في ذكرى سقوط بغداد.. الدشناوية يبكون العراق بمواويل سعدون جابر

قنا – مصطفي عدلي:

“اللي مضيع الذهب في سوق الذهب يلقاه.. واللي مفارق حبيبه يمكن سنة وينساه.. لكن اللي مضيع وطن وين الوطن يلقاه”

بهذا الموال الحزين، تغنى الفنان العراقي الكبير سعدون جابر، في سبعينيات القرن الماضي، مناشدًا العرب بعدم التخلي عن الأوطان في محنتها، وكأنه كان يستشعر الحال المؤسف الذي وصلت إليه الدول العربية عامة، والعراق موطن جابر تحديدًا، الذي تحوّل علي يد آلة الحرب الأمريكية، ومن بعدها الجماعات والعصابات المسلحة، إلى أطلال يخيم عليها الحزن وتئن أجساد الجرحى وتتساءل أرواح القتلى بأي ذنب قُتلت.

واليوم وفي الذكري الثالثة عشر لسقوط بغداد، عاد أهالي دشنا ممن كانوا يعملون في العراق في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، للبحث عن أشرطة الكاسيت القديمة التي كان يصدح بها “كروان العرب” كما أطلق عليه أهالي دشنا، ويعود مواله الشهير ليدوي في الآذان “اللي مضيع وطن وين الوطن يلقاه”.

وقد ولد الفنان العراقي سعدون جابر، فى بغداد عام 1950، درس في لندن وحصل على شهادة الماجستير، ثم سافر إلى مصر وقدم رسالة دكتوراه عنوانها “أغاني المرأة العراقية”، في الفترة من 1976 إلى 1990، وخلال هذه الفترة، قدّم عددًا من الأعمال الفنيّة، التي جمعته بكثير من رموز الشعر والتلحين في الوطن العربي، مثل الموسيقار الكبير بليغ حمدي، كما تعاون مع خالد الفيصل.

دخل كروان العراق مجال التمثيل وقدّم مسلسلًا تلفزيونيًا طويلًا عن حياة المطرب الراحل ناظم الغزالي كما قدم عددًا من الأعمال الدرامية الأخرى، وعرف عنه عشقه وتأثره بالعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ.

من أشهر أعماله الغنائية التي تعلق بها جماهيره، يا أمي، أريدك، أنت العزيز، عشرين عام، وتعد أغنية الذهب التي غناها لبلده العراق، أحد أهم وأشهر أغانيه التي تعلق بها المصريون.

https://soundcloud.com/rashad-ahmed-rashad/wtisb98rpxfi

 

“ولاد البلد” غاصت في ذاكرة الأهالي، واستدعت ذكرياتهم في العراق مع مطربهم الملهم الذي كان بمثابة المُسَكّن الذي يداوي جراحهم في الغربة، بحسب تعبير أحدهم.

جاد الرب ذكي، صاحب الستين عامًا، يحدّثنا عن ذكرياته في العراق ونبرة حزن وحسرة في صوته، تشي بحبه القديم لها الذي لم تمحه السنون.

يقول: “أكثر من 20 عامًا، عشتها في قبلة الشرق والغرب وعاصمة الحضارة والجمال، التي تحوّلت إلى ساحة حرب بسبب الغزاة والمستعمرين والجماعات المتطرفة، وتخاذل العرب”.

ذكي العجوز الذي لا يحب اقتناء كروت الميموري أو فلاشات الذاكرة، أنه ما يزال يحتفظ بجهاز كاسيت قديم يعرف بـ”543 الخورفيشة” الذي كان يستمع من خلاله لأغنيات سعدون جابر، وأن دموعه كانت تنهمر رغمًا عنه بمجرد استماعه لموال الأم الذي كان ينشده جابر، “كنت أشعر أنه يقصدني”.

ويعتقد محمود السيد عيسى، واحد ممن عملوا بالعراق، أن مركز دشنا على وجه التحديد كان له الفضل الأكبر في ذيوع وانتشار اسم سعدون جابر في الصعيد، لأن العمّال المغتربين كانوا حريصين على إحضار شرائط الكاسيت التي تحمل أغانيه عند عودتهم لمصر، كانت هذه الشرائط بمثابة بطاقة تعارف قدّمت سعدون لأهالي الصعيد الذين ما يزالون يحتفظون بأشرطته، في حين يفضل البعض الآخر الاستماع إليه من خلال كروت الذاكرة والفلاشات.

ويأسى صابر عبد الإله، موظف، على الحال الذي وصل إليه العراق، مشيرًا إلى أنه يستمع إلى أخبار العراق من خلال نشرات الأخبار بكل حزن، ملقيًا باللوم على العرب لأنّهم “تهاونوا وقصّروا في حق العراق”.

ويتذكر غانم أبو بكر، تاجر، كيف كان حال العراق بقيادة رئيسها السابق صدام حسين، الذي وصفه بالبطل المغوار، “كانت أكبر دولة عربية حاضنة للمصريين، عشت فيها ما يقرب من 5 سنوات، عملت خلالها في بيع الخضروات، ولا أنسى أبدًا التكية التي افتتحها صدام وكانت تستقبل المصريين المغتربين، أثناء عملهم ببلاد الفرات”.

ويضيف أبوبكر أن كلمات سعدون جابر كروان العراق كانت بمثابة البلسم الشافي للعمالة المصرية هناك، وكلما نحن لذكريات العراق نعاود الاستماع إلى تسجيلاته القديمة التي ما زلت أحتفظ بنسخ أصلية منها، ثم يختم كلماته “لعنة الله على الحروب”.

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر