كارم زيدان يكتب: المحب لما يعمل.. المخلص لما يعتقد

«عماد ابن الوزير»، هكذا سمعت عنه ووجدت نفسي أجلس في الفصل بجواره، وبدأت أجمل صداقة لأكثر من نصف قرن. عماد بدر الدين أبو غازي، فتى نحيف ذو شعر مجعد ويبدو أن طباعه وشخصيته مختلفة عن باقي رفاق الفصل، ثائر ورافض لأشياء كثيرة، بعضها مفهوم وبعضها عبيط، لكنه كان في كل الأحوال مختلفا، يتحدث في موضوعات أكبر مما كنا نتحدث فيه، ويستخدم مفردات غريبة عن مفرداتنا في الكلام.

وكان من الواضح تأثير أسرته عليه، فوالده من مثقف مصري بارز، ووزير ثقافة، ووالدته غزيرة المعرفة وفنانة تشكيلية ومربية جليلة، وخال والده المثال محمود مختار، وعمته أمينة مكتبة المتحف المصري، وزوج خالته وزير، وأخواله من كبار رجال الأعمال.

***

ورغم هذا المحيط الأسري “اللي يخض” فتى مثل “حلاتي” قادم من أسرة على قدها، لم يبدو على عماد أي تأثر بمستواه الأسري، بل كان على العكس من ذلك. مما سهل صداقتنا التي استمرت لأكثر من نصف قرن، تبوأ فيها الكثير من المناصب حتى وصل إلى منصب الوزير، ومع ذلك لم يتغير أو يتبدل. في المدرسة كان متفوقا، وكنت مثله، وكان محبوبا من الجميع بما فيهم المدرسون، رغم مجادلته لهم في أمور كثيرة. كان يعترض على بعض الأمور التنظيمية التي كان يراها من وجهة نظره أمورا سلطوية من إدارة المدرسة، مثل بعض مظاهر طابور الصباح. وكان عماد مسالم جدا محبا للجميع.

وبعد أن نجحنا في امتحان الشهادة الثانوية، كان عماد الأول على المدرسة والعبد لله الثاني، ثم التحقنا بجامعة القاهرة. اختار هو دراسة التاريخ في كلية الآداب، رغم مجموعه الكبير، واخترت أنا كلية الإعلام. وظهر نشاط عماد السياسي، وكان يميل لليسار وثائرا على كثير من الأوضاع، وكنا نتقابل داخل حرم الجامعة وتشاركنا في مظاهرات تطالب السادات بالحرب.

***

هذا بخصوص مشوار الدراسة، أما عن الجانب الشخصي في عماد كإنسان، فحدث ولا حرج، فهو نموذج للمثقف المحترم، المحب لما يعمل والمخلص لما يعتقد. أما نوادره فهي كثيرة وأحيانا مضحكة. فمثلا كان يصادق بعض حيوانات حديقة الحيوان ويداوم يوميا على زيارتهم وإطعامهم. وكان نباتيا لا يأكل مثلما نأكل، وكان يفلسف الأشياء ولا يهمه أن تقتنع أو لا، ويستغرب عندما يراك تضحك على بعض أفعاله.

في نهاية هذا الموجز عن عماد، أقول إني فخور بصداقتنا، فهو من أنقى وأطهر مثقفي مصر.

                                                                             زميل دراسة عماد أبو غازي-  يعمل في مصر للطيران.

اقرأ أيضا:


ليلى بهاء الدين تكتب: «كأني عدت إلى المنزل»

ماجد نادر يكتب: «وزير هيمثل معاك؟!»

د. محمد عفيفي يكتب: «عماد أبو غازي» مؤرخًا

بسمة عبد العزيز تكتب: في مَحبة الحضور الهادئ الطاغي

د. سلمى مبارك تكتب: إنسان من الطراز النادر

د. أنور مغيث: مع «عماد»

د. ياسر منجي يكتب: لأنه أبَى إلا أن يكون «عمادًا»

وليد غالي يكتب: «النبيل»

عماد أبو غازي يكتب: السينما في دراسات الوثائق والأرشيف

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر