“الخيامية”.. تعيد روحانيات الماضي في نجع حمادي
كتب- أيمن الوكيل، مريم الرميحي:
“أقمشة خيامية وكليمات محلية الصنع وشلت للجلوس أرضًا، تفترش خيمة، تعتمد على سيقان من الجريد لتنتصب”، هكذا هي الأجواء بخيمة أو خيامية رمضان بمدينة نجع حمادي، شمالي قنا.
هذه الأجواء تجذبك منذ الوهلة الأولى، رغم صعوبة العثور عليها في البداية، فلم نتوقع توفر مكان بهذه الخصوصية والصبغة بالمدينة، يجمع بين طياته أجواء الماضي البعيد من الجلسات الرمضانية بين الأهل والجيران بعد الإفطار أمام المنازل بالقرى والنجوع.
وسط تناول الحلوى وتبادل الضحكات وحكايات السَمر، التي قد يتخللها بعض المديح النبوي وتارة أخرى الولوج إلى أغان من الفلكولور الشعبي الصعيدي شديد الخصوصية.
لم تغفل تلك الخيمة اللمسات العصرية فأكثر روادها شباب تختلف أعمارهم وثقافاتهم، فضلًا عن الأسر التي تحبذ المكان لما له من خصوصية، رغم العادات والتقاليد المحافظة، التي تعتبر من جلوس السيدات أو الأسر في أماكن خارج المنزل أمر غير مرغوب فيه.
يختلف مفهوم الخيامية في نجع حمادي أو في الصعيد بشكل عام عن مفهومها، وحتى مظهرها ومضمونها، عما هي عليه في القاهرة، ففي نجع حمادي الخيامية تتلخص في جلسات الأهل والصحبة بين الرجال، التي تعج بالحكايات وبعض ألوان المديح النبوي، فضلًا عن تلاوة القرآن الكريم، وبعض الشعراء من كبار السن، وأكثرهم أميين، يتجمعون في إحدى المنادر (مبنى واسع مخصص لإقامة مناسبات العائلة من أفراح وأحزان) هذه التجمعات تكون دون إقامة خيمة كما هو معروف لدى سكان القاهرة، بل قد تكون أحيانا في القري مكان مصنوع من البوص والحبال الليف وجذوع النخيل.
رجل في عقده الأربعين، ينشغل بالترحيب بالقادمين للخيمة هنا وهناك من بين رجال سياسة وكتاب وشعراء وشباب جامعات، محمود جاد الرب السمبسي، ابن قرية السلامنة بمركز والوقف، يقيم بنجع حمادي منذ عشرات السنين، أحد ملاك الخيمة يروي: بعد عودتي من سنوات غربة بإحدي دول الخليج، وجدت اختلافات كثيرة في أساليب وطرق حياة الناس بعض العادات التي انقرضت وغيرها أوشك على الانقراض رغم أنها حسنة بل ومن أكثر الأشياء التي تميزنا.
يتابع من هنا فكرت أنا وزملائي في إنشاء خيمة رمضانية تجمع الشباب في رمضان، وتعيد إليهم روح وأجواء الماضي، إذ كان أجدادنا يجلسون على “مصاطب” وكليمات ومقاعد من الجريد.
ويضيف اندهشت حقًا عندما وجدت الاستجابة من جميع الأعمار والأسر، ما يدل على أن الجميع يشتاق للماضي، ويحن للألفة والصحبة كما كانت قديما.
وتعمدت عمل ديكورات الخيمة بخامات طبيعية ومن بيئتنا الزراعية والصعيدية، مثل جريد النخل وأقمشة وكليمات وشلت وجذوع النخل.
ويقول جروج فيفيان، طالب بكلية الصيدلة، أحد المترددين على الخيمة، رغم أني مسيحي، إلا أني أحب الخيمة وأجوائها فهي تجمعه وأصدقاءه.
ويضيف رمضان يبرز وحدتنا ويحيي جلسات الصحبة، وأماكن كهذه تشجعنا علي إبراز كل ما هو جميل فينا.
أما فادي محمد، احدالمترددين علي الخيمة، يفضل الجلوس في الخيمة لما فيها من أجواء خاصة، وتبدأ جلساتهم بعد الإفطار وحتى الخامسة أو السادسة صباحًا، كما أن باقي الأيام تختلف عن رمضان، فالسهر في شهر الصيام يحلو.
يستئنف جاد الرب أنه يهتم بالمزج الثقافي فهو مقبل علي التعاون مع قصر الثقافة وبعض الشعراء، لتنظيم أمسيات بشكل دوري في الخيمة، في ليالي رمضان لتكتمل تلك الأجواء التي تجمع بين أغلب الفئات العمرية، فضلًا عن اهتمامه بوجود أسر تحضر لتلك الأجواء المميزة بالخيمة على حد تعبيره، دون خشية بعض العادات والتقاليد التي ترى جلوس الأسر أو السيدات بشكل خاص خارج المنزل شيء غير مألوف.
بينما يرى عاطف قناوي، باحث، مسؤول الوعي الأثري بمنطقة آثار نجع حمادي للآثار الإسلامية والقبطية، أن الخيامية تعود إلي العصر الفاطمي الذي كان يعج بمظاهر الاحتفال بالشهر الفضيل بإقامة الأمسيات الدينية والثقافية في قاهرة المعز، إلا أن التطور والحداثة ألقت بظلالها على نوعية السهرات والأمسيات التي أصبحت تقام في النوادي والمراكز الثقافية المختلفة.
ويضيف قناوي أن الصعيد بأصالته وعراقته ما زال محتفظًا بطراز الخيامية، التي تصنع من مفردات وأدوات بيئته المحلية، والتي تمتاز بالصناعات اليدوية مثل المفروشات والمشغولات الخشبية وقطع الأثاث المصنوعة من سعف النخيل، ما يكسبها خصوصية فريدة تميزها عن مثيلاتها في العاصمة.
2 تعليقات