في وداع «سيد ركابي».. رحيل الحارس الأمين لـ«الفن الجعفري»

غيب الموت منذ أيام الفنان سيد ركابي، أحد أشهر فناني محافظة أسوان في التغني بأغنيات «الفن الجعفري». يُعد ركابي من الفنانين القلائل الذين حافظوا على التراث الجنوبي المصري، وارتبط اسمه طوال مسيرته الفنية بحفظ وتوثيق فن الكف الأسواني والنميم والواو.

الفن الجعفري

ولد الفنان سيد ركابي في قرية الجعافرة، أقصي جنوب الصعيد، بمحافظة أسوان. تعلم الفن الجعفري على يد “أبو الأمين” و”الليثي”، و”رشاد” و”أبو درويش. كان “ركابي” يهتم بحفظ التراث الجعفري القديم، الذي كان يتميز به جنوب مصر، ويشمل هذا الفن النميم، والكف، والواو، كما سطره الركابي على أنغام السلم الخماسي.

كان «ركابي» يعتمد على نماذج معينة من الشعر العربي، مثل النميم الذي أبدع فيه. حيث كانت له شراكات متعددة وتجارب مختلفة، محليا ودوليا. سجل، منذ انضمامه في العشرينات من عمره، إلى المركز المصري للثقافة والفنون، عددا كبيرا من تسجيلات التراث الشعبي الجعفري. منها أغنية “نعناع الجنينة” التي غناها بتلحين صوتي وكأنها تُلحن بآلة موسيقية مختلفة، و”بتناديني تاني ليه”، التي مازالت تُغني حتى الآن في دار الأوبرا المصرية، كما غنى “أنا جعفري”، “صلوا عليه”، “وشوشة الودع”، “الجمال”، و”الحنة الليلة” وهي تُغنَى في الأفراح بالصعيد، مزيج بين الجعفري والنوبي، مثل “دهبه، و”عايق”.

تميز «ركابي» بمزجه للغناء الجعفري الشعبي مع المقامات الموسيقية الشرقية والغناء النوبي، لقربه من النوبيين وفهمه ثقافتهم ولغتهم، ويعتبر فن ارتجال بالدرجة الأولي.

تسجيل التراث

يقول أحمد مغربي، مدير المركز المصري للثقافة والفنون: “سيد ركابي هو أول من ساهم مع المركز في تسجيل التراث الشعبي الجعفري في أسوان. وهو من الحفظة الجيدين للتراث والمتعمقين لهذا المأثور الشعبي الجميل. ولم يكتف ركابي بذلك بل ساعدنا على التسجيل في التراث النوبي القريب جغرافيا منه”.

ويحكي مدير المركز المصري لـ«باب مصر- قبلي»، أنه تعرف على أبو الأمين ثم سيد ركابي الذي كان أصغرهم سنًا. فساعدنا في عملية التسجيل والبحث في التراث الجعفري بالقرية، مثل غناء الأفراح والأعراس وفن النميم.

ويكمل مغربي: أنشأنا “فرقة الجعافرة” في عام 2003، بعد تأسيس المركز المصري للثقافة والفنون في 2002. وذلك لتقديم تراث القبائل العربية في جنوب مصر بكل أشكاله وتفاصيله، وخصوصا في أسوان.

النرويج وفرنسا

وغنى سيد ركابي من خلال “فرقة الجعافرة” التراث الجعفري خارج مصر في النرويج وفرنسا، كما قدمه داخل مصر في القاهرة وجميع المحافظات. قدم المركز المصري سيد ركابي في النرويج، حيث مزج فيها سيد الغناء الجعفري مع الغناء والتراث النرويجي. ويشير “مغربي” إلى أن الفنان الراحل كان له شراكات متعددة وتجارب مختلفة مع ثقافات متنوعة. حيث غنى مع الغجر، وفي شمال أوروبا، والبدو في جنوب الصحراء الكبرى.

ونوه مدير المركز بأن سيد من حفظة التراث الثقال في الجنوب، حيث كان ينقله كما هو دون تحريف، قبل وفاته. كما أثر “ركابي” في محيطه وتأثر به. حيث كان يخرج بفرقته إلى الأفراح ليقدم هذا النوع من الفن بين القرى المختلفة في أسوان وإسنا وغيرها. وأصبحت فرقة الجعافرة من خلال ركابي محل اهتمام في الجنوب، وكانت مثالا ليخطو بعض الشباب على خطاه، مثل “بشير” الذي بدأ في جمع وغناء التراث الجعفري. ولكن لم يصل بعد للمرحلة التي وصل لها ركابي.

ويضيف مغربي: “البيئة التي نشأ فيها ركابي كانت خصبة للتراث. وشكلت وجدانه وأحاسيسه أثناء حفظه للتراث الجنوبي، الذي يعد الهوية والونس لهم من شقاء العمل في الزراعة والحصول على لقمة العيش. لذلك غنوا للحصاد، وللحزن، والفرح، والمولود، والطهور، وغيرها”.

التراث من الجد

تعلم سيد الكثير من كلمات التراث التي غناها على يد جده وجدته في المنزل. ثم تعرف على أبو الأمين ورشاد وأبو درويش الذين شجعوه كثيرًا لصغر سنه. وأطلقوا عليه النابغة لجمال صوته في مساحات الفضاء المفتوح.

انتقل ركابي إلى القاهرة وشارك في فرقة الريس علي كوباني في أفراح كثيرة في حي عابدين. حيث حاول فيها إحياء التراث الجعفري، وسافر مع المركز المصري إلى النرويج وألمانيا وفرنسا والكثير من دول آسيا لينشر الفن الجعفري. ويمزج بينه وبين الثقافات الأخرى. كما غنى مع الفنان البرين، المشهور في الصعيد، وحسن جازولي، وجمالات شيحة، وفاطمة سرحان، ويوسف شتا، وفتحي الهواري.

وأشار مدير المركز المصري إلى أن أغنية “نعناع الجنينة” حققت شهرة كبيرة وواسعة له، وكانت لونا مختلفا قدم على ساحة الغناء لمصري، فأقبل عليها الجمهور كثيرًا. واختتم حديثه عن الفنان الراحل بقوله: “كان ركابي يخشى على اختفاء هذا النوع من الفن قبل وفاته، لذلك حرص على تقديم الكثير منه، وعلم “يونس” حفظ بعض أبيات التراث الجعفري، وخصوصًا المتعلق بالكف والنميم”.

اقرأ أيضا:

«سباق الهجن».. تاريخ وتراث أبناء المساوية في إسنا

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر