سينمات القاهرة.. المقاومة مستمرة
ما بين دور عرض أفلام الأبيض والأسود وسينمات العصر الحالي، تاريخ طويل من الفن أرسى قواعد السينما في مصر، التي أوشكت على الاختفاء، بسبب ما طرأ عليها من غلق أو تجديد أو هدم وهو ما وثقته أرقام الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وكانت سينما “سانتي” أول دار عرض تم افتتاحه في مصر.
العرض الأول
تحدث سعد الدين توفيق، في دراسته النقدية “قصة السينما في مصر”، عن أول عرض سينمائي في مصر، فقال: “مصر كانت من أول بلاد العالم التي عرفت السينما، وأول عرض سينمائي تجاري في العالم كان في 28 ديسمبر 1895 في الصالون الهندي بالمقهي جران كافية في شارع كابوسين بباريس، وبعد أسبوع واحد عرض في أول يناير 1896 كأول عرض سينمائي في مصر، في مقهى زواني بالإسكندرية، وبعد عدة أيام كان أول عرض سينمائي في القاهرة بسينما سانتي، التي كانت عبارة عن حمام سباحة يطلق عليه حمام شنيدر، ويقع بأحد العمارات بحوار حديقة الأزبكية”.
سينما سانتي
يقول أحمد شفيق باشا، في كتابه “مذكراتي في نصف قرن”، عن افتتاح سينما “سانتي” وهي أول دار سينما في مصر: “افتتحت لأول مرة في مصر دار للسينما في “حمام شنيدر” بالقرب من فندق شيردقي مساء 28 يناير عام 1895، وعرضت في تلك الليلة بعض مناظر لا بأس بها، وأطلق عليها اسم الفوتوغراف المتحرك من اختراع المسيو لوميير من ليون”.
وتابع: هذا المكان كان أول دار للسينما في مصر، ويقع الآن في حي عماد الدين مكان دار سينما “أوديون” المخصصة لعرض الأفلام الفرنسية في شارع “حمامات العوم” خلف عمارات الخديوي، وشهدت هذه الدار تقلبات غريبة، فقد تحولت أكثر من مرة من دار للسينما إلى مسرح تارة، والى “كباريه” تارة أخرى، وعملت فيها أشهر الفرق الاستعراضية والمسرحية من شرقية وغريبة وكانت في كل مرة توصد أبوابها، ثم تعود إلى ما كانت عليه كدار للسينما، كما تغير اسمها عدة مرات فكانت مرة دار “الفوتوغراف المتحرك”، ومرة “سينما الشعب”، ومرة مسرح “ريجال”، وأخيرا سينما “أوديون”.
سينما صامتة
تقول الكاتبة أمل عريان في فؤاد، في كتاب “سلطة السينما.. سلطة الرقابة”، إنه بعد نجاح أول دار عرض، قرر رجال الأعمال استثمار ذلك واستيراد أفلام أجنبية، بالإضافة إلى بناء بعض دور العرض، إلا أن الوضع لم يستمر طويلًا، وبدأ الجمهور يمل من هذه المشاهد، مما جعل أحد رجال الأعمال يفكر في استيراد كاميرا وجلب مصور لتصوير مشاهد محلية، وحدث بالفعل ذلك وفي عام 1912 تم عرض مشاهد محلية تسجيلية منها، مشاهد لميدان الأوبرا، والسياح على ظهور الجمال بالأهرام، وعودة الخديوي إلى الإسكندرية، إلا أن تلك المشاهد المصرية الصامتة التي تشرح بكتابة باللغة الإنجليزية لم تدم طويلًا مع المصريين، خاصة في ظل غزو الإنتاج الأوروبي والأمريكي للأفلام الدرامية الطويلة.
سينما أوليمبيا
اشترى “ميسو باردي”، أحد الأجانب، مسرحًا واستطاع تحويله إلى دار سينما “أوليمبيا” ووضع شاشة جانبية صغيرة بجوار الشاشة الكبيرة ليعرض عليها بواسطة فانون سحري، مقدمة الفيلم والترجمة باللغة العربية، حيث كانت تكتب على رقائق من السليولوز، ثم يرتبها عامل مختص، ويتم عرضها على الشاشة الصغيرة في الوقت الذي يتم فيها التعليق الأجنبي المرافق على الشاشة الكبيرة.
كانت لهذه الفكرة أثر عظيم في فن السينما خلال هذه الفترة، فنتيجة لاجتذابها عدد كبير من المشاهدين، أدى ذلك إلى زيادة دور العرض في مصر حتى أن وصل عددها في عام 1917 نحو ثمانين دارًا.
سينما الملك
جاء في مقال السيد حسن جمعة، الذي نشر في مجلة الهلال عام 1930، أنه عرفت هذه السينما باسم سينما فاروق، وافتتحها الملك فاروق بنفسه، وفي عهد الرئيس عبدالناصر تغير اسمها إلى “سينما الحرية”، ثم بني مكانها “الحرية مول”، الذي شغلت السينما طابقه الأخير، وكانت المرة الأولى في مصر التي يتم فيها إنشاء سينما في طابق علوي، وكان الملك أحمد فؤاد الأول، لا يحرم ولي العهد الأمير فاروق والأميرات شقيقاته من التمتع بمشاهدة أشرطة السينما، فسعى إلى تثقيفهم عن طريق السينما، وأمر بإحضار أشرطة تعليمية لا يصرح بعرض غيرها عليهم، نظرًا لما في الأشرطة الأخرى من مواقف لا يصح أن يراها من كان في طور الطفولة.
كما تذكر الدكتورة صفاء النجار، في مقال لها نشر بمجلة الثقافة الجديدة، أنه بعدما تولى الملك فاروق، وجه بعض اهتمامه إلى السينما المصرية، وكان فيلم “غرام وانتقام” إنتاج عام 1944، والذي عرض في 10 ديسمبر 1944، هو أول الأفلام المصرية التي حظيت بحضور الملك في أول حفلات عرضه.
سينما ديانا
يقول مصطفى كمال، الباحث في التراث، إن سينما ديانا عند إنشائها عام 1932، كانت واحدة من أفخم و أكبر سينمات القاهرة بقاعتها العملاقة التي تتسع إلى 1500 فرد، وكان يطلق عليها في ذلك الوقت ديانا بالاس، وصممها المعماري الإيطالي جاستون روسي، وفي عام 1952م تضررت أثناء حريق القاهرة، قبل أن يعاد افتتاحها عام 1960 باسم سينما ديانا، و الآن تحولت إلى إحدى سينمات الدرجة الثانية، وتقع عند تقاطع شارعي الألفي و بستان الدكة بمنطقة الأزبكية بوسط البلد.
سينما ميامي
دشنها اللبناني “عدنان بن عطانى” في خمسينيات القرن الماضي، وعندما قرر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر تأميم مؤسسات الدولة، ذهبت ملكية سينما “ميامي”، وسينما “الشرق” الموجودة بحي السيدة زينب، وسينما “بيجال” التي كانت ملك عدنان، إلى وزارة الثقافة وشركة القاهرة للتوزيع السينمائي.
سينما ريفولي
سجلت كتراث معماري مميز عام 2010، وكانت من أعظم سينمات وسط البلد، تم افتتاحها في عام 1950، ولكن التهمتها النيران مرتين، الأولى في حريق القاهرة عام 1952، والثانية عام 2008.
علق الناقد طارق الشناوي، حينها على حريق سينما ريفولي، خلال أحد البرامج التليفزيونية، وقال: “هذه السينما تمثل تاريخ القاهرة الذي تم توثيقه عبر الأفلام الروائية، وأن القاهرة فقدت كثيرًا من ملامحها، هذه السينما حرقت مرة قبل ذلك في 26 يناير 1952″، وذكر أن هذه السينما شهدت أعمالًا فنية للكثير من الفنانين أمثال أم كلثوم، عبدالحليم حافظ، وحضر داخلها عددًا كبيرًا من الرؤساء والقيادات.
سينما راديو
قال كريم شافعي، رئيس شركة الإسماعيلية، خلال لقاء صحفي، إنها بنيت في أواخر الثلاثينيات وافتتحت في 1940، وجاء تصميمها كنموذج مصغر على راديو سيتي، بنيويورك، استلمتها شركة الإسماعيلية عام 2009، ليتم تجديدها بعد أن كانت مغلقة قرابة الـ10 أعوام، لتقام فيها العديد من الأنشطة منها، مهرجان وسط البلد للفنون المعاصرة، الذي قدم حوالي 8 حفلات موسيقية بسينما راديو.
السينما بأرقام
أوضح كتاب “سلطة السينما.. سلطة الرقابة”، أنه في عام 1949، بلغ عدد دور العرض السينمائي في مصر 244 دارا، وفي منتصف الخمسينيات وأوائل ستينيات القرن الماضي، ارتفع العدد إلى 355، حيث أصبح فصيل اجتماعي كبير من أبناء مدن المحافظات وبعض قراها من رواد ومشاهدي السينما.
أما أول حصر حقيقي لعدد دور السينما في مصر كان من خلال الجهاز القومي للتعبئة الإحصاء في نشرة الإحصاءات الثقافية للمسرح والسينما لعامي 1967 و1968، إذ بلغت دور العرض السينمائي في مصر نحو 260 دارا، منهم 80 سينما في القاهرة، و37 في الإسكندرية، و17 سينما في الغربية، و13 سينما في قنا، و12 في الدقهلية، ولكل من بورسعيد والشرقية والجيزة القليوبية والجيزة والمنيا 9 سينمات، وللبحيرة وبني سويف 7 سينمات، والسويس والإسماعيلية وأسيوط لكل منهما 6 سينمات، و5 سينمات لكل من المنوفية وسوهاج ودمياط وأسوان، وفي الفيوم اثنين ومثلهما في كفر الشيخ.
اقرأ أيضا
النصر بفرشوط.. سينما الوحدة الوطنية
السينما في نجع حمادي: لا شىء يدوم
السينما في بني سويف: مقالب قمامة تسكنها الخفافيش
سينمات عروس البحر المتوسط: إسكندرية ليه؟
السينمات في الفيوم.. أطلال وأنقاض وذكريات
فيديو| سينما بورسعيد: وتحولت دور العرض إلى أبراج.. وجراجات
سينمات أسيوط.. التاريخ وحده لا يكفى
ملف| الشاشة الساحرة غائبة فى أقاليم مصر
السينما في القصير.. قصة أول عربة متنقلة للعروض السينمائية
سينما «عبدالوهاب» بقوص: سينما ومسرح وإستاد.. وصالة أفراح!
11 تعليقات