فيديو| زيارة إلى مكتبة مجهولة في أسيوط
عدد كبير من المخطوطات المجهولة، أعداد أولى لصحف ومجلات مصرية وعربية وعملات مصرية يتخطى عمرها نحو 170 عاما، كل هذا جمعه الشيخ العقر داخل مكتبة خصصها بمنزله بمدينة أبنوب التابعة لمحافظة أسيوط، وكتب عليها “مكتبة المرحوم الشيخ فتحي محمد سليمان العقر – دينية ثقافية علمية”، معلنا استمرارها حتى بعد وفاته.
الشيخ العقر
المكتبة بسيطة، فهي غرفة تتكون من بضع دواليب خشبية أو معدنية تحمل كتبا عبرت إلينا منذ مئات السنين، وأعدادا لصحف ومجلات مصرية وعربية، جميعها العدد الأول لهذه الإصدارات، وعملات مصرية منذ نحو 170 عاما، وبها مئات الكتب يغطيها التراب، تعلوها شهادات تقدير من جهات عدة، وأرضية هي أيضا من نفس الخامة التي غمرت مئات الكتب، ومكتب بسيط عليه جهاز حاسب آلي.
وبجوار المكتب وبجانب مدخل المكتبة، تقع ركنة يضع بها الشيخ عمامته وكافولاته الأزهرية، تعلوها سندرة من الخرسانة المسلحة، عليها عدد لا حصر له من الكتب والمجلات، وتخرج من بين هذه الكتب أصوات فئران وجدت بين الكتب وفي المكتبة مرتعا لها ولجيش من أقرانها، يقول عنها الشيخ إنه في حرب خاسرة مع هذه القوارض، فهو بلغ من الكبر عتيا ولا يستطيع تتبعها، إلا بمصيدة قال “إنهم يخبرون بعضهم بمكانها”.
بداية التأسيس
يجلس الشيخ فتحي العقر على مكتبة البسيط، وبين كتبه، وتملا عيناه الفخر والحزن معا، الفخر لهذا الكم الهائل من الكتب المختلفة من شتى المجالات، والحزن من غمرها بالتراب وهجوم القوارض عليها ليل ونهار، مما يعرض هذا الكنز من الكتب للتلف.
يحرك عينيه اللتان أرهقتهما كثرة القراءة والإطلاع، ويقول: “عمر المكتبة هو عمري، أسستها من كل أموالي، فعندما كنت طالبا بمعهد الملك فؤاد الأول الديني بأسيوط، كان “رياض الصالحين” أول كتاب اقتنيته بتوجيه من الشيخ عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر آنذاك، عندما كان في زيارة لأسيوط، وكان يملينا أبرز الكتب التي يمكن للطالب الأزهري أن يمتلكها”.
يتذكر الشيخ العقر قصة شراء هذا الكتاب ويقول: “كان مصروفي الأسبوعي 50 قرشا، أنا وراجع من لقاء شيخ الأزهر، وكنت حينها طالب بالصف الأول الإعدادي الأزهري، وجدت رجلا يبيع الكتب، وكان سعر رياض الصالحين للإمام النووي، بـ50 قرشا، فاشتريته وكان اللبنة الأولي للمكتبة”.
يضيف الشيخ، بعد شراء هذه المجموعة من الكتب، أصبح حب شراء الكتب يجري في دمي، ويتذكر، ” لما كان يتعمل معرض الكتب في عيد أسيوط القومي كنت بخاف أدخل، لأني كل الفلوس اللي في جيبي هتروح في شراء الكتب”.
فهرسة المكتبة
تحوي مكتبة الشيخ العقر على عدد لا حصر له من الكتب، يقول عنها الشيخ: “عملت فهرسة لكل الكتب الموجودة منها الفهارس العامة والفهارس الخاصة، لتشمل الفقه والتفسير منها على سبيل المثال تفسير الأمام القرطبي نحو 20 مجلدا، وكتب الحديث، والفرعونيات والأدب والقصة والشعر والنقد، والمعاجم الأجنبية والعربية، والكتب الطبية، وكل ما أصدرته مكتبة الأسرة”.
وتابع: كما تشمل المكتبة كل أعداد مجلة الأزهر ، حوليات كليات جامعة الأزهر بأسيوط، وسلسلة عالم المعرفة الكويتية، وسلسلة كتب قضايا إسلامية، وكتب تاريخ ومقارنة أديان، وبخلاف ما كنت أشتريه من كتب، آلت لي بعض الكتب من مكتبة العالم الجليل، خال جدي لأبي، الشيخ أحمد محمد إسماعيل الأمير، وكان قد أهداها لي ابنه، قائلا: “هذه الكتب حسنة جارية على روح والدي، لكونك إمام وخطيب، فستقرأ وتنقل للناس العلم”.
ويحب الشيخ العقر اقتناء العدد الأول من إصدارات الصحف والمجلات، حيث بلغ عدد هذه الأعداد على حسب فهرسته 425 عددا أوليا من الصحف، ضمنها عدد جريدة الأهرام الصادر في يوم السبت 5 أغسطس عام 1876، ويتضمن فهرسة العدد الأول للصحف بالمكتبة، نسخة من العدد وتاريخ ويوم صدوره ورئيس تحريره.
العملات المصرية
تحوى مكتبة العقر أيضا نماذج حقيقية لعملات مصرية قديمة تعود لعام 1277 هجرية، يقول إنه وجدها في “طاقة قديمة”، لجدته، وهو استكمل تجميع العملات القديمة منها “السحتوت والمليم”، وصولا للعملات الحديثة المعدنية والورقية فئة الـ200 جنيه، وضمنها عملات معدنية تؤرخ للإنجازات في العصر الحديث، كقناة السويس وقناطر أسيوط الجديدة ومحطات الطاقة الشمسية وغيرها.
وتعمد الشيخ العقر، تأخير ذكر أن المكتبة تحوي عدد من مؤلفاته في مجال الفتوى الدينية، والشعر العامي الذي يتميز به كعضو بنادي أدب أبنوب، ورابطة الأدب الإسلامي العالمية، وكذلك مؤلفات أدباء وشعراء أبنوب وأسيوط، وإهداءات من رؤساء تحرير صحف مختلفة، ودروع وأوسمة وشهادات تقدير.
“لو كانوا الأعداء بشرا لقومتهم”، هكذا يصف الشيخ، الفئران التي تهاجم المكتبة وتعرض بعض الكتب فيها للتلف، ويكمل “الكتب خسارة، يا يموت على الكتب يا يولد على الكتب، وفي النهاية كله تلف يتعرض لها الكتب”.
وعن علاقته بالمكتبة، يقول العقر: “المكتبة روحي وحياتي ومرجعي العلمي، كنت منها أحضر لخطبة الجمعة، أو الأبحاث، كل الكتب أعرفهم جميعا كأولادي، عند دخولي للمكتبة ألقي السلام على الكتب، وكأني أسمعهم يردون عليا السلام، وتعمدت وضع المكتبة في منزلي بسبب ما أراه من إهمال في المكتبات العامة، سواء القائمين عليها أو من المترددين”.
مصير المكتبة
يختتم الشيخ حديثه قائلا: “سأكتب وصية واضحة أن تكون المكتبة للورثة، على أن يكون هذا الإرث والثروة التي أنفقتها على هذه الكتب لمن يستحقون من أحفادي”.
وتمني الشيخ أن يتولى تطوير المكتبة المحبون للعلم والتراث، على أن تصبح المكتبة على أفضل ما يكون بعد أن يتم تطويرها بالأدوات الحديثة من الألوميتال والأرفف التي تحافظ على روحي بعد وفاتي، لأن هذه المكتبة هي أنا، وأن تظل في بيتي وتحمل اسمي.
تعليق واحد