شجرة الصفصاف.. قصة أول مادة مصنعة للأسبرين في التاريخ
تصوير: أحمد دريم
“الصفصاف” شجرة ذات غصون كثيفة ممتدة على طول النهر وعلى حواف الترع والمصارف الكبرى في قرى ومحافظات مصر، لها عديد من الاستخدامات، بداية من الحضارة القديمة حتى العصر الحديث.
وتدخل شجرة الصفصاف في المجال الطبي والديني والزراعي، كما تغني بها الشعراء في أشعارهم لمكانتها المعروفة.. “باب مصر” يفتح على شجرة الصفصاف.
فصيلة وأهمية
يقول إبراهيم عبداللاه، مهندس زراعي، إن الصفصاف جنس من الأشجار أو الشجيرات التي تتبع الفصيلة الصفصافية، تنمو في التربة الرطبة ويتواجد الصفصاف في الكثير من أنحاء العالم.
وتزرع على جوانب الجداول والسواقي ليستفيد منها الفلاحين والمزارعين في عمل ظل وكسر سموم الرياح الحارة صيفا والرياح الباردة شتاء، توجد منها ما يصل طولها 30 مترًا ومنها ما هو قصير حتى 3 أمتار.
ويضيف عبداللاه، يوجد في مصر ما يسمي بالصفصاف البلدي وتكون أوراقه خضراء فاتحة طويلة متواجدة في أغلب أوقات السنة لكن تكثر وتكون أكثر اخضرارا بعد فصل الخريف، وتتميز أوراق الصفصاف بطعمها المر ولا تحتاج لاعتناء خاص فهي شجرة تنبت من تلقاء نفسها.
ويرجع سليم حسن، عالم الآثار المصري، في موسوعة مصر القديمة بالجزء الثاني، تاريخ شجرة الصفصاف في مصر إلى عصر ما قبل الأسرات، إذ عثر على يد سكين من خشبها وعلى صندوق من الأسرة الثالث.
وكانت أوراقها تستعمل في عمل الأكاليل في عهد الأسرة الثامنة عشر وما بعدها، ولها أهمية دينية مقدسة في معبد دندرة بقنا، وكان الملك يأتي في أحد أعياد السنة المقدسة، وينصب شجرة صفصاف أمام الآلهة “حتحور” ويخاطبها، ومرتبطة في وجدان المصري القديم.
ويشير المؤرخ أحمد الحتة، في كتابه “تاريخ الزراعة في عهد محمد باشا”، إلى أنه كان يزرع في مصر صنفين من الصفصاف، يعرف أحدهما بالصفصاف وآخر باسم أم الشعور وأشجارهما كثيرة الانتشار.
وبلغت زراعة الصفصاف في الوجه البحري في عهد محمد علي باشا نحو 314 ألف و620 شجرة، فيما تم زراعة 60 فدانا على ضفاف الترع والنيل في الجيزة.
وفي الحضارة السامورية، يذكر الباحث العراقي على الشوك، في كتابه “جولة في عالم الأسطورة واللغة”، أن الصفصاف يستعمل في التعاويذ وكذلك تستعمله المرأة وقت الحيض كمطهر، كما كانت الصفصافة عند الساميين تعتبر شجرة مقدسة، تستنزل المطر وتقترن بالقمر، المسبب لظاهرة المد في ارتفاع ماء البحر، وكان يطلق عليها في اللغة السومرية اسم “خيلافا”.
الاستخدامات الطبية
تعددت الاستخدامات الطبية لشجرة الصفصاف، مسكن للآلام والدور الهام في اختراع دواء “الأسبرين”.
يتحدث ديارمويد جيفريز مؤلف كتاب “الأسبرين” عن قصة الدواء العجيب. يقول إن المصريين القدماء كانوا يستخدمون اللحاء الداخلي اللين من قشر وأوراق نبات الصفصاف كمنقوع في الماء.
وعن طريقة التقديم فكان يشرب لعلاج ارتفاع حرارة الجسم في الحميات والصداع والآلام الروماتيزمية.
وبحسب موسوعة الاختراعات والاكتشافات العلمية، فإنه في مطلع القرن التاسع عشر بدأ العلماء في دراسة كيفية استخلاص الأدوية من النباتات. وسرعان ما حاولوا تطوير الاستخدامات البدائية إلى العديد من الأدوية.
وبدأ الكيميائي الفرنسي تشارلز إف جيرهارد، في صنع أول أنواع الأسبرين عام 1853م من لحاء شجرة الصفصاف. ويتم ذلك باستخلاص “مادة السالسين”، الذي يتحول كيميائيا إلى حمض “اسيتيل الساليسيليك”. وهو مادة مسكنة للألم وعامل مضاد للالتهابات وتعتبر المادة الأساسية في تصنيع الأسبرين.
وفي جامعة فورتسبورغ الألمانية، قام فريق طبي بعمل بحث على قشور الصفصاف التي تحتوي على حمض الساليسيليك.
وأكد البحث أن قشور الصفصاف تتميز عن الأدوية الصناعية المركبة فهي لا تؤذي الغشاء المخاطي للمعدة.
وأضاف البحث أن الأدوية المصنعة، تعطي مفعول أسرع من قشور الصفصاف، وتمتاز الأدوية بإعاقة تجلط الدم. وبهذا تقي من الإصابة بالأزمات القلبية والسكتات الدماغية. في حال تأثير قشور الصفصاف يحتاج لوقت أكبر من الأدوية لعلاج ذلك.
ورغم الأهمية الطبية والزراعية للصفصاف، إلا أنه تعرض إلى نوع من الانقراض التدريجي لاتجاه الناس لأنواع أخرى للمكاسب التجارية.
وأصبحنا نمر على ضفاف النيل والترع الكبيرة نجدها خالية من شجر الصفصاف.
أخيرا هل سيعود المزارع والإنسان المصري إلى سابق عهدة وتعود زراعة شجر الصفصاف من جديد؟
أم أنها ستصبح من الأشجار التي تعرضت للانقراض مثل بقية الأشجار الأخرى المنقرضة.