معبد فيلة.. بين أسطورة إيزيس وحكاية أنس الوجود
معبد إيزيس هو المعبد الرئيسي في مجموعة معابد فيلة بأسوان، والأخير اشتق اسمه من كلمة فيلو اليونانية، التي تعني المحب أو الحب، في إشارة إلى أن المعبد كرس لتخليد ذكرى حب الزوجة المخلصة لزوجها الذي غدر به أخوه ست، إله الشر.
هذه الأسطورة القديمة كانت مصدر إلهام قصص أخرى أعادت نسج أحداث الأسطورة في عصور لاحقة، ومنها الحكاية الشهيرة من حكايات ألف ليلة وليلة عن أنس الوجود ومحبوبته ورد، والطريف أن أحداث القصة دارت في جزيرة فيلة أيضًا، نفس الجزيرة التي خلدت قصة عشق إيزيس وأوزوريس.
معبد فيلة
المعبد يقع على بعد نحو 4 كيلو مترات جنوبي أسوان، وقد اتخذه الإغريق والرومان مركزا لعبادة إيزيس وربطوا بينها وبين معبودات الحب في دياناتهم: أفروديت وفينوس.
وبحسب ما يذكره المؤرخ اليوناني بلوتارخ (45- 125م) في مدوناته عن أسطورة إيزيس، فإن إيزيس وجدت قلب زوجها أوزوريس في الجزيرة المجاورة لفيلة وتعرف باسم جزيرة بيجا، وأقامت لزوجها في تلك الجزيرة مقبرة رمزية اعتادت زيارتها يوميا.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المباني الحالية نقلت من جزيرتها الأصلية (فيلة) إلى جزيرة (أجيلكا) المجاورة للجزيرة الأصلية في الفترة ما بين 1972 و1982، خلال مشروع ضخم تبنته منظمة اليونسكو لإنقاذ آثار فيلة من مياه الفيضان، أما جزيرة فيلة الأصلية فقد غرقت تماما في مياه النيل .
يتكون المعبد من عدة معابد أخرى أهمها وأكبرها معبد إيزيس، الذي يتوسط المجموعة المعمارية ويحيط به عدد من المعابد الأصغر أو المقصورات، مثل مقصورة نقتانبو، لتي تقع عند مدخل الجزيرة في الركن الجنوبي الغربي وترجع إلى عصر الأسرة الثلاثين.
ويتكون معبد إيزيس من البوابة التي تتوسط الصرح الأول، وفي نهايته درجات سلم تؤدي إلى الصرح الثاني الأصغر حجما ويقع ما بين الصرحين حجرة الولادة أو الماميزي، التي تحتوي على نقوش تحكي قصة هرب إيزيس إلى أحراش الدلتا لولادة حورس، ومناظر تظهر فيها وهي ترضع حورس.
قبل بلوغ قدس الأقداس يوجد صالتين، استخدمت الأولى ككنيسة، ويحتوى قدس الأقداس على رسوم مؤثرة تجمع بين إيزيس وأوزوريس مثل المنظر الذي تفرد فيه إيزيس جناحيها خلف أوزوريس قائلة “سأحتضن جمالك”.
قصر أنس الوجود
أما حكاية أنس الوجود، التي وردت في حكايات ألف ليلة وليلة، فتعد هي أكثر القصص تأثرا بأسطورة عشق إيزيس وأوزوريس، حتى أن الاسم الشائع للمعبد في العصور العربية أصبح قصر أنس الوجود، والسبب في ذلك أن لقصة استخدمت معبد فيلة مسرحا للأحداث.
لحكاية قصتها شهرزاد على مسامع شهريار على مدار 11 ليلة، بدءا من الليلة الأربعمائة، وتحكي عن ابنة الوزير “الورد في الأكمام”، التي وقعت في حب أحد الجنود أنس الوجود وقالت فيه شعرا:
ما خاب من سماك أنس الوجود / يا جامعًا ما بين أنس الوجود
يا طلعة البدر الذي وجـهـه / قد نور الكون وعم الـوجـود
ويتبادل العاشقان الرسائل الناطقة بلسان المحبين، لكن يكتشف الوزير الأمر ويواجه ابنته، التي تصر على الزواج من حبيبها أنس الوجود، فما كان من الأب إلا أن أرسل ابنته في صحبة وصيفاتها كسجينة في جزيرة فيلة، التي كانت محاطة بالتماسيح في ذلك الوقت، حتى لا ترى حبيبها.
عندما يعلم أنس الوجود بالأمر يخرج هائما على وجهه باحثا عن حبيبته في كل مكان ويخاطب الوحوش والطير سائلا عن مكانها، وتقول الحكاية أن الفتى في رحلته صادف العديد من الأهوال واستطاع بصدق حبه أن ينتصر عليها، ليجد نفسه أخيرا أمام الجزيرة التي حبست فيها ورد.
تزداد خيبته أنس الوجود حين يكتشف أن الجزيرة محاطة بالتماسيح الشرسة، ويظل أياما يغني ويبكي محبوبته حتى آنست له التماسيح وأشفقت عليه وجاء كبيرهم “سوبيك” وسمح له أن يمتطي ظهره ليعبر إلى المعبد ليرى محبوبته السجينة، ويتصادف أن الوزير جاء لرؤية ابنته، فيرى بعينيه الوحوش تبارك الحب الطاهر بين الحبيبين فيبكي الوزير إشفاقا على الحبيبين ويبارك الزواج.
وفي نهاية القصة ينشد أنس الوجود قائلا :
أتى يوم الشرور مع التهانـي / وجاء الحب من صدوفـانـي
فآنسني بطيب الوصل مـنـه / ونادمني بألطاف المعـانـي
وأسقاني شراب الأنس حتـى / ذهلت عن الوجود بما سقاني
ويرى المرشد السياحي محمد كرمي أن الارتباط بين أسطورة إيزيس وحكاية أنس الوجود يظهر واضحا في المناظر التي نقشت على بوابة هادريان، لتي تصور أوزوريس داخل قرص الشمس فوق ظهر التمساح يعبر إلى العالم الأخر.
ويوضح أن التمساح كان يعد أحد رموز الشر، الذي روضه أوزوريس، معبود الخير، في تشابه واضح مع قصة أنس الوجود، كما نلاحظ رمزية قصة أنس الوجود، التي اعتبرت أن سجن ورد ابنة الوزير في فيلة يمثل قهرا لعاطفة نبيلة، إلى أن انتصرت في النهاية برضوخ الوزير ومباركته الزواج، فكأن القصة تعيد إنتاج الأسطورة في ثوبها الشرقي.
ويرى صلاح عبد الحميد، مرشد سياحي، أن المعبد يمثل خلود العلاقة بين إيزيس وزوجها لأنه حسب الأسطورة، فقد أقامت إيزيس مقبرة لزوجها في جزيرة بيجا المجاورة لفيلة، واعتادت زيارتها.
وتعتقد سلوى شحاتة، مرشدة سياحية، أن المنظر الذي يصور أوزوريس فوق ظهر التمساح هو جزء من الأسطورة، التي ترمز إلى تحول قوى الشر المتمثلة في التمساح لإنقاذ جسد أوزوريس من التحلل، بعد أن ألقاه ست في النيل، وهي إزدواجية معروفة في اللاهوت المصري، إذ تلعب آلهة الشر أحيانا أدوارا ذات طبيعة خيّرة .
الدكتور وائل سليمان، أستاذ مساعد الآثار اليونانية بكلية السياحة والفنادق بالمنيا، يقول إن أسطورة إيزيس وأوزوريس لها تأثير كبير في حكايات ألف ليلة، بسبب ارتباط الحكاية بالمكان وهو معبد إيزيس بفيلة، الذي اعتبر رمزًا للحب، لكن من الصعب علميا ربط أي منها ببعض وإثبات أن الأسطورة هي أساس كل تلك الحكايات.
اعتمدنا على المراجع الآتية:
- محمد أبورحمة، حواديت مصرية (النصوص الأصلية للأساطير الفرعونية)- حابي للنشر والتوزيع 2005.
- رندل كلارك، الرمز والأسطورة في مصر القديمة، ترجمة أحمد صليحة، مطابع الهيئة العامة للكتاب.
- أ.د عنايات محمد، الآثار اليونانية الرومانية، كلية السياحة والفنادق.
- حكايات الف ليلية وليلة- الجزء الثالث، نسخة pdf.