حديقة «المسلة» تحت التهديد: «عريضة» تطالب بوقف أعمال البناء وصب الخرسانة

بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على التحقيق الذي أجراه «باب مصر» حول الأعمال التي تُنفذ بحديقة المسلة في الزمالك تحت عنوان: «تجريف التربة وطوب خرساني.. ماذا يحدث داخل حديقة «المسلة» التراثية؟»، لا يزال مصير الحديقة غامضا. إذ تتواصل الأعمال الإنشائية باستخدام معدات ثقيلة داخل الحديقة، دون إعلان رسمي عن تفاصيل المشروع. وقد رصدت العديد من الجمعيات المعنية بالتراث مشاكل عدة في الحديقة، مثل الحفر في عدة أماكن، منها اثنان على الضفة الشرقية للحديقة وآخر بجوار الاستديو المتواجد هناك، فضلا عن وضع أساسات لصب الخرسانة.
في هذا الإطار، أطلقت جمعيات المجتمع المدني في منطقة الزمالك عريضة إلكترونية لجمع التوقيعات والمطالبة بعدم تحويل حديقة المسلة بالزمالك إلى منطقة تضم مطاعم. وأشاروا إلى أن “حديقة المسلة التراثية بالزمالك مهددة، حيث ستقوم شركة بتطوير الحديقة وتحويل جزء كبير من مساحتها الخضراء إلى مطاعم ومقاهي وأكشاك”.
أساسات وخرسانة بحديقة المسلة التراثية
نددت نادرة زكي، رئيس مجلس إدارة جمعية تنمية الزمالك، بأعمال البناء المقامة في حديقة المسلة التراثية في منطقة الزمالك. وكشفت في حديثها لـ«باب مصر» أنه تم وضع الأساسات لصب الخرسانة لعدة مطاعم في الحديقة، التي تم إنشاؤها في عصر الخديوي إسماعيل كجزء من حدائق النهر.
واعتبرت أن هذه الإنشاءات تخالف جميع أسس ومعايير التنسيق الحضاري للحفاظ على الحدائق ذات الطابع المعماري المتميز في مصر (قرار 44/09/21/8) والمعتمد من المجلس الأعلى للتخطيط و التنمية العمرانية، الذي يرأسه رئيس مجلس الوزراء.
وطالبت “زكي” رئيس مجلس الوزراء بالتدخل العاجل قبل استكمال أعمال البناء، وتوضيح موقف المشروع من عرضه على المجلس الأعليى للتخطيط والتنمية العمرانية.
توثيق تدهور الحديقة بالقمر الصناعي
وسردت “زكي” لـ«باب مصر» بداية الأزمة التي لحقت بالحديقة والتي ترجع إلى عام 2021، عندما تم إقامة مشروع “العجلة الدوارة – عين القاهرة”، الذي توقف فيما بعد، وترك وراءه أدوات البناء من معدات وطوب في الحديقة. وأضافت: “الحديقة مغلقة منذ ذلك الوقت، وفي عام 2024 بدأنا كجمعية بالتواصل مع جهاز التنسيق الحضاري، وعلمنا أن هناك شركة استثمارية مهتمة ببناء مطاعم بالحديقة”.
وأوضحت أن الجمعية لا تعلم إذا كانت الأعمال ستشمل الحديقة ككل أو جزء منها، وقالت: “كان هناك تواصل بين الشركة وجهاز التنسيق الحضاري للبناء وفقا للدليل الإرشادي للجهاز القومي للتنسيق الحضاري، فيما يخص تطوير الحدائق التراثية، الذي يوصي باستغلال مساحة لا تتجاوز 5% من الحديقة فقط، وعدم المساس بسور الحديقة أو فتحه على الرصيف، مع وقف قطع الأشجار والتوسع في المساحات الخضراء”.
وأشارت زكي إلى أن الصور التي التقطتها الجمعية باستخدام القمر الصناعي تُظهر وجود حفر في مناطق واسعة داخل الحديقة، وتابعت: “منذ منتصف يناير 2025 تفاجئنا بالحفر المستمر في ثلاثة مناطق، ووثقناها بالتصوير من الخارج بسبب منع الدخول”.
أعمال إنشائية بالحديقة
تواصل «باب مصر» مع محمد القرش، المتحدث باسم وزارة الزراعة، للحصول على رد رسمي بشأن أعمال البناء في الحديقة. وقال القرش إن الحديقة تحت مسؤولية الدكتور أحمد حلمي، مدير معهد بحوث البساتين، وبعد التواصل مع الدكتور حلمي، نفى أن الحديقة تقع ضمن مسؤولياته.
تشويه للحديقة التراثية
من جانبها، أوضحت الناشطة نادرة زكي في حديثها أنه رغم الجهود المبذولة من قبلهم، لم يتلقوا أي رد أو توضيح بشأن المشروع الجاري. حيث إن التنسيق تم تقديمه والموافقة على أن اللجنة العليا هي المسؤولة عن الموافقة النهائية. وهذه اللجنة تتبع رئيس مجلس الوزراء، إلا أن المشروع لم يُعرض بعد على اللجنة المعنية. وأضافت أن الجمعية تعتبر ما يحدث تشويهًا للحديقة. خاصة أن جهود المجتمع المدني كانت تهدف إلى التعاون وتحقيق فائدة أكبر للحديقة.
وأكدت على أهمية الحفاظ على الطابع التاريخي للحديقة الذي يعود إلى عهد الخديوي إسماعيل. وأنها جزء من حدائق النهر التي تهتم بها محافظة القاهرة، مثل حديقة الأندلس وحديقة النهر. وشددت على أن الاتجاه الحالي للاستثمار في حدائق الزمالك وضفاف النيل ليس هو الخيار الأمثل. معتبرة أنه من الأفضل الحفاظ على هذه المساحات كجزء من التراث الطبيعي والتاريخي للمدينة.
حدائق النهر
وأكدت “زكي” أن وزارة البيئة كانت حاضرة في مؤتمر المناخ، وأشارت إلى أن العديد من القرارات المتخذة في المشروع تتناقض مع المبادئ التي تم تبنيها في المؤتمر. وطالبت بضرورة وجود مختصين معنيين بالمشروع. مشددة على أهمية مشاركة خبراء في مجال الحدائق التراثية مثل حديقة الأورمان وحديقة الحيوان. حيث تمتلك مصر ثروة من الخبراء في هذا المجال.
وأوضحت “زكي” أن التغييرات التي تتم حاليًا في الحديقة تمس التراث والقيمة التاريخية لها. مشيرة إلى أن الحديقة كانت في الأصل ممشى يربط بين عدة حدائق. كما أن حديقة النهر كانت جزءًا من مجموعة حدائق تمتد من كوبري قصر النيل إلى داخل الزمالك. وأضافت أن الحديقة شهدت تغييرات في السبعينات عندما تم إضافة مسلة وبعض الآثار. ما غير شكل الحديقة جزئيا. ورغم أن السمات العامة للحدائق تتغير مع الزمن. إلا أن التغييرات الحالية تعتبر كبيرة وقد أثرت على الشكل الأساسي لهذه المساحات التاريخية.

مطالب واشتراطات
تعتبر حديقة المسلة بجزيرة الزمالك من أبرز الحدائق التراثية في القاهرة. حيث تقع على ضفاف النيل بين حديقة الأندلس وحدائق النهر على مساحة تقدر بحوالي 5 فدادين. تم إنشاء الحديقة في أواخر القرن الـ19 في عهد الخديوي إسماعيل. وهي جزء مهم من تاريخ مصر الطبيعي والحدائقي.
ومع ذلك، دفعت أعمال الترميم الحالية باستخدام معدات ثقيلة المجتمع المدني إلى المطالبة بتعليق المشروع الجاري من قبل الشركة المسؤولة. حتى يتم مراجعة جميع خطط الترميم من قبل المجلس الأعلى للتخطيط العمراني. مع الالتزام بالقوانين المعمول بها للحفاظ على الحدائق التراثية.
وطالبت جمعيات المجتمع المدني بضرورة تشكيل لجنة مكونة من خبراء الزراعة والحدائق التراثية والترميم والآثار للإشراف على العمل. مع تعيين شركة متخصصة في ترميم الحدائق التراثية لتنفيذ المشروع. أو الرجوع إلى المؤسسات الحكومية المعنية بهذا الملف.
كما أوصت الجمعيات بالالتزام بقانون البيئة، وإجراء دراسات تقييم للأثر البيئي والمروري والاجتماعي، للحفاظ على المساحات الخضراء. وعدم المساس بالمساحات الخضراء في الحديقة، والعناية بالأشجار التراثية. وطالبت بالاحتفاظ بوحدة الحديقة وعدم السماح بالتشوهات التي قد تؤثر على جمالية المكان. وفي حال كان من الضروري إنشاء مباني، يجب أن تكون هذه المباني غير دائمة وذات حجم محدود. بما يتماشى مع معايير التنسيق الحضاري. بالإضافة إلى المطالبة بمنع الأنشطة التجارية والاقتصار على وجود مطعم يخدم رواد الحديقة بشكل لائق.
اقرأ أيضا:
تجريف التربة وطوب خرساني.. ماذا يحدث داخل حديقة «المسلة» التراثية؟