“الأميرة بشاير” وفارسها يخطفان الفوز في سباق “الصابية” للخيل بإسنا
في سباق “الصابية” الذي أقيم في قرية الدير بمركز إسنا، توجت، مساء الجمعة الماضية، “الأميرة بشاير”، حصان من نصر النوبة بمحافظة أسوان، بعد فوزها على خيل المستشار من مدينة إسنا.
السباق أقيم في ختام احتفالات مولد الشيخ أحمد بن إدريس، الذي يقام خلال شهر رجب من كل عام، وهو الأشهر في كافة محافظات الصعيد.
الأميرة بشاير جاءت من نصر النوبة قاطعة مسافة 240 كيلومترًا، تقلها “سيارة ربع نقل” كعادة نقل الخيول من محافظات الصعيد إلى مكان السباق، لتشارك لأول مرة في سباق الصابية بإسنا.
محمود الحمري، صاحب “الأميرة بشاير” يقول إنه يعشق الخيل، كما أن “الأميرة بشاير” بالنسبة له حالة خاصة، لأنه اشتراها ليعوض حزنه على حصانه الراحل “ترحال” الذي فقده.
الحمري يهتم بالخيل أكثر ما يهتم بنفسة، هكذا يقول، ويضيف أن الأميرة بشاير اشتراها من اسطبل من محافظة الشرقية، هو من أفضل الاسطبلات، وكان عمرها 3 أشهر، ليبدأ تدريبها مستعينًا بصديقة خالد الإسناوي، مدرب خيول من مركز إسنا ليساعده على تقويتها ولياقتها البدنية، حتى مشاركتها الأولى في سباق الصابية هذا العام.
“الصابية” وهو الاسم المعروف لسباقات المسافات الطويلة للخيل، التي كانت منتشرة ومعروفة عند قبائل العرب قديما، فالسباق يكون بين فارسين، وقد يحتكا ببعضهم بعضًا، ومن يصل إلى نقطة المسافة الأولى التي تبعد لمسافة 5 كيلومترات يكون هو الفائز، وتكون سباق الصابية في أماكن ومواقيت معينة، وهي مواقيت الاحتفالات الختامية بأولياء الله الصالحين.
ليس للصابية قوانين تحدد دخول أي فارس، فالفارس الصغير حتى وإن لم يكن بلغ مرحلة الشباب يحق له الدخول في الصابية، ويحق له أن يرغم أي فارس، مهما كان عمره أكبر، على الدخول معه في سباق، ويكفي الصغير أن يمسك لجام حصانه، ويرفع عصاه عاليا وينادي عاليا بمن يرتضيه أن يدخل معه في سباق، ولا يستطيع أي فارس مهما كانت حنكته أن يرد طلبه، أو أن يستهزئ به، فالرجل حين يترجل حصانه يصير أفضل الرجال، تلك أخلاق الفرسان.
يقول أحمد جمال الحمري، من قرية الدير بإسنا، أحد منظمي سباقات الصابية، إن السباق يمتد على مسافة 4 كيلومترات في أرض صحراوية بعيدة عن المساكن تحددها لجنة التحكيم المشكلة من كبار الفوارس، مشيرًا إلى أن تلك السباقات تشهد حضور 250 فارسًا يتنافسون من أجل الفوز.
“الخيل كالناس” ليس كما يقول الشعراء، بل كما يقول الفوارس، الذين يعطون لها اسما في الصعيد، هذا ما يقوله جمال رشيدي، أحد فرسان مدينة إسنا، إن القواعد تلزم الفارس ألا يجبر الحصان على الدخول لمكان لا يهواه، بجانب أنه يتواصل مع حصانه برفق، اللغة هي لمسات رقيقات يوزعها الفارس على حصانه، والحصان دائما يعرف صاحبه من رائحته، لذلك هو يعطي صاحبه الصهيل الدائم عند قدومه.
أما محمود الدسوقي، صحفي، باحث في التراث، يقول أن تكون فارسًا في الصعيد فعليك أن تأخذ منحى آخر لهذا العالم، إن الأمر يعني أن تكون صاحب دراية بالخيل وأن تعامله مثل معاملتك لإنسان يشعر ويحس ويتألم، فالخيول في الصعيد لها خصوصية معينة، الناس يعاملونها كجواهر ثمينة، بل إن قواعد معاملتها لها شروط وحدود، أو كما يقول فوارس الصعيد “لها فرائض وواجبات”
ويضيف أن الفارس يجب أن يختار لحصانه اسما، وهو الاسم الذي يعتاد عليه الحصان أثناء التدريب، إن الحصان يقتله الحزن الشديد أحيانًا، وينتشي من الفرح أحيانًا أخرى، لذلك قبل سباقات الخيل دائما تكون تحية الفوارس بالمزمار البلدي، وفي عالم الصابية يكون الخيل مع بعضه حميما، خاصة إذا شم رائحة أبويه أمه وأبوه وصادف وجودهما.
ويقول خالد الإسناوي، مدرب خيل، ليس على الفارس أن يكون مدربًا هذا هو قانون الفوارس، فتدريب الخيول يحتاج إلى دراية معينة، ومن قانونهم ليس كل مدرب فارس، وإنما الفارس له خصوصية معينة، لكن ما هي خصوصية وقوانين تدريب الخيل؟
الأمر يحتاج إلى حنكة ودراية بالقوانين الطبيعية التي تحكم الخي، وغالبًا يربط أرجل الخيل من الخلف، ويبدأ تدريبه بعد انتهاء الرضاعة مباشرة، وهى “أشهر الرهونة” ويحتاج المدرب بين 90 إلى 93 يوما لتدريب الحصان الذي رضع كثيرا من أمه، لذلك من القواعد هو فطم الخيل سريعا لكي يشتد عوده سريعا وتقوى عضلاته.
الإسناوي يقول إن الخيل منها “المبخوت” و”المنحوس”، وأنه يفضل أن يكون الحصان ملونا، أما الأسود فغالبا ما يكون منحوس، وغير واضح، وهذا ما يشبهه مجتمع الفوارس بـ”الفقر المدفون”، بحسب اعتقاده.
والاعتقادات في الخيل السعيد والنحس تمتد لاعتقادات شائعة عند “الصعايدة” الذي يؤمنون بأثر نبوي يقول “الخيل معقود في نواصيها الخير” ويحتجون بذلك على أنها تجلب الخير على الفارس وعلى أهل بيته أو تجلب الشر والتعاسة، نفس الاعتقاد يغذيه أيضًا اعتقاد شعبي آخر، يرى أن التشاؤم يكون في كل ماهو ذات حافر من الدواب.
على أية حال، إن البيوت التي يدخلها الخيل لا تفتقر، هكذا يعتقدون، كما أن كل من امتطى حصانه فعليه حمل “أخلاق الفرسان”، وما كل من ركب الفرس خيَّال.
2 تعليقات