حكام وجوامع| الجامع الأزهر الشريف.. هنا الجمعة الأولى من شهر رمضان
لا شك أن لرمضان في مصر طعم مختلف، ولعل الدولة الفاطمية هي جزء أصيل من هذه البهجة التي أسس لها الفاطميين احتفالات رسمية في البلاد، وكان من أهم مظاهرها أن يصلي الحاكم كل جمعة في الشهر الفضيل بجامع معين له تاريخ كبير، والبداية كانت من الأزهر الشريف.
في الجمعة الأولى من شهر رمضان، نقدم لكم أولى حلقات سلسلة “حكام و جوامع”، بالتعاون مع محمد خليل، مدير إدارة الوعي الأثري، من جامع الأزهر الشريف، والذي كان يشهد صلاة الحكام في الجمعة الأولى بالشهر الفضيل، احتفالا به، ثم تليه الصلاة بمسجد الحاكم بأمر الله في الجمعة الثانية، ومنها إلى الصلاة في جامع أحمد بن طولون بالجمعة الثالثة، وختامًا بجامع عمرو بن العاص في الجمعة الأخيرة من الشهر أو الجمعة اليتيمة كما أسماها الحكام الفاطميين.
الدولة الفاطمية
يستهل محمد خليل حديثه عن الدولة الفاطمية، التي سميت بهذا الاسم نسبة إلى السيدة فاطمة الزهراء بنت الرسول “ص”، وزوجة علي بن أبي طالب، وبالتبعية سمي الجامع الأزهر الشريف بـ”الأزهر” نسبة للسيدة فاطمة الزهراء، وهو أول جامع يبنى داخل أسوار مدينة القاهرة الفاطمية عام 970 م، على يد جوهر الصقلي ليكون الجامع الرئيسي للدولة، واهتم بترميمه كل حكام مصر في الدولة الفاطمية.
كما كان الجامع مركزا لخروج ثورات المصريين ضد الاحتلال الفرنسي، ومنه خرج المصريين بثورتهم ضد الإنجليز عام 1919م، وعلى منبره خطب جمال عبد الناصر عام 1956م.
مظاهر الاحتفال
اعتادت الدولة الفاطمية على تنظيم احتفالات رسمية لقدوم شهر رمضان، تتمثل في الخروج بموكب عظيم يترأسه كبار الدولة، ويتقدمه الحاكم على حصانه، ويصطف على الجانبين الخدم حاملين “مباخر” تنبعث منها أجمل الروائح العطرية.
كانت الاحتفالات تخرج من القصر الشرقي الكائن في شارع المعز، حيث كان مقر حكم الدولة الفاطمية، إلى أن نقلت في عهد الدولة الأيوبية إلى القلعة.
عند بداية دخولك المسجد بعد أن تمر من الباب الحديدي الرئيسي، ترى نقوشا معمارية ملونة على الجداران الخارجية للجامع، لتدخل بعد ذلك إلى ممر طويل على جانبيه مدرستين يحملان اسم الأمير علاء الدين بيبرس والأمير أطبغاه عبد الواحد، وهما الأميران اللذان تحاربا لترميم المسجد بعد تعرضه لزلازل عام 702 هـ، وتدمر فيه أجزاءً كبيرة من المسجد.
الممر مكشوف، فحينما ترفع رأسك للأعلى تشاهد قبة قايبتاي، والتي يذكر عنها “المقريزي” أنها بنيت في عام 1483، وهي على شكل عمود أسطواني ينقسم إلى جزئين مثمنين، ومئذنة قايتباي تتكون من ثلاث شرفات، تدعمها مقرنصات، وشكل سقفها معقود الهوابط الذي يوفر الانتقال السلس من سطح مستو لمنحنى واحد.
هنا.. اترك حذائك خارجًا وقف في منتصف صحن المسجد المكشوف، وأرجع بالزمن إلى العصر الفاطمي حيث بني المسجد.
اسم الأزهر
أول تسمية للجامع الأزهر كانت باسم العاصمة الجديدة، فكان يسمى جامع القاهرة، وسمي فيما بعد باسم الجامع الأزهر بعد أن أنشئت عدد من القصور فسميت القصور الزاهرة، والجامع الأزهر، وذلك لأن الدولة الفاطمية كانت تختار الأسماء على وزن أفعل لتفخيم وتعظيم في المكان نفسه.
استغرق بناء الجامع عامين و3 شهور، وافتتح للصلاة في 7 رمضان سنه 361 هـ، أي بعد 3 سنوات من دخول الفاطميين لمصر.
في عهد الدولة الأيوبية، أراد صلاح الدين الأيوبي التخلص من المذهب الشيعي فأغلق المسجد لمدة 80 عامًا، وفتح أمامه مسجد الحاكم بأمر الله، وعليه تأثر الجامع من الداخل، فحدثت به شروخ وهدد لبعض الأجزاء.
وفي عهد المماليك البحرية أيام الناصر محمد بن قلاوون، عرف الجامع الأزهر الشريف كجامع وجامعة، فلم يكن جامعا عاديا، بل كان مقرا للدرس والحلقات العلمية على مر تاريخه، على الرغم أن ذلك لم يكن مخططا له في بداية إنشائه.
وكانت بداية قيام الأزهر بهذا الدور في شهر صفر سنة 365هـ في آواخر عهد المعز لدين الله، حين جلس قاضي القضاة في الجامع لشرح كتاب “فقه الشيعة” على الطلاب، رغبه منه ومن النظام القائم في البلاد حينها في نشر المذهب الشيعي بطريقه علمية، وهكذا فإن أول دور قام به الجامع الأزهر كجامعة كان دورا شيعيا بامتياز، على عكس ما كتبت له الأقدار فيما بعد في أن يصبح أهم جامعة إسلامية سنية في العالم الإسلامي.
الهندسة المعمارية
يذكر الكاتب محمد عبدالله عنان في كتابه “تاريخ الجامع الأزهر”، أن المسجد بني في البداية على شكل قاعة للصلاة مع خمسة ممرات وفناء مركزي متواضع، ومنذ ذلك الحين وُسِّع المسجد عدة مرات مع منشآت إضافية محيطة تماما بالهيكل الأصلي، شكل العديد من حكام مصر في الفن والهندسة المعمارية للأزهر، من المآذن أضيفت من قبل المماليك، والبوابات المضافة أثناء الحكم العثماني للتجديدات الأخيرة مثل تركيب المحراب الجديد، كما أن بعض المآذن أو القباب الأصلية قد نجا، مع بعض المآذن الحالية التي أعيد بناؤها عدة مرات.
كان الهيكل الأصلي 85 مترًا في الطول، و227 قدمًا 69 مترًا في العرض، ويتكون من ثلاثة أروقة معمدة تقع حول فناء، وفي جهة الجنوب الشرقي من الفناء، بنيت قاعة الصلاة الأصلية على هيئة بهو معمد، مع خمسة ممرات عميقة، بقياس 260 قدمًا في الطول و75 قدمًا في العرض.
وأعيد استخدام الأعمدة الرخامية لدعم الأروقة الأربعة التي تؤدي لقاعة الصلاة من مواقع موجودة في أوقات مختلفة في التاريخ المصري، من العصور الفرعونية من خلال الحكم الروماني للهيمنة القبطية، التي أدت إلى ارتفاعات مختلفة من مستوى الأعمدة باستخدام قواعد متفاوتة السماكة، كما تظهر التأثيرات الخارجية الجص من العمارة العباسية والقبطية والبيزنطية.
وقد بني في النهاية ما مجموعه ثلاث قباب، وهي سمة مشتركة بين أوائل المساجد في شمال أفريقيا، على الرغم من أن أيا منها قد نجا خلال التجديدات التي لحقت بالأزهر، وسجل المؤرخ المقريزي أنه في القبة الأصلية التي بناها الصقلي كتب فيها “مما أمر ببنائه عبد الله ووليه أبو تميم معدّ الإمام المعز لدين الله أمير المؤمنين، على يد عبده جوهر الكاتب الصقليّ، وذلك في سنة ستين وثلاثمائة”.
المحراب الأصلي
كُشف عن المحراب الأصلي في عام 1933، ولديه شبه قبة فوقه مع عمود من الرخام في كل جانب، وقد كانت الزخارف الجصية المعقدة سمة بارزة في المسجد، كما كانت كل الجدران والمحراب مزينة بالنقوش، وقد كتب على المحراب مجموعتين من الآيات القرآنية المدرجة في قوقعته، والتي لا تزال سليمة، أول مجموعة هي أول ثلاث آيات من سورة المؤمنون وهي “قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ”.
كما تم إضافة الساحة المركزية المعبدة بالرخام بين عامي 1009 و1010، والممرات التي تحيط الفناء لها عارضة مقوسة الشكل مع نقوش جصية، وقد بنيت الأقواس في عهد الحافظ لدين الله من الحلي والجص، وأعيد بناؤها في عام 1891 باستخدام نوعين من الحلي، يظهر أعلى مركز القوس الأول، ويتكون من رونديل غارق والفصوص الأربعة والعشرين.
وفي عام 1893 أضيفت زمرة دائرية من زخارف نباتية، أما الزخرفة الثانية المستخدمة والتي هي ما بين كل قوس، فتتكون من منافذ ضحلة تحت غطاء مخدد تشكل سقف أعمدة متشاركة، وتحيط بها مجموعة من الكتابات القرآنية بالخط الكوفي، والتي أضيفت بعد حكم الحافظ خلال الفترة الفاطمية، وتصدرت الجدران على شكل نجمة مع زينة للشرفة على ثلاث مستويات، أما الممر الجنوبي الشرقي من الفناء فيحتوي على المدخل الرئيسي إلى قاعة الصلاة وبوابة تأطير الفارسي، التي قوس مركزها لها ممر مستطيل تفتح إلى قاعة الصلاة.
الشكل الحالي
وجاء في بوابة الأزهر الإلكترونية وهي الموقع الرسمي للأزهر الشريف، أن مساحة الجامع الأزهر الحالية 12 ألف متر مربع، و للجامع 8 أبواب، ينقسم الأزهر إلى رواقين، الرواق الكبير القديم ويلي الصحن ليمتد من باب الشوام إلى رواق الشراقوة، أما الرواق الجديد والذي أنشأه عبد الرحمن كتخدا فيظهر بعد الرواق القديم ويرتفع عنه نصف ذراع.
وكان للجامع 10 محاريب، تبقّى منها 6 ومنبر واحد، وبالمسجد أكثر من 380 عمودًا من الرخام الجميل، جلبت تيجانها من المعابد المصرية القديمة، وترتكز بعض “البكيات” على أعمدة رخامية بيضاء وعلى أكتاف وعقود.
تعليق واحد