بالصور الوصفية لتلك الحملة البحرية التجارية الشهيرة التي أبحرت فيها الأساطيل المصرية إلى بلاد “بونت” ويقال إنها الصومال أو بلاد اليمن أو هما معا.
حتشبسوت على عرش مصر
يقول الدكتور عبدالمنعم عبدالعظيم، مدير مركز تراث الصعيد بالأقصر، إن حتشبسوت كانت في سن العشرين عندما قضى أبيها تحتمس الأول نحبه، بعد خمسة وعشرين عامًا في الحكم، ثم استراح من الحياة وذهب إلى السماء ليختلط بالآلهة.
وكانت هي وريثة العرش لنقاء دمها الملكي، فتوجت بالملكية وأصبحت شريكة والدها في الحكم أواخر أيامه، ولكن تقاليد البلاط ودسائس الكهنة بدأت تتدخل، لأن فكرة ولاية امرأة تغضب كثير من الناس، فتحتم إشراك أخيها غير الشقيق تحتمس الثاني، وحتى لا تثير القلاقل تزوجته وأشركته معها في الحكم.
كان تحتمس الثاني شخصًا واهن الصحة ضعيفًا مريضًا فبدأت حتشبسوت تحكم باسمه كفرعون وتمسك مقاليد الحكم وتسوس الدولة، ولم يلبث أن تدهورت صحته ومات تحتمس عام 1501 ق.م، بعد أن أنجب من الملكة ابنتين شرعيتين، وبعد رحيل تحتمس الثاني خشي الحزب العسكري وكهنة آمون أن تنفرد حتشبسوت بالعرش.
وخلال حفل ديني حمل الكهنة تمثال آمون من قدس الأقداس فتجول التمثال هنا وهناك، وكأنه ينشد ضالته على طريقة النعش الطائر في عصرنا، ثم توقف التمثال في مواجهة الشاب تحتمس بمكان يعرف بموقف الملك، وبذلك أعلن آمون عن فرحته بابنه تحتمس الثالث ونصبوه وريثًا للعرش، فقد كان ابنًا لتحتمس الثاني من زوجة ثانية تدعى إيزيس وبهذه المؤامرة أصبح ملكًا على مصر وهو لم يزل طفلا لم يبلغ الحلم.
نصّبت حتشبسوت نفسها وصية عليه وعلى ابنتها زوجته “نفرورع” التي كانت قاصرة كذلك، ولم تلبث أن انفردت بالحكم وأعلنت نفسها ملكة شرعية على البلاد.
تولت هي الحكم منفردة لنحو اثنين وعشرين عامًا من 1505 إلى 1483 ق.م، وبالرغم من ذلك فإننا لا نجد لها اسمًا في القوائم الملكية المعروفة، وتم محو اسمها من الخراطيش الملكية وضرب على الخطوط التي تمثل شخصيتها في الصور الحائطية.
كانت تؤكد أن والدها تحتمس الأول هو الذي اختارها وأعدها لتولي العرش، وأن الآلهة آمنت على اختياره، وتدّعي أن أباها الحقيقي هو آمون نفسه، وترسم على الجدران بهو الميلاد قصة حمل أمها بها، فتعلن على رؤوس الأشهاد قصة ميلادها الإلهي الذى يثبت حقًا لها لا يُنازع.
“سنموت وحتشبسوت” حقيقة قصة حب الملكة ومهندسها
يقول عبدالمنعم عبدالعظيم، مدير مركز تراث الصعيد بالأقصر، إن هناك ظاهرة فريدة لسنموت مهندس حتشبسوت، إذ يملك مقبرتين، الأولى في تلال “شيخ عبد القرنة”، والثانية كشف عنها “وينلوك” في شتاء 1926/1927 فى الدير البحري وهي تتميز بسمات ترفع سنموت في مرتبة أعلى من عامة الشعب وسائر الأعيان، وترتيب المقبرة ونظامها يدعوان إلى استنطاق معنى شديد التميز، فهي تقع في الحرم المقدس للدير البحري، وتشير إلى صلة وثيقة بين الملكة ومهندسها ورغبة مؤكدة في توحيد شعائرهما الجنائزية، فتخطيط مقبرته والمقبرة الملكية واحد وشكل التابوتين واحد، ومنقوش اسم حتشبسوت على جميع جدران المقبرة، كما أن النصوص الدينية التي نقشت فيها لا تظهر إلا في المقابر الملكية.
ويتساءل عبدالعظيم : هل كان لدى سنموت من الأسباب التي تجعله يقف على قدم المساواة مع مليكته ويتقدم الملك نفسه؟ إنه حالة فريدة في تاريخ مصر القديمة فاسمه في أفضل الأماكن المميزة في المعابد، ويصور هو وحتشبسوت أمام الآله، لقد مُنح سنموت امتيازات ذات شأن لم يسبقه أحد إليها من الشعب.
شطحت الأخيلة ونسجت الكثير حول علاقة حتشبسوت بمهندسها المعماري، هل كان أخا أكثر التصاقا من أخيها الزوج تحتمس الثاني، وصنعت بنات أفكار بعض الباحثين قصة حب، وقيل إن ممرًا سفليا، كان يربط حجرة دفن سنموت بحجرة دفن حتشبسوت، بغية أن تلتقى روحيهما في الحيوات المتكررة ، وإن كان هذا الممر مجرد مشروع لم ير النور بعد.
وفيما بعد، حُكم على اسمه أن يضيع في غياهب النسيان، وقيل إن مناصرته لحتشبسوت هي السبب، لكن من الثابت أنه توفى قبل وفاة حتشبسوت وعزل قبل وفاته من حتشبسوت نفسها، ولم يدفن في مقبرته وهشم اسمه من على جدرانها بالمطرقة في حين بقى اسم حتشبسوت.
ويؤكد الباحث الأثري أن سننموت تميز باعتباره مهندسا معماريا لا مثيل له، فعرف كيف يقيم في طيبة مساكن جديرة بالإله، فالثورة الفنية التي ابتدعها تواصلت واستمرت، وكانت علاقته بحتشبسوت مبنية على تقديرها وإعجابها بفنه وسياسته وقدراته الإدارية، ولم ترق بكل المقاييس إلى علاقة عشق إنساني كما توهم بعض علماء التاريخ، لقد اجاد فنال هذه المكانة ونال رضاء الملكة، كفنان ومبدع وإداري، كان يجمعهما ذلك الحب الذى يسمو بالعواطف ويرتفع فوق الشهوات لقد تعاملت معه الملكة التي تقمصت دور الرجال كرجل.
التصميم الهندسي للمعبد
صُمم معبد حتشبسوت على ثلاث مسطحات كبيرة اتخذت شكل الشرفات، يعلو أحدهما الآخر واستبعد منه الهرم (أو المسلة) وحجرة الدفن، لكنه أضاف إليه مقاصير للتعبد ولإقامة الطقوس لكل من آمون ورع حور أختى وأنوبيس والإلهة حتحور، فالمعبد كرّس في المقام الأول لعبادة الإله آمـون إله طيبة، كما شيدت المقاصير لكل من الإله رع حور آختى إله هليوبوليس، وكذلك للإله أنوبيس إله الموتى، وللإلهة حتحور سيدة الغرب.
بدأ تشييد هذا المعبد في العام الثامن أو التاسع من حكم الملكة حتشبسوت، وقد استخدم الحجر الجيري الجيد في بنائه وليس الحجر الرملي الأصفر المقطوع من محاجر جبل السلسة (جنوب ادفو) كما هو متبع في إقامة معابد تخليد الذكرى.
نصعد بواسطة الدرج الذى يتوسط الأحدور الصاعد الذى يفصل الصفتين، لنصل إلى المسطح الثاني والشرفة الثانية.
ويبلغ عرض هذ الأحدور عشرة أمتار بالتقريب ويحده يمينًا وشمالًا سياجان، ونجد في نهاية المسطح الثاني صفتين يحمل سقف كل منهما 22 عمودًا، الصفّة اليمنى (أي الشمالية) بها مناظر الولادة المقدسة للملكة حتشبسوت والصفة اليسرى (الجنوبية) بها مناظر بعثة بونت الشهيرة.
الرحلة التجارية الشهيرة إلى بلاد “بونت”
في الصفة الجنوبية (اليسرى) توجد “مناظر بعثة بونت”، وهي أول بعثة تجارية تقوم بها حتشبسوت في السنة التاسعة من حكمها إلى بلاد بونت، الواقعة بالقرب من الصومال الآن، وكانت مكونة من خمس سفن، وكان الهدف من الرحلة المجيء بالبخور والعطور لتقديمها للإله آمون.
أبحرت خمس سفن كبيرة محملة بمصنوعات مصر الراقية تحت قيادة القائد “تحسى”، حيث تبدأ مناظر هذه الرحلة من الزاوية الجنوبية لهذه الصفة بالمنظر السفلى على الجدران الغربي الذى يوضح بالنص والصورة إبحار البعثة المصرية إلى “بونت”، وهذا نص الصورة “وبدأ الطريق الطيب إلى أرض الإله والسفر في سلام إلى بونت بجيوش سيد الأرضين، طبقا لأمر سيد الآلهة آمـون سيد عروش الأرضين (أما أبت سوت) لتحضر له العجائب من كل بلد أجنبي لأنه يحب كثيرًا ابنته (ماعت كارع)، وهو اسم التتويج للملكة حتشبسوت.
نتابع الآن المناظر على الجدار الغربي من الصف الثاني الملاصق للجدار الجنوبي، فنشاهد منظر شحن السفن الكبيرة بعجائب بونت، ويلاحظ الرجال وهم يسيرون على السقالات ويحملون الأشجار المختلفة إلى داخل السفن، ثم يلي ذلك منظر يمثل ثلاث سفن ناشرة أشرعتها، جاهزة للإبحار إلى مصر وفوقها نص يذكر “الإبحار والوصول في سلام إلى أبت سوت” أي إلى أرض معابد الكرنك، ثم نرى منظر يمثل أهالي بونت الذين قدموا بالهدايا لتقديمها للمصريين يحنون رؤوسهم تحيه واحترامًا.
مناظر ونقوش الولادة الإلهية لحتشبسوت
في الصفة الشمالية (اليمنى) التي بها مناظر الولادة المقدسة ويعتقد البعض أن مناظر الولادة المقدسة كانت من الأسباب المهمة التي من أجلها شيد هذا المعبد.
الهدف الأول من إقامة المعبد أن يكون مكّرسًا في المقام الأول للإله آمون ويعبد فيه بجانبه كل من رع حور آختى وانوبيس، والإلهة حتحور أما الهدف الثاني فهو أن يكون هذا البناء الضخم معبدا لتخليد ذكراها وذكرى والديه. والهدف الثالث والأخير أن تسجل على جدرانه أسطورة مولدها المقدس، وأن تثبت أن والدها هو الإله آمون وليس تحتمس الأول، وذلك بعد أن اغتصبت العرش من الملك تحتمس الثالث، ولهذا اتخذت حتشبسوت كل الخطوات الضرورية لتثبيت حكمها وأن يكون هذا المعبد بمثابة دعاية لأحقيتها في العرش، فسجلت على جدرانه أن الإله آمون قد أمر بتتويجها، وبهذا أصبحت حتشبسوت ملكة على مصر.
أول مناظر الولادة الإلهية هي للملكة أحمس وهي حامل في ابنتها حتشبسوت، ويمسك بيديها كلا من (تحوت وحقات) يقودان الملكة الى حجرة الولادة، وفي المنظر التالي أحمس وهي جالسة على كرسي الولادة، والمنظر الأخير للملكة أحمس تحمل ابنتها حتشبسوت بعدما كبرت على ثلاث مناظر في السنة الأولى لابنتها والثانية والثالثة.
قدس أقداس معبد حتشبسوت وظاهرة تعامد الشمس
هذه المقصورة محاطة على جانبي المدخل بصورة حتشبسوت ترحب بالزائرين، والطريق المؤدي إليها محاط بالأعمدة، ومن خلال طريق به باب كبير من الجرانيت ندخل إلى قدس أقداس آمون.
يوجد في هذه الحجرة تمثالان لحتشبسوت مفقودي الرأس، وكان من المفروض وجود تمثالين آخرين لها كما هو متفق عليه.
ومن الباب الثاني الخلفي للحجرة ندخل إلى الحجرات الأخرى للمحراب، في أيام حتشبسوت كان الموكب الآتي من معبد الوادي تنتهي عند محراب آمون رع.
يقول الدكتور مصطفى وزيري، مدير آثار الأقصر، إننا ندرس منذ عام 2007 ظاهرة مرور الشمس وليس تعامدها على معبدي الكرنك وحتشبسوت لأنها ليست ظاهرة مؤكدة تماما، مثل ظاهرة تعامد الشمس على تمثال رمسيس الثاني بمعبد أبو سمبل بمحافظة أسوان، حيث تمر الشمس بدءًا من البوابة الشرقية لمعبد الكرنك المسماة ببوابة “نختنبو” آخر ملوك الأسرة الثلاثين ثم بقدس أقداس معبد الكرنك، ثم تعبر النيل للجهة الغربية لتمر على معبد حتشبسوت.
ويضيف وزيري أن هناك مجموعة من الباحثين يأتون كل عام في يومي الحادي والعشرين والثاني والعشرين من شهر ديسمبر في معبد حتشبسوت، ليتأكدوا من مرور الشمس، هل سيكون علي التراس الثالث أم على وجه حتشبسوت أم على قدس الأقداس أم على وجه آمون، وإلى الآن لم تثبت دلائل علمية قاطعة بشأن هذا الأمر.
ويشير الباحث الأثري، إلى أن هناك قصة شهيرة لتولي حتشبسوت الحكم، وهي أن الإله آمون رب الكرنك تنّكر في ليلة من الليالي في شكل والدها الملك تحتمس الأول، وتزاوج مع أمها في ليلة واحدة فأنجبها فأصبحت ابنة الإله وبذلك أصبحت صاحبة الحق الشرعي لتولي الحكم كملكة على البلاد.
إذن نحن الآن نتساءل لو أن المهندس المعماري سنموت، الذي بنى معبد حتشبسوت، أراد أن يربط مرور قرص الشمس في هذا أو تتعامد كل عام في هذا التوقيت على حتشبسوت مرورا بالكرنك، فهل هذا يفسر أشياء أخرى، هل قصد بيوم 21 ديسمبرعيد ميلاد حتشبسوت.