في الأقصر.. إفطار رمضان بين “المدفع” قديما و”البارود” حديثا
“مع رفع أذان المغرب.. أصوات مدوية تنطلق جميعها في آن واحد فتهز أرجاء المكان لإعلان فك الصيام في شهر رمضان المبارك، ثم يعقبها هدوء تام يصحبه اختفاء لمصادر الصوت الذي تطرب له الأفئدة مع الأذان، لم يعد شيئا يجذب عينيك بعد تلك اللحظات سوى الزينة المعلقة أمام المنازل ومنها عقود الأنوار ذات الألوان المختلفة والجذابة وفوانيس الصاج المضاءة ليتحول المكان إلى هدو ء منقطع النظير”.
إنه مدفع الإفطار الرمضاني، ذلك الموروث الشعبي الذي تبادلته الأجيال منذ الستينيات، فأصبح من الطقوس الفريدة المعهودة لدى الأقصريين والملازمة للشهر الكريم.
المدفع .. أهم طقوس البهجة في رمضان
آلة حديدية يقوم أطفال الأقصر وخاصة قراها – الذين حافظوا على تلك الموروثات لوقت طويل مقارنة بالمدينة التي تأثرت بالصناعات الحديثة سريعا فتلاشت منها بعض المظاهر الخاصة بالشهر الكريم – بتعبئة المدفع بقطع من الكبريت، يستعد الأطفال قبيل أذان المغرب بدقائق، وبمجرد رفع الأذان يتم تغطية المدفع بقطعة حديد لتمنع فتات الكبريت من تساقطه عند احتكاك الآلة الحديدية بحجر صخري فيضرب الجميع بالمدفع في وقت واحد وسط بهجة كبيرة وضحت ملامحها على وجوه الأطفال.
روايات
مصطفى محمود، 58 عاما، موظفا، يرى أن المدفع من أهم الطقوس التي تضفي أجواء روحانية فريدة تميزت بها الأقصر فيقول “رغم ظهور الكثير من الأدوات التي استعان بها الجيل الحديث لإطلاق صافرة الإفطار مع رفع أذان المغرب، مثل ما يسمونه الصاروخ والألعاب النارية المختلفة التي ظهرت بعد جيلنا، لكن يظل المدفع هو مصدر البهجة الأساسي، ولذلك لازال يستخدمه بعض الأطفال حتى الآن”.
محمود يوضح أن الألعاب التي ابتكرتها الأجيال الحديثة باتت تمثل خطرا على الأطفال على عكس المدفع الذي يعتبر وسيلة احتفال آمنة وتضفي فرحة في نفوس الأطفال أفضل مما يطلقون عليه البُمبة حالياً.
البمب.. وسيلة احتفال بالإفطار أساسها البارود
البمبة أو البارود كما يطلق عليها الأطفال في الأقصر، يستخدمونها بمجرد رفع أذان المغرب فرحة بالإفطار وكوسيلة جديدة بديلة عن مدفع الستينيات.
“ولاد البلد” التقت أحد الأطفال للتعرف على الآلة الجديدة المستخدمة في الأقصر، أحمد سيد، 12 عاما، يوضح تركيبة البمبة أو البارود الذي يطلقه كل يوم مع أذان المغرب والتي تم تركيبها كما يوضح الطفل عن طريق توصيل جزء من ماسورة بلاستيكية تغطي زجاجة البيروسول “رش مضاد للحشرات” بعد انتهائها، ويتم ثقب الزجاجة في أسفلها، فتوضع قطعة بارود داخل الزجاجة ثم إضافة قطرة ماء إلى البارود لتبدأ في الفوران، ثم يتم إشعال عود الثقاب وتوجيهه ناحية ثقب الزجاجة المحتفظة بالبارود، وبمجرد توجيه الثقاب للزجاجة يتفاعل البارود ليبدأ بالانفجار وإطلاق أصوات مدوية.
إبراهيم أحمد، 29 عاما، موظف، من جيل الثمانينيات، يرى أن الجيل الحديث في طريقه إلى محو موروثات الآباء، بل إنه يتفاعل مع كل ما هو جديد بطريقة خاطئة ومضرة”.
أحمد يوضح أن طقوس الاحتفال بالشهر الكريم التي توارثوها عن آبائهم منذ الستينيات واستمرت حتى جيل التسعينيات، تختلف تماما عما ابتكره الجيل الجديد، ويضيف “الأجواء الروحانية الفريدة التي يتركها المدفع في نفوسنا وإضفاء الإحساس بالفرحة في ساعة انتظار الأذان حين كنا نتجمع أنا وأصحابي أمام منازلنا لإطلاق صافرة الإفطار تختلف بالطبع عن إحساس القلق الذي يعيشه الأطفال لحظة إطلاق البارود خوفا أن يصاب في أي لحظة، إضافة إلى أن البارود يطلقه الأطفال في كل وقت حتى مع صلاة التراويح دون مراعاة لإقامة الصلاة، على عكس المدفع الذي كنا نلتزم بإطلاقه لحظة أذان المغرب فقط”.
الصحة: البمب وسيلة لا ينتبه الأهل لخطورتها
الدكتور محمد ثروت، استشاري جراحة العيون، يوضح لـ”ولاد البلد” مدى خطورة البمب الذي يلعب به الأطفال، فيقول:” لا ينتبه الأهل لخطورة الوسيلة التي يستخدمها الطفل، فهم يرونه سعيدا باستخدامها وتضفي جو من الفرحة، لكن لا يعلمون أنها في نفس الوقت قد تتحول الفرحة إلى خطر في حال أٌصيب الطفل من البارود المستخدم”.
ويتابع “بعض الحالات تصاب بشظايا حول العين أو حروق سطحية وهذه يسهل علاجها، لكن الأصعب حين تخترق شظايا البارود عين الطفل، ويحدث ذلك عندما يخدعه البارود ويٌهيأ للطفل أنه لم ينفجر لكنه يكون في لحظة غليان فيبادر الطفل ويلقي نظرة على البارود فينفجر في تلك اللحظة”، مشيراً إلى أنه في هذه الحالة قد يسبب حروقا في الجفن قد تصل إلى القرنية، وخاصة عند عدم وعي الطفل بكمية البارود التي يضعها داخل البمب، لافتا إلى أنه في حال أصبح الحرق عميقا فذلك يؤثر على النظر إلى الأبد لأنه قد يترك سحابة على العين.
ويحذر ثروت من خطورة استخدام البارود، مشددا على ضرورة وعي الأهل بمدى الخطورة التي يسببها البمب، لذلك على الآباء والأمهات منع أطفالهم من استخدامها وأن يحاولوا تعويض الطفل بأي وسيلة أخرى أسهل في استخدامها من البارود وأقل خطورة منه.
تعليق واحد