جليلة القاضي.. ضد التيار

من النادر، ليس فقط في مصر بل والخارج أيضا، أن يكون الأكاديمي ناشطا مجتمعيا يساهم لا فحسب في تطبيق أفكاره على أرض الواقع. لكن ليكون الهدف من عمله هو المساهمة الفعالة في تحسين أحوال مجتمعه. وما من شك في أن د.جليلة القاضي هي نموذج مثالي للأكاديمي الملتزم الذي كرس حياته لخدمة مجتمعه. فقد ارتبط انخراطها في العمل الأكاديمي، منذ أربعين عاما، بالحفاظ على التراث المعماري والعمراني للجبانات والأحواش التي تحيط بالقاهرة شرقا تحت سفح جبل المقطم. هذه الجبانات تعود إلى بدايات العصر الإسلامي وتشكل سجلا تاريخيا فريدا متواصلا حتى يومنا هذا.
***
لم تتوان د. جليلة في أي وقت عن الدفاع عن هذا الإرث التاريخي الفريد، متصدية لكل المحاولات التي لا تنتهي لإزالة أو نقل هذه الجبانات، من خلال الصحف والمجلات والميديا المرئية. وفي السعي للتواصل مع المسؤولين لطرح بدائل ووقف أعمال الهدم والتدمير.
وقد توجت هذا النضال مؤخرا بنشر كتابها الذي صدر سابقا بالفرنسية والإنجليزية باللغة العربية بعنوان “جبانة القاهرة التاريخية “، وهو كتاب غير مسبوق، يتضمن توثيقا نادراً بالنصوص والصور والخرائط والرسوم التوضيحية التي تظهر ببراعة القيمة الاستثنائية المعمارية والتاريخية لهذا المكون الفريد من تراث القاهرة التاريخي.
دافعت د. جليلة القاضي، وما زالت تدافع، بحرارة عن القضية التي تبنتها وهي في مقتبل العمل. ويزداد عزمها صلابة وإرادتها قوة مع تكرار ما يهدد هذا التراث المتميز، الذي يمثل ذاكرة الأمة. خاصة في الفترة التي تشكلت فيها معالم مصر الحديثة، إذ تضم في جنباتها مدافن أعلام مصر من أمثال أحمد لطفي السيد وطه حسين، ناهيك عما سبق من فترات محورية في تاريخ القاهرة الاجتماعي والثقافي والسياسي منذ الفتح العربي.
***
مازالت جليلة، كما عرفتها، في عنفوان الشباب، متألقة على صفحات السوشيال ميديا بأسلوبها الساخر ودعاباتها التي لا تخلو من مغزى اجتماعي. تجمع بين الأناقة الفرنسية وروح بنت البلد القاهرية الصميمة، التي لم تتخل عن “وسط البلد “، التي تشكلت في ربوعها مصر الحديثة، محلاً لإقامتها في مصر. مقاومة للتيار الذي ينزح بالمصريين خارج هذه المدينة الخلابة.
ولعنا لا ننسى تصدي د. جليلة القاضي لظاهرة المناطق العشوائية التي تحيط بالمدينة على أراض زراعية غير مسموح بالبناء بها، وهو ما تناولته بالرصد والتحليل في كتابها “التحضر العشوائي”.
ولمن لا يعرفون د.جليلة القاضي، فهي متحدثة لبقة وشخصية اجتماعية بامتياز، وهي أيضا روائية مرموقة تكتب بواقعية سحرية وخيال لا محدود. كما في المجموعة القصصية (2021) «برج الحوت»، التي تروي فيها أن أبوها رفض زواجها من أخطبوط بدواعي اللزوجة. وكانت قد قدمت من قبل، في 2010 مجموعة قصصية بعنوان «البوركيني» في مناوشة مع زي السباحة “الإسلامي”. وهكذا تشتبك د. جليلة القاضي مع قضايا المجتمع بفهم أكاديمي عميق، والتزام مجتمعي صارم، وروح مرحة وثابة و”دم خفيف”.
اقرأ أيضا:
ملف| «جليلة القاضي».. 75 عاما في مواجهة القبح
جليلة القاضي: المتمردة الساخرة
أمنية عبدالبر تكتب: جليلة، أستاذتي وصديقتي
د.داليا الشرقاوي تكتب: علمتني الجرأة في التجوال
طارق المري يكتب: الجليلة بنت القاضي