“تاريخ شركة الفوسفات والقلعة والتراث القديم” في جولة مدينة القصير الميدانية
تصوير: أحمد دريم
“يا قلعة الوادي العتيق يا زهرة البحر العميق، صحف التاريخ بوفرها عن مجدك أبدًا تضيق، قمم الجبال وحولها للناظرين كأنها درر العقيق، كنت السبيل إلى الحبيب وللحجيج منارة وطريق”.. مقتطفات من أبيات شعرية للأديب طه حسين الجوهري، أحد أبناء مدينة القصير الذي وصف فيها مدى التاريخ الثقافي والتراثي والحضاري لمدينته العريقة.
ونظم المعسكر الثاني للتخطيط العمراني والتنمية المستدامة المنعقد بجامعة برلين بقرية الجونة السياحية، والذي تنظمه مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية بالتعاون مع جامعة برلين، جولة ميدانية علي هامش المؤتمر بمدينة القصير ذات التاريخ العريق الطويل للتعرف على معالمها التاريخية بحضور عدد من المعماريين والأثريين وفنانين الرسم الجرافيتي.
مصنع الفوسفات
بجوار الكنيسة القديمة التي أسسها الإيطاليين عام 1938 والمباني والاستراحات القديمة لمصنع الفوسفات، انطلقت جولة المشي في الساعة التاسعة والنصف صباحا، ليبدأ المشاركين لتجمع حول الدكتور نبيل الهادي، أستاذ بقسم العمارة بجامعة القاهرة، ليبدأ في شرح توضيحي للمصنع.
وقال الدكتور نبيل الهادي: “هنا كان يتم الحصول على الفوسفات ويتم تصديره إلى إيطاليا، ثم عرض شرح لمنازل العاملين والاستراحات بالشركة، والتي تعتبر من الأماكن القليلة المستخدمة والتي تتميز بطابعهم المعماري المختلف، والذي يعود تاريخه من ٨٠ إلى١٠٠ عام، ويعبر عن فترة العشرينات من القرن الماضي، وأن أرض المصنع كان عليها نزاع من قبل لهدمها ولكن أهالي القصير تصدوا لذلك ومنعوه”.
وبعدها انتقل المشاركون لاستكمال الجولة بزيارة استراحة الملك فاروق، الذي كان يستخدمه في الزيارة إلي شركة الفوسفات، ثم الانتقال إلى قمة المرتفع المطل على مرسي الشركة بالبحر الأحمر ومعاينة الأماكن المستخدمة في نقل الفوسفات، من خلال البحر الأحمر، ومن ثم تصديره إلى دول العالم ومدى وصول قطار السكة الحديد إلى هذا المكان واستخدامه في عملية النقل إلى المحافظات.
وعقب ذلك توجهت الجولة إلى مباني المصنع المختلفة، وتفقد مباني المصنع من الداخل ومن بينها مباني الحملة الميكانيكية والطراز المعماري للمكان وبقايا الحملة الميكانيكية من مباني ومنشآت ومعدات حديدية وسجلات مازالت متواجدة بالمكان، ثم تحدثت الدكتورة مونيكا حنا، خبيرة آثارية، عن مصنع الفوسفات والتحدث عن مدى توفر صور توثيقية للمصنع، من خلال السفارة الإيطالية ومناقشة بعض الأماكن الخاص عن المصنع وصناعة الفوسفات والتعدين بمدينة القصير.
ثم انتقلت الجولة لمبني الذي يضم قلائع المصنع العالية ومن ثم مبنى الإدارة الخاص بالمصنع، وبما تحتويه من معرض للطيور وبعض الحيوانات المحنطة، وبعض الصور التي توضح تاريخ المصنع وحجم الإنتاج بداية من عام ١٩٣٨ وحتى تاريخ إيقافه.
تاريخ الشركة
ذكر كتاب “القصير صفحات من الماضي” للمؤلف طه حسين الجوهري، أن الشركة أسست الفوسفات عام 1912 تحت اسم “الشركة المصرية لاستخراج وتجارة الفوسفات” شركة مصرية إيطالية.
ثم انتقلت المدينة نفسها للعمل في تجارة واستخراج الفوسفات عقب التأميم في ستينات القرن الماضي تحت أسم شركة البحر الأحمر للتعدين، حتى انتقلت لحوزة الشركة القابضة للتعدين التي قررت لاحقا في عام 2000 إيقاف مهام معالجة الفوسفات في المدينة والاكتفاء بالمهمة الاساسية التي أنشئت لأجلها كمدينة إدارية كانت تتكون من 38 مبني قائما بالفعل ما بين مخازن ومكاتب إدارية بنيت من الطراز الإيطالي عندما أسست وأقيم بداخلها متحف للطيور والحيوانات التي حنطها أحد المهندسين الطليان وفي مقابل هذا المبنى محطة توليد طاقة .
القلعة
بعد الانتهاء من تفقد مباني شركة الفوسفات اتجه المشاركين في جولة لزيارة القلعة التي بنيت عام 1571 لمراقبة ميناء القصير والساحل المحيط به من موقعها المرتفع، حيث تفقد مبانيه التراثية والمعمارية القديمة والمعدات الحربية التي كانت تستخدم في الحروب قديمًا والتي حصن الفرنسيين القلعة بها بعد احتلالها.
وقال وصفى تمير حسين، مؤرخ مدينة القصير، عن تاريخ إنشاء قلعة القصير أنها بنيت في العصر العثماني فيما بين حكم السلطان أحمد الثالث 1710م، وعهد السلطان سليم الثالث 1797م، وأن البعض أرجع إنشاء القلعة إلى السلطان الغوري لتعرض مصر لأخطار جسيمة، فكان لابد من حماية الثغور ضد الخطر البرتغالي ومحاولتهم غزو الموانئ المملوكية على ساحل البحر الأحمر، لكن الحقيقة الناجزة والتي توصلت إليها الدراسات أن بناء قلعة القصير يرجع إلى عهد والى مصر “سنان باشا ” في عهد السلطان سليم الثاني فى ختام 979هـ/1571م، وهو ما أكده “تشارلز لى كيوسنى” قائلاً إن ملامح بناء القلعة العثمانية بمدينة القصير تتفق مع هذا التاريخ سالف الذكر.
المدينة القديمة
عقب الانتهاء من تفقد القلعة الحصينة وأهميتها العسكرية تجول المشاركين في شوارع المدينة القديمة للإطلاع على التراث المعماري القديم، الذي يضم بلكونات مصممة من الخشب وأبواب ومنازل مزخرفة والسقيفة المستخدمة في ربط المنازل ومعالم المدينة المطلة على البحر الأحمر والمراكب المستخدمة في الصيد.
مجموعات
بعدما انتهت الجولة من زيارة القلعة توجهوا لتناول الغذاء بمطعم الفردوس أشهر المطاعم بمدينة القصير، في تقديم وجبة الغذاء ويطل على مياه البحر الأحمر مباشرة، وبعدها تم توزيع المشاركين لعدة مجموعات منهم من يصممون جدارية بمنطقة السوق بالمدينة، وتقديم التوعية لأهالي المدينة عن تاريخ القصير ومدى أهمية التراص الموجود وآخرين في جولة بحثية علي شوارع ومنازل مدينة القصير القديمة وتاريخها الأثري والتراثية، ومجموعة بشركة الفوسفات.
وقال الدكتور حسن المويلحي، المدرس بجامعة برلين، إنه تم تقسيم المشاركين إلى مجموعات منها من يعمل على المدينة في شركة الفوسفات وآخر على التوعية، والتي جزء من عمها تصميم الجدارية كنوع عن التعبير عن التراث وتفكير الأهالي بتاريخهم ودور مدينة القصير من أيام الفراعنة وأهميتها كميناء للحجاج في أراضي الحجاز.
تصميم الجدارية
توجهت إحدى المجموعات إلى أحد الأسوار بمنطقة السوق بمدينة القصير، وتم البدء في نظافة المكان ورفع المخلفات التي كانت متراكمة بمحيط السور، وتجهيز المعدات للبدء في تصميم جدارية كبيرة تعبر عن تراث وحضارة وتاريخ مدينة القصير العريقة.
وقال الدكتور علاء عوض، مدرس مساعد بكلية الفنون الجميلة بجامعة الأقصر وأحد المشاركين في تصميم الجدارية، إن الجدارية تحتوي على بعض المراكب الكبيرة من معبد حتشبسوت والسفن الشراعية، والتي استخدموها في رحلات بلاد بونت بالصومال، وكان ميناء البحر الأحمر القريب من القصير.
وتناول تراث القصير والبحر الأحمر والجمال والخيل التي كانت تستخدم في الرحلات بجنوب مصر والتي كانت تستخدمها تلك الرحلات قبيلة العبابدة.
عن المعسكر
تقام فعاليات المعسكر خلال الفترة من 17 حتى 27 أغسطس، بالشراكة الإعلامية مع شركة ولاد البلد الخدمات الإعلامية، حيث تشارك بدورها كشريك إعلامي لنشر الوعي والتعريف بعدة تجارب في الأقاليم؛ وهي شركة إعلامية مصرية رائدة تستهدف تطوير الصحافة المحلية، مفهوما ومهارات وممارسة، تشمل شبكة واسعة وعالية التأهيل من الصحفيين المحليين تمتد من مرسى مطروح إلى الأقصر.
تعليق واحد