جانب مجهول في حياة "الخال".. عمل راعيًا للغنم والأجرة "بتاوة"
في الحادي عشر من أبريل عام 1938 في قرية صغيرة من قرى مركز قنا، ولد عبد الرحمن محمود، لوالد يعمل مدرسًا للغة العربية، وبعدها بـ 77 عامًا كاملة، تحديدًا في الحادي والعشرين من أبريل عام 2015 يرحل الخال.
عاش عبد الرحمن طفولته في شوارع أبنود الترابة يرتدي قميصًا أبيضًا من القماش الخام ولا يرتدي أي حذاء كعادة كل أهل القرية، ومثل أطفال القرية شغل الأبنودي وقته برعاية الغنم، راعيًا هاويًا- كما يقول هو- وليس راعيًا محترفًا.
الراعي المحترف هو الراعي الذي يرعى قطعان كبيرة بالنيابة عن ملاك الأغنام، ليسير بها في الطرق الريفية الواسعة والشوارع الموازية للترع، أما الأبنودي ورفاقه فكان يرعى كل منهم عددًا قليلًا من أغنام جيرانهم الفقراء، ليرعى عبد الرحمن “عنزات” جدته ويامنة أبو العلا، جارته.
وكأي راعٍ هاوٍ يتعرض الأبنودي لاختبار صعب عندما تسقط عنزة يامنة على الأرض منتفخة البطن، رافعةً أرجلها الأربعة إلى السماء وجاحظة العينين، ليُحتار عبدالرحمن وزملاؤه، حتى يكشف لهم رجل كبير أنها أكلت “نوار عقول”، وهو زهرة الشوك، ليداويها ويتمرس الطفل الصغير في الرعي قليلًا.
في حقول القمح المحصودة ووسط رعي الغنم الذي يمتلئ بأوقات فارغة عمل عبد الرحمن ورفاقه في جمع بذور شجرة القرض العالية، التي تبنت وسط الحقول وعلى جوانبها، بعد إلقائها بالطوب وجمع شوال منها لبيعه بقرش أو بعض مليمات.
ويحكي الأبنودي في كتابه “أيامي الحلوة” أن قوت يومه أثناء رعيه للغنم هو “بتّاوة”، وهي رغيف مصنوع من دقيق الذرة، جافة جدًا، تفتح في وجهها دائرة متوسطة ويخرج قلبها العجين، ثم يحلب فيها لبن الماعز الدافئ، ليتركها قليلًا حتى تفقد تماسكها وتصبح جاهزة لتناولها وجبةً ليومه، أو “ساندوتش اللبن” كما سماه الأبنودي.
وسط غناء العاملين في الزراعة خلف الساقية وفوق النورج وتحت الشادوف، يخرج الأبنودي لفضاءات الرعي بعد أن خرج اهتمامه من تعلم النقاط الرئيسية التي يرتكز عليها في يومه بصفته راعيًا للغنم.
ينظر حوله ويستمع لغناء العاملين في الزراعة خلف الساقية وفوق النورج وتحت الشادوف، ليصبح النواة الأولى التي زُرعت بداخله في الحب الغناء والشعر والقول.
مَثّل الرعي في حياة الابنودي مساحة واسعة ومضيئة منفتحة على السماء والأرض، وارتباط قوانين الحياة كل بالآخر لتلتقط عينه ويؤرشف عقله لتكون المحصلة صفاءً مثل صفاء الأنبياء الرعاة كما قال الأبنودي.
تعليق واحد