آثار «توت عنخ آمون» تغادر مصر مؤقتًا: معرض ضخم للآثار المصرية في الصين| خاص

تحتفي الصحف الصينية باستعداد مصر لتنظيم معرض أثري ضخم في متحف قصر هونج كونج نهاية عام 2025، يُسلّط الضوء على حياة الملك توت عنخ آمون من خلال إعارة أكثر من 200 قطعة أثرية متنوعة. ويقام المعرض تحت عنوان مؤقت: «توت عنخ آمون وأسرار سقارة»، وتنطلق فعالياته بمشاركة سبع مؤسسات مصرية.

هذا الحدث أثار تساؤلات عديدة حول سياسات الإعارة الأثرية، وجدلية التوفيق بين الترويج الخارجي وخصوصية مقتنيات المتحف المصري الكبير، بالتزامن مع اقتراب افتتاحه رسميا.

معرض عن توت عنخ آمون في الصين

نشرت صحيفة “ذي آرت نيوز بيبر” الثقافية تقريرا يفيد بعزم مصر تنظيم معرض خارجي في نهاية عام 2025 لعرض آثار مصرية في مدينة هونج كونج الصينية. وجاء في التقرير: “ستقوم سبع مؤسسات مصرية بإعارة أكثر من 200 قطعة أثرية إلى متحف قصر هونج كونج في وقت لاحق من هذا العام، في معرض ضخم يركز على الملك توت عنخ آمون، الفرعون الشاب الذي حكم مصر القديمة من نحو 1332 إلى 1323 قبل الميلاد”.

وأضاف التقرير: “من المقرر أن يستمر معرض (توت عنخ آمون وأسرار سقارة)، الذي يُوصف بأنه أكبر وأشمل معرض للكنوز المصرية القديمة في هونج كونج خلال العقود الأخيرة، لمدة تسعة أشهر، من أواخر نوفمبر 2025 حتى أواخر أغسطس 2026”. وأشار إلى أن المتحف المصري في القاهرة ومتحف الأقصر سيقومان بإعارة بعض القطع، فيما لم يُعلن بعد عن أسماء المؤسسات الأخرى المشاركة.

وذكر التقرير بعض القطع التي ستتم إعارتها، منها: “تمثال من الكوارتزيت لتوت عنخ آمون يعود للأسرة الثامنة عشرة (1550-1295 ق.م)، مُعار من المتحف المصري. كما يبرز المعرض اكتشافات أثرية جديدة من مقابر سقارة الكبرى قرب القاهرة، مسلّطا الضوء على الحياة الأسطورية للفرعون الشاب، والتماثيل، والتوابيت، ومومياوات الحيوانات التي تم العثور عليها في سقارة منذ عام 2018”.

بيان رسمي من متحف قصر هونج كونج

نشر الموقع الرسمي لمتحف قصر هونج كونج بيانا رسميا في 13 يناير 2025، أعلن فيه عن مجموعة من المعارض التي سيتم تنظيمها خلال العام. وكشفت هيئة المتاحف في هونج كونج عن خططها التي تتضمن أربعة معارض خاصة وثلاثة معارض مواضيعية، تغطي موضوعات مختلفة مثل ثقافة الطعام في الصين، ومجموعة عسكرية من عهد أسرة تشينغ من متحف القصر في بكين، وحضارات العالم القديم.

وأشار البيان إلى إقامة معرض مصري، جاء فيه: “تلتزم هيئة متاحف هونج كونج بتعزيز التبادل بين الحضارات العالمية، وستفتتح ثلاثة معارض خاصة لعرض حضارات قديمة في عام 2025. من أبرزها المعرض الرائد (توت عنخ آمون وأسرار سقارة) المقرر افتتاحه في نوفمبر 2025.

وجاء في البيان أيضا: “سيكون هذا المعرض الأكبر والأشمل للكنوز المصرية القديمة في هونج كونج خلال العقود الأخيرة، إذ يضم نحو 250 قطعة أثرية مميزة من سبع مؤسسات مصرية، بينها المتحف المصري ومتحف الأقصر. كما يسلط المعرض الضوء على اكتشافات أثرية مهمة من مقابر سقارة الكبرى. وسيستخدم المعرض -الذي سيستمر تسعة أشهر بداية من أواخر نوفمبر القادم- تقنيات رقمية حديثة لعرض القطع الأثرية”.

للاطلاع على البيان الرسمي لمتحف قصر هونج كونج من هنا

معرض رسمي

أكد مصدر مسؤول بالمتحف المصري بالتحرير إقامة المعرض الخارجي في هونج كونج، موضحا أن الإعداد له من اختصاص د. مؤمن عثمان، رئيس قطاع المتاحف بالمجلس الأعلى للآثار، وهو المخوّل بالحديث رسميا.

تواصل «باب مصر» مع د. مؤمن لمعرفة تفاصيل القطع الأثرية التي سيتم إعارتها من مجموعة الملك توت عنخ آمون، وقد رحب بالتعاون، لكن بتنسيق مسبق مع نيفين العارف، المستشار الإعلامي لوزارة السياحة والآثار.

لم نتلق ردا من “العارف” بشأن طلب الحديث مع الدكتور “عثمان”، أو بخصوص الأسئلة المطروحة، ومنها: “كواليس إعداد المعرض، سبب عدم الإعلان الرسمي عنه في مصر حتى الآن، وعدد القطع المعارة من مجموعة توت عنخ آمون، إضافة إلى تفاصيل التنسيق بين الجهات المعنية، خاصة في ضوء بيان مجلس الوزراء الصادر في نوفمبر الماضي والذي نص على عدم تنظيم معارض خارجية لمجموعة توت عنخ آمون”.

كما نشرت القنصلية العامة لجمهورية مصر العربية في هونج كونج ومكاو عبر صفحتها على فيسبوك تفاصيل الإعلان عن المعرض، وكتبت: “يسعدنا أن نشارككم الإعلان الأخير لمتحف قصر هونغ كونغ عن معرضه المصري القديم المرتقب في نوفمبر المقبل، والذي يتوقع أن يكون  الأكبر والأشمل للآثار المصرية في هونغ كونغ خلال العقود الأخيرة، حيث يضم ما يقرب من 250 كنزًا مصريًا قديمًا”.

وقد حاول «باب مصر» التواصل مع القنصلية العامة لجمهورية مصر العربية فى هونج كونج ومكاو عبر الرقم المنشور على صفحتها، للاستفسار عن كواليس الإعداد، لكن دون رد.

معارض متنوعة

يتزامن تنظيم هذا المعرض مع ستة معارض أخرى، وقد أعلن عنها الدكتور لويس نج، مدير متحف هونج كونج للتاريخ والثقافة.

وقال في تصريحات رسمية: “يسرّنا الكشف عن برنامج معارضنا لعام 2025، والذي يعكس التزامنا بإبراز ثراء الفنون والثقافة الصينية، وتعزيز الحوار مع الحضارات العالمية. سنواصل تعاوننا مع مؤسسات مرموقة عالميا لتنظيم معارض من الطراز الرفيع، مستفيدين من مكانة هونج كونج كمركز للتبادل الثقافي الدولي”.

القنصلية العامة لجمهورية مصر العربية فى هونج كونج ومكاو تنشر الاتفاق على إعارة آثار مصرية لمعرض توت عنخ آمون
القنصلية العامة لجمهورية مصر العربية فى هونج كونج ومكاو تنشر الاتفاق على إعارة آثار مصرية لمعرض توت عنخ آمون
لا نُصدر آثار

علق الدكتور حسين عبدالبصير، عالم الآثار المصرية ومدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، على المعرض المزمع إقامته في هونج كونج. وقال لـ«باب مصر»: “تنظيم المعارض الخارجية هو امتداد طبيعي للدور الحضاري والتنويري الذي اضطلعت به مصر على مدى آلاف السنين. نحن لا نُصدر آثارًا، بل نُصدر رسالة ثقافية إنسانية عظيمة تُظهر للعالم الوجه الحقيقي لمصر: أرض الحضارات التي وضعت أسس الفكر، والعلم، والفن، والعدالة”.

وأشار إلى أن المعارض الخارجية ليست مجرد مناسبات دعائية، بل منصات للتواصل الحضاري تسهم في توطيد علاقات مصر السياسية والثقافية والاقتصادية مع الدول والمؤسسات الدولية، وتُعزز من حضورها على الساحة العالمية. كما أنها تنعكس إيجابيًا على حركة السياحة، وتبرز أهمية المتاحف المصرية ودورها الفاعل.

وتابع: “في حال خروج آثار نادرة، فإن ذلك يتم وفق منظومة علمية وفنية شديدة الدقة. لا تُختار أي قطعة إلا بعد مراجعة لجنة متخصصة من علماء الآثار وخبراء الترميم، تراعي الحالة الأثرية، والقيمة الرمزية، والتوازن المتحفي”. واستكمل عالم الآثار المصرية: “تتم الإعارات في إطار اتفاقيات دولية محكمة، تتضمن بنود تأمين صارمة، وإجراءات تغليف ونقل تعتمد على أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا، فهي ليست فقط مبادرات ثقافية، بل مشروعات تعاون دولي قد تثمر عن معارض دائمة، أو دعم فني وتقني في مجالات الترميم، التدريب، أو الأبحاث المشتركة”.

الآثار النادرة

رغم عدم تحديد القطع الأثرية التي سيتم عرضها بالمعرض، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه: هل تتعرض الآثار النادرة للخطر في المعارض الخارجية؟

أجاب د. حسين موضحا: “السؤال مفهوم ومشروع، لكن يجب تصحيح الصورة الذهنية. مصر لا تغامر بتراثها، بل تديره بحرفية عالية. من خلال منظومة وطنية متكاملة، يشرف عليها خبراء الترميم والنقل والتأمين، وكلها وفقا لأعلى المعايير الدولية”.

وتابع: “الدليل العملي أن مصر، خلال أكثر من عشر سنوات من المعارض الدولية. لم تفقد أي قطعة واحدة خرجت بشكل رسمي. وقد ساهمت المعارض في زيادة الاهتمام بالقطع المشاركة، وتمت متابعتها في الخارج بعناية كبيرة. كما خضعت لرعاية دقيقة عند عودتها إلى مصر، لتظل دائما في أفضل حال”.

في المقابل، علق الدكتور عبدالرحيم ريحان، عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة ورئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، على مسألة إعارة الآثار النادرة. يقول لـ«باب مصر»: “أرى أن هذا الأمر مرفوض قطعًا. الآثار النادرة مهما كانت ظروف التأمين فإنها على درجة عالية من الأهمية. لكن ضياع قطعة نادرة لأي سبب في ظل نزاعات وصراعات عالمية واستمرار ما يحدث في غزة، تهدد أمن العالم وبالتالي أمن القطع الأثرية النادرة بالخارج”.

نفي سابق

في نوفمبر 2024، نفى المركز الإعلامي لمجلس الوزراء اعتزام وزارة السياحة والآثار إقامة معرض مؤقت لمقتنيات الملك الذهبي توت عنخ آمون خارج مصر، وتحديدا في اليابان. وبحسب البيان: “تواصل المركز مع وزارة السياحة والآثار، والتي أكدت أنه لا صحة لاعتزام الوزارة إقامة معرض مؤقت لمقتنيات الملك الذهبي توت عنخ آمون في العاصمة اليابانية طوكيو. وشددت الوزارة على أن كنوز الملك توت عنخ آمون ستظل داخل مصر استعداداً لعرضها كاملة بالمتحف المصري الكبير. دون أن تسافر خارج مصر في أي معارض مؤقتة. سواء في اليابان أو في أي دولة أخرى”.

في هذا الصدد، أوضح د. حسين عبدالبصير: “ما صدر عن رئاسة مجلس الوزراء في نوفمبر كان يعكس التوجه العام في تلك اللحظة. وهو إبقاء مجموعة توت عنخ آمون كاملة داخل مصر تمهيدًا لعرضها في المتحف المصري الكبير. وهو توجه وطني يحظى بكل الاحترام”.

وأضاف لـ«باب مصر»: “علينا أن ندرك أن السياسات الثقافية ليست قرارات جامدة. بل أدوات مرنة تدار وفقًا للمعطيات وتراجع دوريًا لتحقيق، فإذا رأت الدولة، بناء على مشاورات علمية، إعارة بعض القطع (دون المساس بالعناصر الأيقونية أو الإخلال بالسرد المتحفي). فإن ذلك قرار سيادي رشيد يراعي المصلحة العامة ويحقق عوائد حضارية واقتصادية وسياسية. يجب أن ننظر إلى الأمور من منظور أشمل. المعرض الخارجي قد يكون رسالة دعائية قوية للمتحف المصري الكبير، لا مجرد إعارة مؤقتة”.

تصريح مدبولي

من جانبه قال د.عبدالرحيم ريحان: “بالفعل، هناك تصريح نشر في 5 نوفمبر 2024 لرئيس مجلس الوزراء د.مصطفى مدبولي بأن كنوز الملك توت عنخ آمون ستظل داخل مصر. وهذا استعدادا لعرضها كاملة بالمتحف المصري الكبير دون سفرها لأي معارض خارجية”.

وتابع: “خصصت  قاعتان في المتحف المصري الكبير، تبلغ مساحة كل منهما 7 آلاف متر مربع، لعرض مجموعة توت عنخ آمون التي تضم 5389 قطعة تعرض لأول مرة في مكان واحد. وقد جمعت من المتحف المصري بالتحرير، ومتحف الأقصر، والمتحف الحربي. هذه القاعات لم تفتح في الافتتاح التجريبي، وستعرض عند الافتتاح الرسمي. لذا نتمنى ألا تخرج أي قطعة منها، خاصة أن العالم سيتعرف عليها كاملة عند الافتتاح”.

مجموعة الملك والمتحف المصري الكبير

يأتي الإعلان الصيني عن المعرض مع اقتراب موعد افتتاح المتحف المصري الكبير. فهل تؤثر إعارة بعض قطع توت عنخ آمون على الافتتاح؟

أجاب د. حسين عبدالبصير: “المتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى للعرض، بل مشروع ثقافي حضاري وطني عالمي. يعكس قدرة مصر على تقديم سرد حضاري متكامل يربط الزائر برحلة الإنسانية في مصر القديمة”. وأضاف: “إعارة بعض القطع بشكل محدود، مدروس ومؤقت، لا تنتقص من قوة المتحف. بل قد تكون جزءًا من استراتيجية الترويج الذكية، خصوصًا إذا ارتبط المعرض الخارجي بحملة إعلامية تمهد للافتتاح المنتظر. أو تسهم في زيادة عدد السائحين عقب افتتاح المتحف”.

وأردف: “المتحف يضم آلاف القطع الأثرية، العديد منها يعرض لأول مرة، ولا تزال هناك مفاجآت ستدهش العالم أجمع. بل إن عودة القطع المعارة في توقيتها المحدد ستمنحنا لحظة دعائية ثانية تعيد الزخم الإعلامي للمتحف وتضفي عليه طابعًا متجددًا”.

تبادل ثقافي

وعن المعارض الخارجية بشكل عام وتصدير الثقافة المصرية، أوضح د.حسين، أن مصر تملك رأسمالًا رمزيًا وثقافيًا لا يضاهى. وهي اليوم تدرك كيفية توظيف هذا التراث في بناء صورتها الدولية، ودعم مصالحها الاقتصادية والسياسية. ولفت إلى أن المعارض الخارجية، والبعثات الأثرية، والتواصل مع المؤسسات العالمية. تعد أذرعا للقوة الناعمة، تعزز مكانة مصر وتعيد كتابة دورها الحضاري الريادي على الساحة العالمية.

فيما قال د.ريحان: “المعارض الخارجية مفيدة، أولًا، هي دعاية طيبة للسياحة المصرية. وقد شاركت في أحد المعارض في برشلونة ورأيت كيف يحتفي العالم بالآثار المصرية، وينفذ لها دعاية كبرى. ثانيًا، هي فرصة للآثاريين للاحتكاك بثقافة الدول، ودراسة كيفية الحفاظ على آثارهم وأحدث نظم عرض في متاحفهم. إلى جانب إلقاء محاضرات عن الحضارة المصرية فهي فرصة طيبة للتبادل الثقافي. وقد قدمت دراسة وافية عن متاحف برشلونة أثناء تواجدي بالمعرض”.

وأضاف: “كذلك توفر هذه المعارض عائدا ماديا لمفتشي الآثار. خاصة في ظل تدنى الرواتب، رغم أنهم مؤتمنون على أغلى ما تمتلكه البلاد. يعانون في ظروف عمل شاقة خلال الحفائر. ولا تتاح لهم فرص للإعارة أو العمل بالخارج، لذا تمثل هذه المعارض فرصة نادرة بالنسبة لهم. فضلا عن ذلك، لا توجد نقابة للآثاريين ترعى مصالحهم أو تطالب بحقوقهم. ولا يحصلون على أبسط الخدمات كالرعاية الصحية الخاصة، رغم توفرها للعاملين بالقطاع السياحي في الوزارة ذاتها. لذلك، فإن العائد المادي من هذه المعارض يعد دعما مهما لهم”.

اقرأ أيضا:

أعلنته اليابان ونفت مصر إقامته.. قصة معرض «توت عنخ آمون وملوك الشمس الذهبية»

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. منفضل اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.