تعرف على أصل فنيّ الأراجوز وخيال الظل

خيال الظل واحد من أكثر الفنون الشعبية التراثية ثراءً وغنى، ولم يحدد الباحثون بشكل قاطع، الموطن الأصلي لفن “خيال الظل” الذي انتشر في مصر والوطن العربي ثم تركيا، ويرجح أن يكون مصدره الهند.

بحسب أحمد تيمور باشا، أحد أهم المؤرخين الذين عاصروا ازدهار الفن وبداية اندثاره، فإن عروض خيال الظل من الألعاب الشعبية الهندية القديمة، والتي عرفت طريقها إلى مصر.

ولكن في الدراسة التوثيقية التي أجراها لطفي أحمد نصار، ونشرها في كتابه “وسائل الترفيه في عصر سلاطين المماليك في مصر”، ذكر أن بعض المؤرخين رجحوا أن يكون خيال الظل، لعبة تراثية صينية، والتي بدورها انتقلت إلى الهند لما كان بينهم من تبادل ثقافي في ذلك الوقت، قبل أن تأتي إلى مصر في العصر الفاطمي.

كانت بداية دخول الفن التراثي الشعبي في مصر في عصر الفاطميين، في القرن الخامس هجريا، ومنذ بداية دخوله استطاع جذب انتباه الناس بقوة، واقتصرت العروض في البداية على الأمراء والمماليك وعِلية القوم، الذين كانوا يستحضرون المخايلين (اللاعبين بخيال الظل) في حفلاتهم ولياليهم اللاهية، وكان لديهم ولع وشغف خاص بهذا الفن تحديدا دون غيره، ولعل ذلك كان أساس انتقال هذا الفن إلى تركيا من بعد ذلك.

المؤرخ المصري ابن اياس يذكر إنه عام 1517 ميلادي جاء السلطان سليم العثماني وحضر عرضا لخيال الظل، ولما أعجب وانشرح لجمال العرض أسخى على المخايل في تلك الليلة بثمانين دينار وقميص مخملي وقال له “إذا سافرنا إلى إسطنبول فامض معنا حتى يتفرج ابني على ذلك” ومن هنا بدأ انتشار الفن الشعبي في تركيا كذلك.

مع مرور الوقت وزيادة عدد المخايلين وزيادة العروض أصبحوا يجوبون القرى والأحياء، وتحول الفن إلى فن شعبي يحاكي جميع طبقات المجتمع الوسطى والمنخفضة، حتى أصبح من السمات الثقافية الأساسية للمجتمع المصري في ذلك الوقت.

وصولا إلى إلقرن الخامس عشر، أصبح عرض خيال الظل جزءًا لا يتجزأ من الموالد الشعبية والمناسبات الدينية وحفلات الزواج والختان، بل وصل الأمر إلى تقديم العروض في الحانات والأسواق.

ويعد أعظم من أثرى هذا الفن وأضاف إليه ابن دانيال، وهو شاعر وفنان من الموصل، الذي تركها على إثر هزيمة المغول في معركة عين جالوت، والتي أدت إلى دمار الموصل بصورة لم يسبق لها مثيل في التاريخ الإسلامي.

في عمر التاسعة عشرة، وصل ابن دانيال إلى مصر واستغل أهم ما فيها من وسائل الترفيه وأبدع في فن خيال الظل.

كان ابن دانيال يؤلف الروايات ويلحنها ويكتب حوارها ويؤديها، وسرعان ما ذاع سيطه وانتشر اسمه بين الملوك كأحد أفضل المؤديين للعروض وأصبح من المشهورين للدرجة التي أصبح له من الديوان الملكي راتب شهري إلى جانب الهبات والهدايا من الملوك.

كتب ابن دانيال العديد من المسرحيات، أو كما يطلق عليها في عالم خيال الظل (البابات)، ولكن في، ولم يتبق سوى ثلاث بابات أساسية حفرت في التاريخ وكانوا أكثرهم تأثيرا واحتفاظا بمكانتهم عبر الأزمنة وهم: (خيال الطيف) و(عجيب وغريب) و(المتيم والضائع اليتيم).

الثلاث بابات كن تجسيدا لواقع سياسي واجتماعي حقيقي عاشه ابن دانيال ولاحظه بنفسه وجسده بصورة ساخرة وخفيفة الظل في شكل عرض مسرحي، وعثر على بعضها بعد وفاته في مكتبة المؤرخ أحمد تيمور باشا وتوجد (عجيب وغريب) حاليا في دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة.

مع مرور الوقت بدأت تتلاشى عروض خيال الظل تدريجيا، ويعلل المؤرخون ذلك إلى اختراع الانجليز الصور المتحركة، الذي كان بداية دخول السينما إلى مصر، إذ أرخ أحمد تيمور باشا في كتابه “خيال الظل” سبب انحسار العروض وقلة العمل بها أنها “بسبب اختراع الإفرنج الصور المتحركة وكترة أماكن عرضها في مصر، فانكب الناس عليها وهجروا أماكن الخيال”.

ومن هنا يمكن حصر بدء اندثار تلك الثقافة بداية من عام 1897، وهو بدء العروض السينمائية في القاهرة والإسكندرية، وانشغل الناس بالنقلة الحضارية الحديثة والمبهرة لهم وأدى ذلك إلى انحسار خيال الظل إلى المناطق الشعبية والفقيرة قبل أن يندثر تمامًا وتلاشى ويصبح تراثًا قديمًا.

تاريخ الأراجوز

على الرغم من أن الأراجوز أشهر الدمي الشعبية في مصر على الإطلاق، كان من الصعب على المؤرخين تحديد فترة زمنية محددة، بدأ فيها فن الأراجوز في مصر، يرجع ذلك أولًا إلى قلة عدد الباحثين الذين أرخوا فن الأراجوز، كنوع من أنواع عروض فن الدمي، على عكس خيال الظل الذي كان محط انتباه الكثير من الدارسين والمؤرخين لما فيه من دراسة سيناريو وحوار، وكذلك لأنه ظهر بصور عديدة تطورت واختلفت على مدار العصور تباعا لكل زمن.

ويرى بعض المؤرخين مثل لطفي أحمد نصار أن فن الدمى انتشر بشدة في نفس الوقت الذي انتشر فيه فن خيال الظل، وكان عرضه يتزامن بصورة كبيرة مع خيال الظل، على الرغم من أن انتشاره في مصر كان قد سبق الآخر.

ويذكر الرحالة التركي أولياجيلي في أحد كتبه أنه رأى فنانين في القرن العاشر يلاطفون المرضى بدمى خشبية، ما كان يضحكهم ويرفه عنهم وهذا يحسن من حالتهم المرضية.

ولكن بصورة أساسية، كان فنا الأراجوز وخيال الظل يلازمان بعضهما ويسيران على نفس الدرب، في الانتشار والاندثار في الحقبة الزمنية.

يقول بعض المؤرخين إن أصل كلمة أراجوز جاءت من “قرقوز” وهو اسم الشخصية الرئيسية في خيال الظل التركي، ولكن هذا القول يفنده نبيل بهجت في كتابه الأراجوز المصري، مدللا على أن فن خيال الظل انتقل من مصر إلى تركيا وليس العكس، لذا فمن المستحيل أن يكون الأراجوز المصري قد تأثر بالشخصية التي تم تصديرها من نفس المكان بالصفة الأولى.

وذهب آخرون إلى أن الأراجوز هو تحريف لكلمة “قراقوش” نسبة إلى بهاء الدين قرقوش، وزير صلاح الدين الأيوبي وعرف عنه الظلم والغباء، وبما أن الأراجوز كان يستخدم لعكس الوضع السياسي والاجتماعي بصورة ساخرة، فقد استخدمه الناس في الأساس للتندر والسخرية من قراقوش، وأطلقوا على الدمية اسم مشتق منه، تهكما عليه وانتقاما منه بعد انتهاء عصره، واستعان نبيل بهجت في الدلالة على ذلك بقول صابر المصري، شيخ فناني الأراجوز بمصرالآن، في عروضه “انا الأراجوز ابن الملك قراقوش”.

في النهاية، يبقى لفنيّ الأراجوز وخيال الظل قيمة فريدة في تاريخ الثقافة الفنية المصرية، التي يسعى بعض الفنانين لإحيائهما مرة أخرى والتمسك بهما قبل أن يندثرا.


 

المصادر:

خيال الظل واللعب والتماثيل المصورة عند العرب، أحمد تيمور باشا- دار الكتاب العربي.

خيال الظل وتماثيل ابن دانيال، دراسة وتحقيق إبراهيم حمادة.

وسائل الترفيه في عصر سلاطين المماليك في مصر، لطفي أحمد نصار- الهيئة المصرية العامة للكتب، 1999.

الأراجوز المصري، جمع وتوثيق ودراسة نبيل بهجت، تقديم أحمد مرسي.

أولياجيلي: سياحتنامة مصر، ترجمة أحمد فؤاد متولي، دار الكتاب العربي 2005

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر