لوحات الفيوم.. وجوه مصرية أسست “فن البورتريه”
بفرشاة مصنوعة من ألياف النخيل صورت لوحات الموتى على لوحاتهم، ليظهر في مصر أول فن تصويري واقعي للوجه “البورتريه”، فيما يعرف بـ”بورتريهات الفيوم”.
“بورتريهات الفيوم” هو الاسم الحديث لمجموعة من اللوحات التي صورت على خشب ووضعت على المومياوات في مصر أثناء العصر الروماني.
بعض الباحثين أرجع فكرة البورتريه إلى أنه جاء تطورًا لما كان يفعله المصريون من وضع قناع على المومياء لتتعرف عليها الروح، ثم تطور الأمر إلى “البورتريه”، في العصر الروماني.
كان أصحاب تلك الصور “البورتريهات” ليسوا من ذوي النفوذ السياسي، الدليل على ذلك أن بعض اللوحات التي عُثر عليها في الفيوم بأسماء أصحابها، مثل هيرون بن أمونيوس، مدرس الفلسفة، وهرميوني، مدرس، وديمتريوس، حائك ملابس، وغيرهم.
أكثر تلك الصور وجدت في منطقة هوارة بالفيوم، إذ عثر على أكثر من 900 بورتريه، فى فترة حكم الرومان فى مصر، ويطلق عليها أيضا لوحات الفيوم أو مومياوات الفيوم.
تكنيك الرسم
الدكتور عزت زكي حامد قادوس، في كتابه “بورتريهات الفيوم” يقول كانت البورتريهات تلون بفرشاة مصنوعة من ألياف النخيل، لإضافة وتوزيع الألوان على الخلفية والشعر، وساعد الجو الدافئ في مصر على توزيع الألوان على الخلفية والثياب والشعر على توزيع الشمع على هيئة طبقة رقيقة ومتساوية على خلفية الرسم.
يتابع أن ذلك يظهر في بورترية لسيدة من هوارة، إذ يظهر في الجزء السفلي آثار الفرشاة لتوزيع اللون القرمزي على الثياب، كما تظهر علامة الألياف المتفرقة لفرشاة مفلطحة على اللوح الخشبي.
كانت الأصباغ أو المواد الملونة المستعملة في تشكيل هذه الصور متوفرة، إما فى صورة مواد ترابية “معادن طبيعية متداخلة” أو مواد مستخرجة من النباتات مثل نبات الفوة، الذي كان يستخرج منه اللون الأحمر ثم يخلط بالطباشيرأو الجبس.
رسامو البورتريهات
يضيف قادوس في كتابه: يرى الأثريون أن راسمي لوحات الفيوم هم فنانون مصريون استعملوا في رسمها قواعد المدرسة الإغريقية الفنية، التي هيمنت على فنون الشرق، كما اتسمت وجوه الفيوم بالإطار الفرعوني والأصول الفنية المصرية القديمة.
الدكتور وليد خليل، أستاذ الآثار الإسلامية المساعد بجامعة الفيوم، يقول إن “بورتريهات الفيوم” كانت بداية لانطلاق فنون أخرى انتشرت في العالم، مثل فن الأيقونات إبان الفترة القبطية في مصر، كما أن الرسومات اتسمت بالواقعية مع لمسة حزن على تلك الوجوه.
يضيف خليل أن الأثريين يقرأون بورتريهات الفيوم بوصفها وجوه تتطلع إلى الحياة الأبدية، من خلال التقاء نظرة الأعين بين المشاهد وصاحب البورتريه، تلك النظرة التي تعطي إيحاءً كما لو كانت هناك منطقة وسط بين الحياة والموت يعيشها صاحب البورتريه.
كيف رُسمت؟
الفنان التشكيلي محمد عبلة، يصف بورتريهات الفيوم بأنها حالة متفردة في تاريخ الفن الإنساني، إذ كان الأحياء يطلبون رسمها لتلصق على توابيتهم بعد الموت، وكانت ترسم على خشب أو قماش ملصق على خشب أو خشب به طبقة من الجص.
والجص هو نوع من الجبس الطبيعي، وهو من الخامات المتوفرة بكثرة في الأرض، وأكثر معدن كبريتي منتشر في الطبيعة في شكليه المعدني أو الصخر الرسوبي.
كما استخدمت في اللوحات مادة الشمع العسلي، الذي يضاف إليه بعض الزيوت النباتية والأكاسيد الملونة من الأحجار والمعادن، في وقت سخونة الشمع لتثبيت الألوان.
ويشير عبلة إلى أن بورتريهات الفيوم كانت تعتمد على طريقيتن للرسم، الأولى الرسم على الخشب بألوان وصبغات مخلوطة بالغراء، والنوع الثاني بصبغات مخلوطة بالشمع الساخن .
عبلة أجرى تجربة للتعريف ببورتريهات الفيوم قبل ذلك، يقول نظمت أكثر من ورشة عمل خلال السنوات الماضية في قرية تونس، عن طريقة رسم بورتريهات الفيوم، حاضر في الورشة الفنان الإنجليزي جون كارول، وهو فنان من المتخصصين في تكنيكات الفن التشكيلي، وكان الهدف من الورشة معرفة كيف رسم الفنان المصرى القديم بورتريهات الفيوم، وخلال الورش رسمنا 35 بورتريه.
1000 بورتريه
أما حمد عبد العال، مدير عام هيئة الآثار بالفيوم، يقول يوجد نحو ألف بورتريه موزعون في متاحف العالم، منهم 29 فقط في المتحف المصرى تحت اسم بورتريهات الفيوم.
ومن الأماكن التى اكتشفت البورتريهات فيها هوارة بمركز الفيوم، ومنطقة الروبيات بطامية، على يد العالم الإنجليزي وليم فلندرز بتري عام 1888.
يضيف عبدالعال لم تكن أماكن الاكتشاف محصورة فى منطقة الفيوم فقد عثر عليها فى مناطق مختلفة من سقارة وحتى أسوان في أقصى الجنوب، لكن أكثرها عثر عليه في الفيوم، من أجل أطلق عليها “بورتريهات الفيوم”.
تعليق واحد