كريم بدر يكتب: السيدة الأنيقة

في بادئ الأمر كنت منبهرا بشدة، ومأخوذا بهذه الفرصة التي أتيحت لي أثناء دراسة الماجستير بالجامعة الفرنسية، فرصة لقاء كل هؤلاء القامات الذين تعلمت منهم. ومن هنا بدأت معرفتي بالعزيزة جدا الدكتورة جليلة القاضي.

في عصرنا الحالي، من الصعب أن تلتقي بكل هؤلاء العلماء عن قرب. في هذه الفترة، وجدت نفسي كالمشاهد الطفل يقف أمام لوحة رافاييل الشهيرة “مدرسة أثينا”، والتي صورها كمكان التقى فيه فلاسفة الإغريق مع فلاسفة العصور الوسطى في تكوين يتوسطه أفلاطون متحدثا مع أرسطو. لوحة تحمل ضمنيا معنى الأكاديمية كما وضعه أرسطو في العالم القديم. على هذا المنحى، التقيت بعظماء الأكاديميين في العصر الحديث بمصر في الدراسة التي كان البروفيسور فكري حسن هو المايسترو المنظم لها، وكان لقائي الأول بجليلة القاضي حين درست منهجا مفصلا في عدة محاضرات طويلة عن ماهية علم التخطيط العمراني وتاريخه والتراث العمراني وتفاصيل وأسس الحفاظ عليه مع دراسة حالة لباريس والقاهرة الخديوية.

***

وفي وسط اهتمامي بالقاهرة الخديوية التي أثارت دائما تساؤلاتي وأثارت مخيلتي نحو تفاصيل الطرز المعمارية وتخطيط شوارعها، زاد اهتمامي بقراءة كتب د. جليلة عن القاهرة الخديوية والتي أضافت الكثير لمعارفي وأبحاثي.

وزاد تعرفي بها وكثرت لقاءاتنا وعرفتها عن قرب على المستوى الشخصي والإنساني، كسيدة راقية وأنيقة، مثقفة من أبناء الجيل الذي كانت الثقافة هي همه الرئيسي وهي أسلوب حياته. تسكن وسط البلد وتتألم بآلام ما حدث للحي العريق وتعمل دائما على الحفاظ على ما تبقى من أصالة وعراقة هذا التراث الجليل.

لا تمل جليلة أبدا من العمل والتفكير فيما يخص الحفاظ على التراث الذي كرست حياتها العلمية والشخصية للدفاع عنه وللإلهام بأهميته. تجمع حولها محبي التراث وتكتب عن القضايا المهمة والمتعلقة بالتراث والثقافة، يستلهم منها محبو التراث هذا الشغف الشديد وهذا الإصرار على المقاومة وهذا الدأب والإصرار على إيصال صوت الثقافة والتراث إلى الجميع.

في تنوع إنتاجها العلمي والأدبي الذي شمل أبحاثا ودراسات وخططا كتبت باللغة الفرنسية والعربية وكذلك الرواية والقصة القصيرة، حرصت أستاذتنا دائما بروح مثقلة بهموم وأوجاع هذا الوطن على أن تنير الطريق لمن حولها.

***

في خضم الأزمات التي تعلقت بمناطق تراثية مهددة بالخطر مثل جبانات القاهرة التاريخية، عملت د. جليلة على نشر أبحاثها عن مقابر القاهرة التاريخية ودراساتها العمرانية والتراثية عن المنطقة، كما قامت بالتحدث عن أهمية المنطقة التاريخية والأثرية والفنية في مقالاتها وأعمالها وكذلك إعادة نشر لأعمالها وأيضا تنظيم عمل بحثي وميداني جديد يتناول الصورة الأحدث للمنطقة التاريخية المهمة.

د. جليلة القاضي تصوير كريم بدر
د. جليلة القاضي تصوير كريم بدر

ولأن أول أسس العمل بالحفاظ على التراث هو نشر الوعي، أرادت أن يعي الجمهور العام من غير المتخصصين أهمية الحفاظ على التراث وقيمته التي يحملها. وفي خلال كل هذا، تطورت علاقتي بدكتورة جليلة إلى مستويات أقرب، تشاركنا فيها العديد من شؤون الثقافة والتراث وكذلك الحديث عن أشياء أخرى مثل السينما والموسيقى وغيرها.

وأخيرا، كان لي الحظ أن أشاركها بعض أعمالي الفوتوغرافية لتنشر في كتابها، هي الأستاذة والصديقة الملهمة والأخت الكبرى.

اقرأ أيضا:

ملف| «جليلة القاضي».. 75 عاما في مواجهة القبح

جليلة القاضي: المتمردة الساخرة

أمنية عبدالبر تكتب: جليلة، أستاذتي وصديقتي

د.داليا الشرقاوي تكتب: علمتني الجرأة في التجوال

جليلة القاضي.. ضد التيار

طارق المري يكتب: الجليلة بنت القاضي

مونيكا حنا تكتب: «جليلة».. مثلي الأعلى

عمرو عصام يكتب: لمصر لا لجليلة

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر