سلسلة عاشت الأسامي| فيلا عبدالحليم حافظ بـ”العجمي” تاريخ للبيع
ليست فيلا فخمة، تليق بفنان كبير مثل العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، فقد تحولت فيلا الفنان الراحل في منطقة بيانكي بالعجمي غربي الإسكندرية، إلى مكان مهجور، تحيط بها الأشجار التي تفتقد العناية والزرع الذابل، ومغطاة بالأتربة، وإذا حل الليل غرقت في الظلام، فهي بلا إضاءة.
وهى عبارة عن طابق واحد من بوابتين، ومدخلها عبارة عن خشب ومدخل آخر خاص بحجرة الخفير وهو الشخص الوحيد الموجود بالفيلا لحراستها، أما الجدران فمن طوب حجري يأخذ الشكل الفرعوني القديم بلون أصفر باهت تكاثرت عليه الأتربة والغبار.
“ولاد البلد” زارت فيلا العندليب الأسمر، والموجودة في شارع 1/8 بشاطئ الفردوس، بمربع بيانكي.
حكايات العندليب
يقول أحمد يوسف، أحد جيران فيلا عبد الحليم حافظ لأكثر من 60 عامًا، لم يعد أحد من الورثة يزورها منذ زمن طويل، ولا يوجد بها سوى حارسها، عنها لفترات طويلة.
ويضيف يوسف أن تلك الفيلا لم تكن مبنى عاديًا أو مجرد فيلا للعندليب، بل كانت مزار دائم يلتقي فيه كل زملائه ومحبيه من كل مكان، حيث كانت ملتقى المشاهير والعظماء ورجال الدولة أنذاك.
ذكريات
علي عبد الرازق، مالك أقدم محل فكهاني في منطقة بيانكي، يقول إنه عاصر أيام عبد الحليم، كان وقتها لم يزل طفلًا في العاشرة من عمره، إلا أنه يتذكر شكل وهيئة العندليب عندما كان يأتي لفيلته ويتجول بسياراته في شوارع بيانكي.
يضيف عبد الرازق أن حال العجمي قديما اختلف كثيرا عن الآن، فقد رحل الماضي الجميل برحيل أصحابه الذين كانوا يعطون طعما وحياة للمنطقة الساحرة، التي كانت تضم عددًا كبيرًا من فيلات كبار الشخصيات وفناني مصر الكبار مثل الفنان أحمد رمزي والفنانة فاتن حمامة وحليم، بالإضافة إلى عائلة رجل الأعمال دودي الفايد.
ويوافقه في الرأي عاطف الصغير، أحد خفراء المنطقة القدامى، ويضيف أن بيانكي كانت مزارا سياحيا لكافة الدول الأجنبية والخليجية بسبب وجود تلك الشخصيات والأسماء فيها، لكن تبدل الحال الآن وأصبحت أكثر هذه الفيلات مهجورة تماما لا أحد بها سوى أشباح الليل والظلام والتراب الذي يسكنها.
الجيران
منصور الحرش، أحد أصدقاء الراحل عبدالحليم حافظ، وجاره في الفيلا المجاورة بالمنطقة، يقول إن حليم كان يقضي معظم أوقاته حتى في غير فصل الصيف في فيلته بالعجمي، وهي البيت الوحيد الذي كان يملكه العندليب في الثغر، فكانت تعتبر بالنسبة له صومعته التي يتلقى فيها وحيه الفني.
ويضيف الحرش أن حليم كان يعمل بالساعات والأيام داخل فيلته بالعجمي ويقبع في هدوء لكي يتدرب على لحن جديد أو لحفظ أغنية جديدة، وكان يعتاد الجلوس على شاطئ البحر لفترات طويلة.
ملاذ أهل الفن
أما عصام محروس، أحد جيران حليم، يقول إنه كان يسمع من والده، والأخير كان صديقًا للفنان الراحل، أن فيلته كانت ملاذا لأهل الفن والفنانين حيث كان دائما يتوافد عليه الفنانين، وعلى رأسهم الفنان أحمد رمزي وهو جار للعندليب ونادية لطفي، وزيزي البدراوي، وسعاد حسني، ونجاة، وعز الدين ذو الفقار، وغيرهم.
الإهمال
محروس يتابع أن الفيلا أصبحت بقايا تاريخ جميل، فقد تحولت إلى مقرًا للكلاب الضالة والقطط، بعد أن تركها الورثة والمسؤولون، متغافلين قيمتها المعنوية أكثر من قيمتها المادية، كما أنها أصبحت متهالكة وآيلة للسقوط، خاصة بعد سقوط الأسقف وبعض الأعمدة، كما غطتها الأتربة والأشجار المخيفة.
تاريخ للبيع
في 25 أكتوبر عام 2015 المنقضي فوجئ جيران وأصدقاء الراحل عبدالحليم حافظ بنشر ورثته إعلان الكتروني علي موقع “بيتك أون لاين” يعرض فيلا عبدالحليم حافظ بالإسكندرية للبيع ببيانكي العجمي شاطئ الفردوس مقابل 5 ملايين جنيه للاقتناء أو الهدم وبناء برج سكني على مساحة الأرض “1072 مترًا”.
ويقول كريم ذكريا، الخبير الأثري بالإسكندرية، إن ذلك الاعلان يعد كارثة حقيقية، ويعد إعلان بيع لتاريخ، غافلًا قيمة تلك المبان الراقية القديمة مقابل أموال ليست لها قيمة معنوية مثل هذا المبنى، الذي عاش فيه فنان بحجم عبد الحليم حافظ، فنان الشعب.
ويضيف ذكريا أن الدولة كان عليها أن تقف وتتصدي لمثل هذا الاعلان، الذي يقضي علي التاريخ في مصر، وكان من الممكن أن تستغل هذا المبنى وتحوله إلي متحف أو معرض فني مقابل تذاكر رمزية، وكان سيحقق دخلًا ماديا كبيرًا.
بينما يقول محمد جميل، أحد جيران فيلا حليم، إنه علم منذ فترة نية محمد شبانة وريث عبد الحليم بعرض الفيلا للبيع مقابل 5 ملايين جنيه، إلا أنه لا أحد يمكنه قبول ذلك المبلغ لضخامته.
تحويلها إلي متحف
يرى الدكتور محمد السعيد، أستاذ الآثار بجامعة الإسكندرية، أنه يجب على الدولة تحويل فيلات رموز الفن أمثال العندليب إلى متاحف، تضم مقتنياتهم، ويحفظ تاريخهم.
ويوضح أن وزارتي الثقافة والآثار يقع على عاتقيهما إعادة ترميم وبناء فيلا عبدالحليم والتواصل مع وريثه محمد شبانة، لتحويلها إلى متحف قومي حتى لا نجد مقتنيات كبار رموز الفن تتعرض للإهانة والإهمال.
أما سكان وجيران شاطئ بيانكي فيتفقون أيضًا على رأي تحويل فيلا العندليب إلى متحف أو معرض فني، لما تمثله من تاريخ يحكي عن شاطئ الفردوس، بعد ترميمها وإعادتها للحياة،بحسب وصفهم.
رحل المطرب العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، في 27 مارس لعام 1977، وترك وراءه إرثا كبيرًا من الذكريات بين أغان وأفلام شغلت أجيالًا متعاقبة، وبجانب ذلك فيلا عبد الحليم بمنطقة البيطاش، التي كانت مزارًا لأهل الفن وكبار رجال الدولة آنذاك.
3 تعليقات