“المقرونة”.. آلة البدو الأولى في الغناء والطرب
استخدم الإنسان منذ فجر التاريخ آلات تصدر أصواتا موسيقية تمنحه شعورا بالأمان، وتعبر عن عواطفه وأحاسيسه، وظهرت هذه الآلات لدى حضارات وأجناس وشعوب بشرية متنوعة ومختلفة.
“المقرونة” عُرفت في الدولة القديمة في العصر الفرعوني، كما عرفت في اليونان وكانت تسمي (مون اولوس)، وعرفها السومريين باسم (تيكي) وسميت في الصين باسم (تيك) وفي اليابان (تاكي)، ولأن المقرونة عبارة عن زمارتان مزدوجتان تسمى (المقرونة) كونها زوج من القصبات، التي تعد آلة أساسية في الأغاني البدوية.
تكوين الآلة
هي آلة بسيطة مكونة من قصبتين رفيعتين من البوص مفرغتين متجاورتين ومرتبطتين مع بعضهما، ويصل طولهما إلى 6 أو 7 سم، وفي كل قصبة من أربعة إلى خمسة أو ستة ثقوب، وتبعد هذه الثقوب مسافة تقدر ببعد أصبع عن الآخر أو تتجاوز ذلك بقليل، ويتم العزف عليها وتصدر نغمتها بواسطة النفخ.
ويتم العزف عليها بإدخال مسافة قليلة جدا من القصبتين إلى داخل الفم والنفخ فيهما، ومع النفخ يقوم العازف بتبديل وتحريك أصابعه على الثقوب حتى يخرج اللحن كما يريد العازف، ويشترط في عازف المقرونة أن يكون له نفس طويل، ويقال عن العازف الذي يتمكن من التنفس أثناء النفخ دون قطع عزفه إنه “يرد على المقرونة”.
مئات السنين
يقول الحاج فوزي السمالوسي، مؤسس فرقة عرب الفيوم البدوية، عن آلة المقرونة، إنه استخدمها البدوي القديم منذ مئات السنين عندما كان يمارس مهنة رعي الأغنام التي جعلته يكون في أوقات كثيرة وحيدا، ففكر في ما يمكن أن يسلي وحدته ويخوف الحيوانات المفترسة من حوله، وصنع من البوص تلك الآلة.
وتقول حكاية أن أول أغنية لحنها البدوي كانت لشخص أحب فتاة ترعى الأغنام تسمى” مدللة” فكان أول لحن على “رتم مدللة”، وأصبحت المقرونة أهم آلة في أفراح البدو، ويعد أول من أدخل آلة المقرونة إلى الفيوم هو العازف الفنان “حمودة الرمحي” من قبيلة الرماح ويعتبر عازف المقرونة الأول في الفيوم وشمال الصعيد، ثم انتشرت وأصبح شباب البدو يعزف على المقرونة ويصنعها أيضًا.
آلة صولو
يذكر المايسترو حسن شاهين، قائد فرقة الموسيقي العربية بقصر ثقافة الفيوم، أنه بشكل ما يمكن أن نعتبر المقرونة هي الأصل للعديد من آلات الكلارنيت وأشباهها، وهي عبارة عن قصبتان من البوص متجاورتان متساويتان في الحجم والطول، وفي كل قصبة عدة ثقوب يتراوح عددها ما بين أربعة إلى ستة ثقوب، ويوجد نوع من الآلة تقتصر فيه الثقوب على القصبة اليمنى، ويسمي العازفين على المقرونة ذات الثقوب في القصبة اليمني “الريس” بينما يطلقون على القصبة اليسري التي دون ثقوب “النوتي”.
ويضيف شاهين، تستخدم أيضا في حفلات السمر والأفراح البدوية حيث يصاحبها دائما غناء بدوي، وذلك لغلبة النغمات الطربية على الألحان الأخرى، كما يمكن للعازف أن يجعل أنغام “المقرونة” حزينة عندما ينتزع من أحزان وجدانه الحزين ألحان هادئة.
وحول طبيعة آلة المقرونة المستخدمة في الغناء البدوي، وسؤال البعض هل يمكن لهذه الآلة أن تكون ضمن تخت شرقي أو فرقة للموسيقى العربية، يقول شاهين، إنه يمكن ضم آلة المقرونة ضمن آلات الفرقة حيث إن فرق الموسيقى العربية يمكنها أن تضم كافة الآلات الموسيقية التي من ضمنها بالطبع المقرونة، لكن بشرط استخدامها كآلة عزف منفرد “صولو” ولها حدود صوتية وطبقات لا تستطيع أن تتجاوزها لذا لا يمكن العزف بها مع آلات أخرى، مع ضرورة أن نضع في الاعتبار مهارة العازف.
عنوان للفن البدوي
“نعرف نجوم العازفين من أصوات مقرونتهم”، هكذا قال الشاعر عادل السمالوسي، المتعهد الرسمي لحفلات وأفراح البدو بالفيوم والمحافظات الأخرى، مضيفا أن “المقرونة” هي الآلة الموسيقية الأساسية في موسيقى البدو، وهي عنوان الفن البدوي ومن دونها لا طعم للبادية، ولكل عازف نغمته الخاصة فصوت مقرونته يختلف في النفس والإحساس عن العازفين الآخرين.
يتابع السمالوسي: يعد الآن الفنان “نصر الرمحي” ابن مركز إطسا بمحافظة الفيوم أشهر عازف للمقرونة في مصر، وهو صاحب أكثر تسجيلات العزف المنفرد عليها، حيث وصلت تسجيلاته لأكثر من مائة عمل، ومن أشهر أغانيها” قناصين ونحبوا البر، صيادين مانهابو وعر، وياعين صبرك يا عين ليش تبكي ع الغاليين، احنا اللي ولعنا الشمس بس انتوا اللي طفيتوا شمع الحب”.
وتبقى المقرونة على مر السنين آلة البدو الأولى دون منازع وهي الشريك الأساسي في جميع الأفراح البدوية وحفلات السمر ولا غنى عنها فهي عنوان ولسان البدو.
اقرأ أيضا
“الغنيوة” و”شتيوة” و”المجرونة”.. فرقة عرب الفيوم تُحيي التراث البدوي
11 تعليقات