حوار| «عادل سعد»: ثلاثية «الأسايطة» تمثل التاريخ الشعبي لأسيوط
نشأ في مدينة أسيوط، فتأثر بما عاصره بها من مغامرات حقيقية مع أبطال أشهر القصص في الصعيد، مثل «الخط» و«شفيقة ومتولي»، والجماعات المتطرفة. على مدار عام كامل من المرض والمعاناة، عاش الكاتب والصحفي «عادل سعد» تجربة استثنائية مليئة بالصمت والتأمل. ورغم ثقل الآلام، وجد في الكتابة ملاذا وحياة، أثمر ذلك عن عدد من الأعمال الأدبية التي تضاف إلى مسيرته الإبداعية، وتوجت بفوزه بجائزة «الطيب صالح».. في هذا الحوار يفتح لنا سعد قلبه للتعرف على تجربته الإنسانية والأدبية والصحفية.
-
كيف أثرت نشأتك في أسيوط على رؤيتك الإبداعية سواء في الأدب أو الصحافة؟
قضيت طفولتي وحتى مرحلة الشباب في أسيوط. كان لدي مواهب عديدة، مثل الرسم حيث كنت أزين جدران مدرستي، وكنت لاعب تنس طاولة شهير. كنا فقراء وقتها، لكني كنت أشعر أنني أمتلك العالم كله.
عاصرت وكنت شاهدًا على الكثير من الأحداث هنا في الصعيد بالذات. قابلت وتعاملت مع العديد من الشخصيات، وأحزن كثيًرا عند رؤية تزييف تاريخ بعضهم أو السخرية منه، كما فعل الفنان عادل أمام عندما جسد شخصية “خط الصعيد” الشهيرة، والذي بالمناسبة كان “هاشم” نجله أحد أصدقائي، وهو الآن تاجر فاكهة شهير. وأتذكر نواح “فضة” والدته في جنازة الخط وهي تقول: “يا حليوة يا أشقر.. يا أبو عيون زرق”. فقد كانت هذه ملامحه الحقيقة. لذا فقد كتبت تاريخ الشخصيات وسجلتها كما هي، مثل قصص الجماعات المتطرفة سواء الإسلامية أو المسيحية، كما رأيتها في الحقيقة. وأعتقد أن هذا كان بسبب تأثير البيئة على تكوين شخصيتي وإقامتي في محافظة أسيوط.
-
يظهر في ثلاثية «الأسايطة» ميل واضح لما يعرف بالكتابة التاريخية. كيف ترى ذلك؟
تتحدث رواية “الأسايطة” عن مدينة تضم بداخلها خمسة ملايين من البشر، عبر 200 سنة. وهي تأريخ للمدينة منذ حكم محمد علي باشا الكبير، وحتى ثورة يناير. فهي بمثابة تاريخ غير رسمي لمدينة أسيوط، وقصدت أن أسجل خلالها التاريخ الشعبي للمدينة، لذلك كان أبطالها سكان المدينة الشعبيين مثل “خالتي بطة الحشاشة، وعم عقروبة، وأبو مسلم الحرامي”. أما الحكام مثل فاروق وعبد الناصر والسادات، فقد كانوا على الهامش.
-
مررت بعام صعب، إذ تعرضت لأزمة صحية كبيرة، ما الذي حدث؟
بالفعل، كان عام 2024 هو الأسوأ في حياتي، فقد تعرضت لأربعة جلطات قاتلة وخلل في العصب السابع، وقد تعجب طبيبي من أنني ما زلت أقف على قدمي. مكثت شهورا أصارع الموت في غرف الإنعاش، وأصبت بشلل نصفي، حتى أن الرؤية أصابها الخلل وعدم الاتزان وفقدت السمع، والتواء الفم الذي أصابني بصعوبة في التحدث وتناول الطعام.
في كثير من الأوقات كنت أتمنى الموت، لكن الأجل لم يحن بعد. بعدها جاء التعافي ولله الحمد، وغمرتني محبة الأصدقاء في هذه المحنة، الذين زاروني من داخل مصر وخارجها. والحمد لله أنا اليوم أقرأ وأكتب وأجري.
-
كيف قاومت هذه الحالة بالكتابة؟
عشت عاما كاملا من الصمت، كنت أكتب حتى لا أموت، وأنجزت حتى لا أصاب بالجنون أربع روايات جديدة وهي: رواية بعنوان “سفر الموتى” تدور أحداثها عن قرية يهاجمها مجموعة من الأموات، ورواية عن سيرة حياة زعيم التكفير والهجرة “شكري مصطفى” الذي مر على إعدامه الآن 50 عامًا.
أما المفاجأة، فهي روايتي التي تناولت فيها قصة صديقنا الشاعر والقصاص الراحل “كمال سليم” الذي تم اعتقاله وسجنه سنوات طويلة، قضاها ما بين المعتقل ومستشفى الأمراض العقلية. فقد عثرت على أوراقه عن السجن والمستشفى. أما الرواية الأخيرة، فقد تناولت التقلبات في عالم الصحافة، وهي بعنوان “موت الورقة”. هذا بجانب مجموعة قصصية.
-
فازت روايتك «الكحكح» بجائزة الطيب صالح. كان أبطالها سيدات بعمر الـ85، هل حبك للحياة وتمسكك بها هو السبب لكتابة تلك الرواية التي تدعو إلى حب الحياة؟
«الكحكح» هي باكورة عودتي للحياة، ويطلق على المرأة إذا تجاوزت الـ58 عاما ووفقا للسان العرب “الكحكح”. وتتناول الرواية حياة 6 سيدات مما يطلق عليهن “الكحكح”، بسبب تجاهل العالم لوجودهن. يقررن مقاطعة العالم، ومواصلة الحياة لكن بشروطهن. وجاءت الأبلة أنعام، مدرسة المسرح والغناء، بفكرة الاجتماع اليومي. حيث اقترحت أن تستضيف كل واحدة منهن الأخريات يومًا في الأسبوع. هي أيضًا من أخبرتهن بفكرة العلاج والتداوي بالمسرح.
تمزج الرواية ما بين المسرح والسرد، لا أحد يختار في الحياة، لكنهن اكتشفن أنفسهن. “على الخشبة، ممكن أن تصير الممثلة مومسا أو ملكة أو رجلا”، وفي السنوات الأخيرة من العمر يبدو العالم بلا جدوى، لكن إحداهن توافق على الزواج وعمرها 95 عاما وحبيبها 97 عاما. وهناك أخرى تجرب أن تكون متسولة في الشارع، حتى تجرب مشاعر المتسولات، لكنها لم تكن تتخيل أن متسولات الشارع اللائي قابلتهن من المحترفات يعرفنها من زمان.
-
لماذا قلت إن الاتكاء على التاريخ وأحداثه «إفلاس»؟
هل نترك ما يجري في غزة ونحاسب المماليك؟ أم نغمض أعيننا عما جرى في سوريا من حكم عائلة الأسد، ونعيش في زمن أحمد بن طولون؟ هل سننتظر ثلاثمائة سنة لتناقش الروايات مشاكلنا؟
-
وما الذي ينقص حياتنا الأدبية من وجهة نظرك؟
ينقصنا طه حسين آخر، وسلامة موسى جديد، كما ينقصنا الناقد الواعي القادر على الفرز، في ظل فوضى الانفجار الروائي الذي تشهده الساحة الأدبية في مصر، حيث أصبح معظم النقاد الآن أساتذة جامعات. وهم منشغلون أكثر من النقد بترقياتهم أو بالسفر إلى دول الخليج. وأصبحت الكتابة عن أي عمل بشكل نقدي تعتمد بشكل كبير على الصداقات. وكانت هناك محاولة جادة من قبل الدكتور “مصطفى الضبع”، لكنه سافر للسعودية قبل أن تكتمل، والباقي اجتهادات فردية، وظهرت مؤخرا مراكز عديدة للسرد وصالونات أدبية، أرجو أن تقوم بدورها.
-
كيف ترى تجربتك كرئيس لمركز الهلال للتراث؟
مع الأسف كانت تجربة محزنة، فقد ختمت عملي في مجال الصحافة بإنشاء مركز الهلال للتراث، ومن خلاله حققت دار الهلال أرباحًا هائلة، وفشلت جهات كثيرة خارج مصر وداخلها في تقليده، حتى فوجئت بقرار إبعادي. ووافقت مجبرا وحزينا. وأتذكر حين صعد لي مسؤول الأمن بالدار كي يتسلم مفتاح المكتب، أعطيته 200 مفتاح لكافة مكاتب دار الهلال بكل هدوء وانصرفت.
بعد رحيلي، تكبدت الدار خسائر كبيرة، وحاولوا إصدار عدد أو اثنين واستبدلوا الرؤساء، لكن دون جدوى. وأعتقد أنه تم إغلاق هذه الإصدارات اليوم. لكني أشعر بالحزن كلما مررت بجوار دار الهلال.
-
هل أنت نادم على هذه التجربة، وهل أفادك العمل بالصحافة في رؤيتك الأدبية؟
لا داعي للندم، فقد قررت بعدها أن أتفرغ لنفسي. الصحافة كمهنة ساعدتني للتعرف على مناطق خفية من حياة الناس وأحوال الوطن، وتلك ذخيرة عامرة، وعرف الأدب كثيرا تجارب للصحفيين مثل (سومرست موم كان صحافيا وهيمنجواي)، لكن لغة الأدب موضوع مختلف تماما عن لغة الكتابة للصحافة.
تقريبا أنا لا أكتب من الخيال، لا بد من الاستناد إلى الواقع. قديما كتب علاء الديب رحمه الله أن روايتي “رمضان المسيحي”، التي تناقش قضية المصريين الذين يغيرون ديانتهم للحصول على الجنسية، “هذا تحقيق صحفي كبير”. وقلت أن نصف الرواية حقيقي والنصف الآخر خيال، لكنه لم يستطع التفرقة بين الاثنين.
-
إذا طُلب منك سيرة ذاتية، أي مراحل العمر تحب التركيز عليها؟ وما هي نصيحتك للمبدعين الشبان في الرواية؟
سنوات التشرد في الشوارع استفدت منها كثيرا، ونصيحتي للشباب أن يكتبوا أنفسهم بلا خجل.
-
هل تخطط لأعمال قادمة؟
رأسي الآن فارغ، بعد عام من صراعات المرض، وعدم القدرة على القراءة، أقوم حاليا باستكمال أعمال بدأتها منذ فترة طويلة.
اقرأ أيضا:
حوار| «أحمد عطا الله»: التراث الغنائي المصري يحمي نفسه بنفسه