الطراوة .. في قنا البطيخ موجود منذ العصر الفاطمي
تصوير: أيمن الوكيل
ارتبط البطيخ عند الجميع بفصل الصيف ارتباطا شديدا، باعتباره أحمد أهم المرطبات والفواكه المنعشة التي يتم تناولها في ظل ارتفاع درجات الحرارة كما هو معتاد على جنوب البلاد في هذه الأوقات.
ولكن العديد من الناس لا يعلم أن زراعته لم تدخل قنا إلا في عصر الفاطميين، وفق ما أوردته الدكتورة نورا عبدالعظيم في كتابها “تاريخ قنا في العصر الفاطمي”، أي قبل أكثر من ألف عامًا، وكانت من أشهر الزراعات حينذاك.
بساتين البطيخ
ذكرت عبدالعظيم في كتابها، أن قنا ونواحيها كانت كثيرة البساتين التى تحوي أنواعًا مختلفة من الفواكه، وأتضح ذلك في أقوال الجغرافيين والرحالة المسلمين الذين تحدثوا عنها وعن قراها، ويؤكد ذلك ما ذكره ياقوت الحموي عن مدينة دندرة بأنها “بليدة ذات بساتين ونخل كثير وكروم”.
وكذلك ما ذكره الحموي عن قرية أبنود التابعة لمحافظة قنا بأنها “ذات بساتين ونخل”، وعن مدينة دشنا بأنها “ذات بساتين” أما البغدادي فتحدث عن مدينة قفط التابعة هي أيًضا للمحافظة قائلا: “لها مزارع وبساتين كثيرة وفيها نخيل والأتراج وهو ثمار البرتقال والليمون”.
وشجع الفاطميون أهالي الصعيد الأعلى على استصلاح الأراضي والمناطق المهجورة وامتلاكها، بشرط أن يفرض عليها الخراج بعد مرور 4 سنوات من تملكهم هذه الأراضي، وفق ابن المأمون ومحمد محمود إدريس في نصوص من أخبار مصر والحضارة الإسلامية في العصر الفاطمي، والخراج هو الريبة المفروضة على الأراضي الزراعية التي فتحها المسلمون صلحًا، وبقيت في أيدي أصحابها، كما يؤخذ أيضًا على الأراضي التي فتحت عنوة، وبقيت في أيدي أهلها، وعرفه الماوردي بأنه “ما وعى على رقاب الأرضيين من حقوق تردى عنها”، كما جاء في الأحكام السلطانية.
الخراج
كانت سياسة الفاطميين في جباية الخراج ترمي إلى العناية بالفلاحين، وعدم إرهاقهم ومعاملتهم معاملة تنطوي على اللطف والرعاية، فكانوا يمنعون التعسف في جمع الخراج وينظرون الشكاوى التي يقدمها الفلاحون ضد عمال الخراج، مما يؤكد ذلك ما ذكره القلقشندي في سجل ولاية قوص “وافرهم على استخراج الخراج وخذهم بحمل المعاملين على أعدل منهاج”.
ومن هنا انتشرت زراعة فاكهة البطيخ في إقليم قنا، وكانت بداية زراعته في النصف الأول من شهر مارس “برمهات” إلى إبريل “برمودة”، ووقت حصاده كان في شهر مايو “بشنس”، وأما قيمة الخراج التي كانت مقررة عليه في العصر الفاطمي من دينار إلى دينارين وفق ابن مماتي.
وتميزت زراعة فاكهة البطيخ في إقليم قنا خاصة ما كبر حجمه عن غيره من أنواع البطيخ، وطيب حلاوته، ووصفه ابن ظهيرة قائلًا: “وكذلك البطيخ كثير الحلاوة والآخر منه عظيم الحبة بحيث لا يكاد يستقل بحمل الواحدة منه إلا الرجل الشديد القوة”، وفق كتاب الفائل الباهرة.
وجدير بالذكر أن عصر الفاطميين امتد من عام 358-567هـ، و968-1171م في مصر.
“الشلن” أشهر أنواع البطيخ
يقول طه إسماعيل، مهندس يعمل في إحدى الشركات المورده للتقاوي الزراعية، في تصريحات لـ”ولاد البلد”، إن زراعة البطيخ في محافظة قنا في الوقت الحالي غير موجودة تمامًا، ولكن قبل 15 عامًا، كانت المدن تزرعها مثل مدينة نجع حمادي، ودندرة، قرية الأشراف.
ولكن لأن الأراضي التي كانت تزرع بها أغلبها جزر، اندثرت مع الوقت، واختفت معها زراعة البطيخ بقنا، رغم أنها كانت مشهورة بالبطيخ “الشلن” أو البلدي، الذي كان يتراوح حجمه ووزنه بين 8 إلى 10كيلو جرامات، ويتميز بارتفاع نسبة السكريات به، فضلًا عن لونه الأحمر الداكن.
وتابع: أما الآن يتم شراء البطيخ في أسواق قنا من محافظات أخرى وأكثر الأنواع انتشارًا البطيخ “سكاته” وووزنه يصل من 13 إلى 14 كيلو جراما، وهو الأعلى إنتاجًا، ونوع آخر “جد برنس”، والهرموني، وجيزة، نيو جيزة.
مواصفات البطيخة الجيدة
أما محمد فؤاد، أحد المهندسين بالإدارة الزراعية بمدينة نجع حمادي تحدث لـ”ولاد البلد”، عن معايير اختيار البطيخ الجيد، قائلا يستطيع المواطن العادي فحص البطيخة ومعرفة مدي جودتها من عدة ملاحظات وهي كالتالي:
حجم البطيخة في الأغلب يتروح بين 6 و8 كيلو جرامات، و”الزرة” منطقة قطعة ثمرة البطيخ إذا كانت جافة تمامًا لدرجة الصلابة تكون اكتمل نموها وسقطت دون قطفها إجبارًا قبل آوانها والعكس، والتأكد من عدم تعرض البطيخ للمياه في أثناء نموه أو أثناء عرضه لدى البائعين، لافتًا أن زراعة البطيخ تكون على مصاطب حتى يسقى جذورها والساق دون مساس المياه للثمرة حتى أثناء الزراعة.
وحول “التخبيط” على فاكهة البطيح لمعرفة مدى احمرارها وحلاوتها، فهي صحيحة حيث إذا صدر صوت مكتوم بعد الخبط برفق عليها تكون لم تكمل استوائها، والعكس إذا أصدرت صوت رنان.
البطيخ وجية في قنا
البطيخ كان ولا يزال وجبة من أهم الوجبات الصيفية الأساسية بين أهالي قنا فلم يعد مجرد فاكهة عادية، إنما مكون أساسي بجوار الجبنة القديمة في القرى والمدن أو الجبن البيضة أو القريش “الخضراء”، وجبة خففيفة ومرطبة في ظل المناخ شديد الحرارة في الصعيد.
ويضيف فؤاد، افتقدنا بطيخ زمان “كان حمار وحلاوة رغم أنه كان صغير”، لكن الآن البطيخة حجمه كبير، وممكن الواحدة تكون لونها أحمر ولكن مذاقها “ماسخ”، مختتمًا حديثه بأن زراعة بلدنا مكنش في أحسن منها في كل شيئ.