ستات البلد| إجلال السباعي.. رائدة التعليم وعلم الجغرافيا
علم الجغرافيا، هو العلم المتعلق بدراسة وتحليل الظواهر الطبيعة والبشرية وتناول كافة العناصر كالمناخ، والأرض، والجو، وغيرها، لذا يعد من أصعب العلوم في دراسته حتى عصرنا هذا، وعند البحث في التاريخ، وجدنا أن هناك سيدة مصرية فولاذية التفكير والتخطيط، صعدت الجبال وفسرت الظواهر الطبيعية وكشفت العلوم الإنسانية ووضعت الخرائط في كتاب “أطلس البيئات” هي “إجلال السباعي“.
ولازالت سلسة “ستات البلد” مستمرة بالتعاون مع مؤسسة المرأة والذاكرة، لنذكر في هذه الحلقة سيدة استطاعت أن ترسم خريطة حياتها بعلمها وتفوقها في مجال شاق كالجغرافيا، وأصبحت علّم من أعلامه لدرجة أنها غيرت مناهج وألفت كتب عدة.
المرحلة الابتدائية
ولدت إجلال السباعي عام 1926 في القاهرة، وكانت الابنة الكبرى، والتحقت بمراحل التعليم المعتادة في هذه الفترة روضة الأطفال ثلاث سنوات، ثم ابتدائي 4 سنوات، ويليها الثانوية العامة وكانت 5 سنوات حينذاك، أي أن حصيلة التعليم 12 عاما.
وحصلت على الشهادة الابتدائية في مدرسة إنجليزية في جزيرة الروضة، التي نشأت فيها، وكان التركيز على اللغة الإنجليزية في هذه المدرسة كبير جدا، خاصة أنها تتبع إرسالية إنجليزية، كما أنها درست جميع المواد كالحساب والعلوم.
كان والدها من المثقفين المتحررين، مؤمن بتعليم الفتاة إلى أعلى درجات العلم، لذا عندما أتمت إجلال الشهادة الابتدائية أصر والدها على إلحاقها بمدرسة ثانوي، رغم أن أغلبية الفتيات في أسرتها حصلن على شهادة الابتدائية فقط، ليدخل في صراع مع الأسرة بسب رغبته في إلحاق ابنته بمدرسة داخلية ثانوية عامة، نظرًا لأن أغلب المدارس الثانوي –قليلة العدد في حينها – بعيدة عن مسكنها، لذلك فضّل إلحاقها بمدرسة داخلية على أن تستقل مواصلات ذهابًا وإيابا لمدرسة بعيدة عن المنزل.
في مقابلة لها مع مؤسسة المرأة والذاكرة، أجرتها د. رانيا عبدالرحمن في 4 أغسطس في 2003، تحدثت “إجلال” بشغف عن مادة الجغرافيا، وكيف كانت المدرسة ثرية بكافة الأنشطة (الجغرافيا- الأحياء- الخطابة- الشعر- اللغة الإنجليزية)، وتقول:
“اللي أثرت فيا أوي كانت مدرسة الرياضة، رغم إني دخلت أدبي، لكن كانت اتجاهاتي علمية وأحب الرياضة أوي، كنت بأحس إن أنا متفوقة فيها، أحب العلوم، وأنا بأرجع ده مش لمجرد إن أنا بحبهم، لا لأن الطريقة اللي درست بيها تفتح ذهنك وتخليكي تحبي الحاجة بصرف النظر عن هي إيه، ده بالنسبة للثانوي لأن مرحلة ثانوي كانت مرحلة غنية جداً، طرق التدريس، طرق المعاملات ووضع المدارس والحاجات دي”.
ذكريات الاحتلال
عاصرت “إجلال” الاحتلال البريطاني في ذروته وهو ما أثر على شخصيتها، لتحمل منه ذكريات عدة خاصة في مرحلة الثانوية فتتذكر:
“آه ما كنش فيه أمان، وبعدين كان برضة مع ظروف الحرب والغارات، فإحنا كان فيه مخبأ في المدرسة تحت جنينة برة تحت الأرض، ساعة ما تضرب الغارة ونكون نايمين، بمنتهى الهدوء والنظام، المشرفة تقومنا من السراير ننزل نتكلفت بالأرواب، وننزل ومعاها فانوس تدخلنا المخبأ لغاية ما تخلص الغارة نرجع تاني، ونبقى سامعين الضرب والحاجات دي كلها ما هي حرب، فأدى مثلاً ذكريات حلوان”.
كانت دراسة مواد الجغرافيا في الثانوية العامة نشاط إضافي للطالبات للاطلاع وتذوق مادة الجغرافيا، وقد حازت “إجلال” على أعلى درجة في مادة الجغرافيا في الثانوية على مستوي الجمهورية، مما أهلها لدخول قسم الجغرافيا، والذي تتحدث عنه قائلة:
“الجغرافيا دي علم المفروض، مش تحمسا للمادة، لا إنما للحقيقة تضاف للعلوم للمواد العلمية، وهي في الجامعات برة وفى الكليات وفى المدارس تحتسب على إنها مادة علمية، والتاريخ مادة أدبية… فالجغرافيا دي علم اسمها علم العلوم، لأنها بتضم جميع فروع العلم والمعرفة”.
قسم الجغرافيا
من هنا التحقت بقسم الجغرافيا في الجامعة والذي كان عرف حينها بـ”قسم لم ينجح أحد”، تقول “إجلال” ضاحكة: “كل دفعة سنة تانية، لم ينجح أحد دي كانت تنطبق على قسم الجغرافيا، باقول لك في سنة من السنين كان في قسم الجغرافيا، بس ده كان قبل ما أدخله، السنة واقعة مفيهاش تلامذة، كلهم سقطوا، كلهم عادوا السنة، روحنا قسم جغرافيا وزى ما باقول لك كان قسم مستقل لوحده، سنة أولى كنا 11 بنت لأنه كان ساقط من سنة تانية.. تقريبا سنة أنا ما دخلت كان فيه تصافى من السنة دي عشان كده قالوا جغرافيا ايه اللي تدخليها هتسقطي”.
التحقت “إجلال” بكلية التربية عقب تخرجها في قسم جغرافيا لكي تتأهل للتدريس، وسافرت إلى السودان للقيام بأبحاث ميدانية، وحازت على منحة من مؤسسة فورد الأمريكية وسافرت للولايات المتحدة لمدة شهر ونصف، وعملت في البداية بكلية البنات ثم انتقلت إلى مدرسة الأميرة فوزية للعمل كمدرسة جغرافيا.
كانت كلية البنات مدرسة من ابتدائي حتى ثانوي، وكانت عدد مدرسي الجغرافيا قليل جدًا في هذه الفترة بالمدارس الثانوية، لذا تم نقلها من قبل الوزارة بعد عملها بكلية البنات بعامين، لتدرس جغرافيا فقط للثقافة أي الثانوية والبكالوريا، وتم نقلها للعمل بمدرسة الأميرة فوزية في السبتية وهي قاسم أمين حاليًا، كما تقول:
“كانوا مدرسين الجغرافيا ندرة بحيث إن أنا بعد ما اشتغلت في كلية البنات دي قعدت سنتين وجم خدونى من الوزارة المفتشين بتوع المواد الاجتماعية والحاجات دي قالوا لا ما يبقاش عندي واحدة مؤهلة ليسانس جغرافيا وماجستير جغرافيا وأنا عندي عجز في الجغرافيا في مدارس ثانوية، تتنقل، عشان مش حتدرسى إلا جغرافيا بس للثقافة والبكالوريا، السنتين الأخرانيين دول مفيش مدرسين جغرافيا خالص، فاتنقلت روحت مدرسة الأميرة فوزية في السبتية، كان اسمها أيامها الأميرة فوزية، دلوقتي بقى اسمها مدرسة قاسم أمين”.
الزواج والدراسة
تزوجت إجلال السباعي عام 1952 من الدكتور محمد صبحي عبدالحكيم، والذي كان زميلها في الدراسة بداية من الجامعة وحتى حصولها على الماجستير ليعمل هو معيد بالجامعة، وهي بوزارة التربية والتعليم.
وقد تقلد زوجها الدكتور محمد صبحي عبدالحكيم منصب المستشار الثقافي في روسيا، وأقامت إجلال مدرسة هناك وشغلت منصب المديرة، ولدي عودتهما من روسيا، عملت في ديوان الوزارة لدي مركز البحوث التربوية، وأختص عملها بالبحث العلمي في مجال التربية وعلى وجه الأخص في مجال الجغرافيا وتغيير وتعديل المناهج والكتب المدرسية وتقييمها وبلغت منصب مديرة المركز، وكان لها دورا كبيرا في تأليف عدد من المناهج في علم الجغرافيا لتتحدث عن عملها في الوزارة، وتقول:
“أنا كنت من الناس اللي بيألفوا كتب حتى من قبل المركز ده، كانت الوزارة بتعمل كتب عن طريق المسابقات، منهج نزل لسنة كذا، تغيير المناهج، بتعلن الوزارة عن منهج جغرافيا للصف كذا ومواصفاته كذا، اللي عايز يتقدم يكتب، كنا بناخد المواصفات من الوزارة لمستوى سنة إيه، وعايزين مادة إيه تدرس، موضوعات إيه اللي عاوزينها تدرس وبنألف كتاب مجموعة مثلا مش أقل من 2 أو 3، كنت أنا وصبحي واتنين تاني زملاء بنألف الكتاب وفقا للي مطلوب ويتقدم للوزارة، ويكوّنوا في الوزارة لجان بحث تدرسه وتشوف مدى مطابقته للمواصفات دي”.
الاستعمار
كان لها نشاط بارز في العمل السياسي خلال فترة الدراسة عبر المشاركة في إضرابات بقيادة مدرسة التاريخ الرائدة حكمت أبو زيد، واستكملت نشاطها السياسي أثناء مرحلة الجامعة عبر المشاركة في إضرابات ضد الإنجليز، كما تقول:
“كان فيه آه إضرابات، كان اللي بيقودها حكمت أبو زيد، كانت بتدرس لنا تاريخ وكانت وطنية من الطراز الأول، ويسقط الإنجليز، وكانت دايما تلبس فستان أخضر، عشان كان هو ده لون علم مصر، العلم كان أخضر وقتها وفيه الهلال، فكان فستانها الأخضر ده على طول لا يتغير بس كانت ثورجية قوي قوي”.
هكذا كان للاحتلال البريطاني وانخراطها في العمل السياسي من العوامل التي ساهمت في قوة شخصيتها وجعلتها أكثر قدرة على الانخراط في كل ما هو صعب وشاق كمجال مثل مجال علم الجغرافيا.
13 تعليقات