في ذكرى الخال.. أبنود معشوقة الأبنودي وهبة الأقدار
“لا أظن أبدا أنني سأنجح إذا حاولت إقناعهما بأن أيامي الحلوة تصلح مادة للفخر في هذا المجتمع المادي جدا الذي تعيشانه، ولكنني وإلى أن أرحل سأظل مدينا لقرية أبنود”، هكذا عبر الخال عبدالرحمن الأبنودي عن حبه لقريته في مقدمة كتابه “أيامنا الحلوة”.
هو عبدالرحمن محمود عبدالوهاب، والده مأذون شرعي، وعمل معلم للغة العربية، له 5 أشقاء ترتيبه الثالث بينهم، بالإضافة لشقيقته فاطمة، وأب لابنتين آية ونور.
قريته
ارتبط الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي، بقريته ومسقط رأسه قرية أبنود جنوبي قنا الحاضرة في أغلب قصائده، مستعينا بها وواصفا أهلها الذين عانوا كأغلب سكان قرى الصعيد التهميش، لكن ظلت روحهم العتية تحيي أجيال يسري بداخلهم حب الوطن والانتماء، حاملين فنونهم ومواويلهم التي خلقتها فطرتهم والمكان، تجد ذلك جليًا في ملحمته أحمد سماعين، والعمة يامنة.
أبنود
أبنود، بفتح الهمزة وسكون الباء وضم النون وسكون الواو والدال، المهملة، كما ذكرها ياقوت الحمودي، وعدد ما بها من بساتين ونخيل، ومعاصر للسكر، ذات الأرض التي صنعها التاريخ فصنفت من النواحي القديمة، وذكرها جوتييه في قاموسه بإسمها benout.
ورد ذكر القرية لدى أغلب كتب المؤرخين منهم، قوانين ابن مماتي، وفي تحفة الإرشاد، التي شكلت وجدان الأبنودي الشخصية والموهبة الممزوجة بالحس والوعي التركيبة الفريدة العصية على التكرار، وطبعت في سيماته، وسرت في دمائه، فحضرت ممثلة عن كل قرى الصعيد شبيهاتها وأهلها في قصائد الأبنودي، التي لا يمل من سماعها، أو من مشاهدته وهو يلقيها بحماس وشغف، رغم تعاقب الأجيال.
حين تصل القرية تبحث تلقائيا عن كرم أبو غبان، ومنزل أحمد سماعين، وحراجي القط، صاحب الجوابات التي تؤرخ لبناء السد العالي، متخيلا أمنة بجلستها أمام باب الدار الطيني، تلك الأماكن الحقيقية والشخصيات الواقعية، التي ذكرها الأبنودي في دواوينه، حلت البنايات الأسمنتية بديلًا عنها، لتدرك غياب ملامح القرية ولكن تظل الحكايات التي نقلها لنا الأبنودي، لأجيال معاصرة وأخرى قادمة.
تسير في شوارع شديدة الضيق وبعد ديوان عائلته التروسة أو المندرة كما تعرف، يشار لك نحو منزل بسيط هو مسقط رأس الأبنودي، المولود في 11 إبريل عام 1938 بعد ظهور الحداثة نوعا ما عليه، قد تتخيل هنا لعب الابنودي مع الصبية، ومسبحه خلف دار أمنة التي كان منزلها تملئه ماء الفيضان.
السفر
أصبح الأبنودي أهم وأشهر جامع للسيرة الهلالية بعد سفره للقاهرة، فضلا عن أعماله، الأرض والعيال، الزحمة، الفصول، أنا والناس، سيرة بني هلال بأجزائها.
وتعامل مع أشهر المطربين. منهم عبدالحليم حافظ، محمد رشدي، فايزة أحمد، نجاة الصغيرة، شادية، صباح، وردة، محمد قنديل، ماجدة الرومي، محمد منير..الخ.
وألف العديد من تترات المسلسلات. مثل: ذئاب الجبل، مسألة مبدأ، وكتب حوار وأغاني أفلام “شيء من الخوف، الطوق والإسورة والبريء”.
جوائز
حصد الخال أهم الجوائز كأول شاعر عامية مصري. منها، جائزة الدولة التقديرية، محمود درويش للإبداع العربي، وتزوج من الإعلامية نهال كمال وأنجب ابنتيه آية ونور، لم ينس معشوقته أبنود.
أهالي أبنود
“على قد ما سارقاك الغربة.. لكن ليك قلب.. مش زي ولاد الكلب.. اللي نسيونا زمن”
يقول العم محمد حسين، 61 عامًا، أحد أبناء عمومة الخال، أتذكر حبه لتجمعه معنا في مندرة العائلة مع أبناء عمومته، وحضوره في صلح بين عائلتين بأبنود.
مستطردًا كان يحب التجوال في الغيط والأكل في الزراعات، فراسته يعرف بها أحفاد أبناء عمومته الصغار من ملامح الوجه، حريص على معرفة أخبار البلدة.
“كنا ننتظره زي هلال العيد”، يعود ببشاشة وكأنه لم يغب، مرح، طيب وذكي وشرس في المعارك. “شوفنا غضبه لنا مش علينا”. كان يزور أغلب منازل العائلة خاصة السيدات الكبار والرجال المسنين، يحب مجالسهم.
متحف الأبنودي
أصبحت أبنود قبلة لكل محبيه، بعد إنشاء متحف السيرة الهلالية ويعرفه أهالي قنا بمتحف الأبنودي. وهو مركز منقسم لمبنيين الأول المكتبة بفروعها، والثاني المتحف.
يروي أحمد خليل، مدير مركز ومتحف عبدالرحمن الأبنودي الثقافي، عن فكرة المركز. يقول: “بدأت الإنشاءات في عام 2003، للمكتبة كمرحلة أولى من قبل صندوق التنمية الثقافية. وتم الانتهاء منه في عام 2004. وافتتح وسُلم لقطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة عام 2008 بحضور الخال”.
ولفت خليل إلى أن الأبنودي شاهد المتحف ووضع فيه من مقتنياته. ومنها: “بدلة” و”32 صورة”، و8 آخرين في حجرة الأشرطة التسجيلية الملحقة. ومجموعة السيرة الهلالية مدون على أغلفتها بخط يده، ودواوينه الشعرية. فضلا عن عدد من الجوائز المصرية والعربية.
ولكن لم يمهله القدر افتتاح المعرض، بعد 40 يومًا من وفاته في 21 إبريل عام 2015.
تعليق واحد