السينما في بني سويف: مقالب قمامة تسكنها الخفافيش

لم يكن حظ محافظة بني سويف أفضل من محافظات شمال الصعيد الأخرى، فهي أيضا مدينة بلا سينما، بعد أن كانت دور العرض توجد في مراكز المحافظة ليس فقط في المدينة الرئيسية. رغم أن عدد سكان المحافظة يقترب من ثلاثة ملايين ونصف، حسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، إلا أن الأغلبية من السكان لم تحظ منهم وخاصة الأطفال أو الشباب برؤية شاشة السينما، حيث توقف نشاط آخر دور عرض منذ ما يقرب من العشرين عامًا.

دور العرض

حظيت محافظة بني سويف منذ الستينات وحتى مطلع الألفية الجديدة، بوجود العديد من دور العرض السينمائي، إذ كانت تضم العديد من دور العرض الأهلية أو الخاصة مثل: “سينما الأهلي، سينما النصر، سينما الشعب” في مدينة بني سويف، كما كان في مركزي ناصر والفشن: “سينما مركز ناصر، سينما عبدالحميد بالفشن”، بجانب دور العرض التي كانت تتبع هيئة قصور الثقافة مثل: “سينما بيت الثقافة في مركز ببا، وسينما قصر ثقافة بني سويف في مدينة بني سويف”، ولظروف وأسباب مختلفة توقف نشاط كافة دور العرض، وأصبحت المحافظة خالية من دار عرض سينمائي واحد.

السينمات الخاصة

يقول محمد إبراهيم عويس، أمين حزب التجمع بمحافظة بني سويف أحد أبناء مركز الفشن: أتذكر جيدًا سينما “عبدالحميد” بمركز الفشن، توقف نشاطها في السبعينات، وكانت تعرض الأفلام القديمة في الخمسينات، كما كان يوجد اثنان من دور العرض الخاصة وهما، “سينما الأهلي” التي تم هدمها منذ التسعينيات لخلافات بين الورثة وأصبح مكانها الآن “مقلب قمامة”، والأخرى “سينما النصر” بمدينة بني سويف، وهي الوحيدة التي لم يتم هدمها إلى الآن، لكن بعد توقف نشاطها أصبحت مهجورة تسكنها الخفافيش.

وبدعوى نقص الإمكانيات توقف نشاط سينما قصر الثقافة، وأعتقد أن هذا تبرير واه سببه فشل الإدارة في العديد من قصور الثقافة في الأقاليم، خاصة أن من يديرون العمل ليس لهم علاقة بالثقافة فهم موظفين لا تعنيهم الثقافة في شئ.

الجماعات المتطرفة

في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات، بدأت الجماعات الإسلامية في الظهور وتمكنت من بسط نفوذها ومنظومتها الفكرية التي كان التحريم والتخويف من بين أهم آلياتها للسيطرة الفكرية، وخاصة في الريف وقرى الصعيد مثل، قرى محافظتي الفيوم وبني سويف، وتزامن مع انتشار هذه الجماعات وسيادة تفكيرها في المجتمع وتغلغلها بين كافة فئات وشرائح المجتمع، انحسار عروض السينما الذي أعقبه غلق دور السينما في أغلب محافظات الوجه القبلي والصعيد.

ويقول أحمد نصر، مدير مديرية التنظيم والإدارة السابق ببني سويف أحد أبناء مركز ناصر، السبب الرئيسي في توقف نشاط السينما في بني سويف، الجماعات الدينية، حيث كانوا يشكلون إرهابا للمواطنين من رواد السينما تارة من خلال التحريم، وتارة أخرى من خلال التهديد بالعقاب.

يكمل نصر، كانت السينمات توجد في أغلب مراكز بني سويف، مثل الواسطى والفشن وناصر وجميعها سينمات أهلية خاصة، وقد كنت من رواد سينما مركز ناصر حتى المرحلة الثانوية قبل أن يتم هدمها في السبعينات، فقد كانت السينما هي المتنفس الوحيد لأبناء المركز والقرى التابعة له، فكان خروجنا وسهراتنا تتمثل في ذهابنا إلى السينما.

ويتذكر نصر سينما مركز ناصر، فيقول: كانت جيدة من الداخل، الصالة في البداية على شكل مصاطب أسمنتية يجلس عليها جمهور “الدرجة الثالثة” أصحاب التذكرة الأقل سعرًا، وكان هناك البلكون وكان له مدخل خاص، ومع الوقت تم هدم المصاطب ووضعت مكانها كراسي، وكانت لا تعرض سوى حفلة واحدة في اليوم، تبدأ من الساعة السادسة مساءًا، عكس سينمات المدينة التي كانت تتمتع بعدد أكبر من الحفلات وكانت التذكرة تباع في السبعينات بـ”خمسة قروش” للصالة، و7 قروش، و10 قروش للبلكون، وكان يطلق عليها في الأول “سينما عبدالجيد حميد” وهو أحد أعيان بني سويف، وقام بشرائها من صاحبها طه الساعي، والذي كانت تسمى باسمه في البداية.

حريق بني سويف

أغلقت دور العرض الخاصة في المدينة وفي بعض مراكز المحافظة أبوابها، لم ينج من مقصلة الفكر الظلامي وأيديولوجيا التحريم سوى داري عرض تابعتين للهيئة العامة لقصور الثقافة، هما: دار عرض قصر ثقافة بني سويف، التي كانت عبارة عن صالة عرض شتوية وصيفية، ودار عرض ببا التابعة لبيت ثقافة ببا، حافظتا على استمرار وجودهما من خلال عروضهما التي لم تنقطع حتى وقعت كارثة حريق مسرح بني سويف فى الخامس من سبتمبر عام 2005، التي راح ضحيتها خمسون من رواد وفناني ونقاد المسرح، بالإضافة إلى 23 مصاب، وكان أغلب الضحايا من محافظتي الفيوم وبني سويف، حيث توقف النشاط بعد هذه الحادثة حتى الآن.

ويقول الشاعر نور سليمان، أحد شعراء مدينة بني سويف، وعمل بهيئة قصور الثقافة: أنا من مواليد مركز أهناسيا، وأتذكر جيدا سينما مركز أهناسيا قبل أن تغلق أبوابها في السبعينات، فقد كنت في المرحلة الإعدادية، وكانت تعرض الأفلام القديمة أو أفلام الدرجة الثالثة، وكانت عبارة عن ترسو وصالة لا يوجد بها بلكون، وتم غلقها بعد أن تعرض صاحبها للاعتداء من الجماعات الإرهابية، فقد قاموا بتكسير أبوابها من الخارج، وهو ما جعل مالك السينما يغلقها ويهملها، كما أصبح أهالي المركز يخافون من دخولها، ثم تحولت الآن إلى قطعة أرض مهجورة، أما سينمات قصور الثقافة فقد أغلقت أبوابها مع بداية الألفية، بعد توقف السينمات الخاصة، ولكن بفترة كبيرة.

ويضيف سليمان، أعتقد أن سينما قصر الثقافة في مدينة بني سويف تعود في الأساس إلى وجود مخالفات مالية، فقد كان دخل السينما يدخل في خزينة جمعية الرواد أو رواد الثقافة، والتي توجد في كافة قصور الثقافة على مستوى الجمهورية، وقد كانت تلك الجمعية هي المسؤولة عن طبع وبيع التذاكر، وهي أيضًا التي كانت تأتي بالأفلام من إدارة السينما بالقاهرة، وكان يشرف عليها وقتها الناقد الفني الراحل على أبوشادي، وبعد العرض ترجعها.

يكمل سليمان: منذ فترة قصيرة تحدثت مع الدكتور أحمد عواض، رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، حول عودة الروح للسينما مرة أخرى وإعادة تشغيلها، إلا أنه قال لي أن ماكينات العرض الموجودة بقصر الثقافة حاليا لا تتوافق مع عرض الأفلام الجديدة وطريقة تركيب وتشغيل الأفلام، وللتفكير في إعادة تشغيل سينما قصر ثقافة بني سويف أو سينما مركز ببا، نحتاج إلى صدور قرار من رئيس الوزراء أو وزيرة الثقافة.

شركة وليدة

يوضح الدكتور أحمد عواض، رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، في تصريح خاص لـ”باب مصر” السبب وراء اختفاء دور العرض التابعة لقصور الثقافة في بني سويف: “يجب في البداية أن نوضح شيئًا هامًا، فالسبب الرئيسي هو أن شركات توزيع الأفلام في السابق كانت تابعة للدولة، وهو ما كان يسهل علينا عرض الأفلام في المواقع الثقافية بسهولة، أما الآن فجميع شركات التوزيع هي شركات خاصة لا تتبع الدولة وبالطبع تكون تكلفة شراء الأفلام لعرضها باهظة، لكن هناك شركة وليدة تقوم بتأسيسها وزارة الثقافة لاستعادة أصول السينما، ومن ثم سيمكننا بسهولة بعد ذلك عرض الأفلام بالمواقع الثقافية المختلفة بكافة محافظات مصر”.

اقرأ أيضا

السينما في نجع حمادي: لا شىء يدوم

سينمات عروس البحر المتوسط: إسكندرية ليه؟

السينمات في الفيوم.. أطلال وأنقاض وذكريات

فيديو| سينما بورسعيد: وتحولت دور العرض إلى أبراج.. وجراجات

سينمات أسيوط.. التاريخ وحده لا يكفى

ملف| الشاشة الساحرة غائبة فى أقاليم مصر

السينما في القصير.. قصة أول عربة متنقلة للعروض السينمائية