أعلنته اليابان ونفت مصر إقامته.. قصة معرض «توت عنخ آمون وملوك الشمس الذهبية»
نفت وزارة السياحة والآثار إقامة معرض مؤقت لمقتنيات الملك الذهبي توت عنخ آمون في العاصمة اليابانية طوكيو، بعد جدل استمر لمدة شهرين منذ إعلان بعض المواقع الإخبارية اليابانية عن تنظيم معرض بعنوان «توت عنخ آمون وملوك الشمس الذهبية» في العاصمة اليابانية في سبتمبر الماضي، وقد تم تدشين موقع رسمي لحجز التذاكر والإعلان عن مكان المعرض، مما آثار العديد من التساؤلات حول سبب الإعلان عنه من الطرف الياباني، خاصة في ظل نفي مصر إعارة مجموعة الملك خارج البلاد.
دعاية اليابان لمعرض توت عنخ آمون
ترجع بداية الجدل إلى الإعلان عن المعرض وترويج المواقع الإخبارية اليابانية لإقامة معرض مؤقت في طوكيو لقطع مُختارة من مجموعة الملك توت عنخ آمون. وقد تم تدشين موقع رسمي للمعرض في 3 أكتوبر 2024، للترويج وحجز التذاكر، تحت عنوان: «توت عنخ آمون وملوك الشمس الذهبية»، وتضمن الموقع معلومات عن مكان العرض، وهي قاعة “أرياك – جيمكس”، مشيرا إلى أن هذه المجموعة هي مجموعة المتحف المصري. واعتبر الموقع المعرض الأول من نوعه في العالم، حيث سيصل 140 قطعة من أعظم كنوز مصر إلى اليابان.
لكن من خلال بحث «باب مصر» عن اسم القاعة “أرياك – جيمكس”، لم يذكر الموقع الرسمي للقاعة، تنظيم معرض أثري بها خلال عام 2024 أو 2025.
وذكر الموقع الياباني أن المعرض منقسم لـ3 أجزاء: متحفي، تجاري (من خلال إقامة بازار)، وتعليمي، مع عرض 140 كنزًا مصريًا قديمًا، بما في ذلك ما يقرب من 50 قطعة مثل أدوات الدفن والحلي والأثاث التي تم إخراجها من مقبرة الملك توت عنخ آمون، من ضمنها العربة الملكية. أما حقوق النشر، فيذكر الموقع أنها تابعة لـ«اللجنة التنفيذية لمعرض توت عنخ آمون وملوك الشمس الذهبية»، ويمكن زيارة الموقع الدعائي من هنا.
حاول «باب مصر» التواصل مع اللجنة المنظمة للمعرض عبر البريد الإلكتروني الموضح بالموقع “info@tutankhamun-ex.jp”، لمعرفة سبب تدشين الموقع والإعلان عن المعرض رغم نفي الحكومة المصرية عقده في طوكيو أو أي بلد آخر، لكن لم يتم الرد لمدة تزيد عن أسبوعين.
إعلان مشبوه وتورط مسؤولين باليابان
بعد ذلك، نشرت صحيفة “نيوز بوست سيفين” اليابانية تقريرا توضح فيه وجود اتصالات مشبوهة وأزمات مالية واضطرابات قد تشوه اسم عائلة ميكاسا الإمبراطورية والملكة أكيكو. وأشارت الصحيفة إلى أن اليابان تشهد اضطرابات تورطت فيها العائلة الحاكمة على خلفية تنظيم معرض مقتنيات الملك توت عنخ آمون. مع دعوات لإعادة النظر في الهيكل الإداري للمنظمة المسؤولة عن المعرض بسبب الاضطرابات التي نشأت.
وأوضح التقرير أن أحد المشاركين في تنظيم المعرض أكد أن الضغوط تتزايد من أجل اتخاذ إجراءات عاجلة بشأن هذا المعرض بعدما تحول من عرض أثري مميز إلى جدل حول مبالغ مالية كبيرة في اليابان.
مصر تنفي إقامة المعرض باليابان
في مطلع نوفمبر الجاري، أصدر المركز الإعلامي لمجلس الوزراء بيانا رسميا، يوضح فيه موقف وزارة السياحة والآثار من إعارة مجموعة الملك توت عنخ آمون الأثرية لليابان. وأكدت الوزارة في بيانها أنها تتابع باهتمام الأخبار المتداولة، وأنها غير صحيحة. وأشارت الوزارة إلى أنه لا توجد أي خطط لإقامة معرض لمقتنيات الملك الذهبي في اليابان أو في أي دولة أخرى. وأن ما يتم نشره بالصحف اليابانية غير حقيقي.
وأكد البيان أن كنوز الملك توت عنخ آمون ستظل في مصر، حيث يتم الإعداد لعرضها بالكامل في المتحف المصري الكبير. ومن المقرر افتتاحه قريبا ليكون منصة لعرض هذه الكنوز الفرعونية القيمة. دون أن تُنقل هذه المقتنيات في معارض مؤقتة إلى الخارج. كما أضافت الوزارة أنه لم تحدث مفاوضات أو مناقشات بين المجلس الأعلى للآثار أو أي جهة مع مؤسسات خارجية بشأن إقامة معارض لهذه المقتنيات في اليابان أو أي مكان آخر.
تفسير الموقف
لمحاولة فهم سبب الإعلان عن المعرض في اليابان، تواصل «باب مصر» مع الدكتور زاهي حواس، عالم المصريات، وبعد تحديد موعد للحديث، لم يتم الرد مجددا.
أما الدكتورة مونيكا حنا، عالمة المصريات، فلم تجد تفسيرا لهذا الموقف. وقالت لـ«باب مصر»: “لا نعلم إذا كان الإعلان خاطئا من الجانب الياباني أم كان هناك معرض مقرر. ثم تغيرت الأمور بشكل مفاجئ بعد حدوث مشكلات أو اختلافات بين الأطراف المعنية حول تنظيمه”.
وأضافت: “قانون الآثار المصري يحظر خروج القطع الأثرية إلى الخارج، خاصة الفريدة وغير المكررة، وربما يكون هذا هو السبب وراء توقف المشروع بشكل كامل. لكن غياب الشفافية حول تفاصيل المعرض هو ما أثار العديد من التساؤلات”.
وعبّرت عن قلقها من أن الأخبار المتعلقة بالمعارض المصرية لا تُنقل بشكل كافٍ، وغالبًا ما تصل إليها المعلومات من الصحف الأجنبية. وتستكمل: “هناك ضرورة لزيادة الشفافية في إدارة هذه المعارض”. وأضافت: “نثق في وزارة الآثار لإدارة الآثار المصرية، لكن في النهاية فالآثار لا تخص وزارة أو جهة فقط، بل هي ملك للشعب المصري. وبالتالي يجب أن يكون هناك وضوح في كيفية التعامل مع هذه الكنوز التاريخية”.
معرض تجريبي ثلاثي الأبعاد
بالتزامن مع الإعلان عن هذا المعرض، أعلنت اليابان عن معرض آخر حقيقي. وهو تجريبي باستخدام التقنية ثلاثية الأبعاد، بعنوان «لغز توت عنخ آمون: معرض مصر القديمة القائم على التجربة». وسيقام في متحف توت عنخ آمون بمدينة “يوكوهاما ميناتو ميراي”، بدءا من 13 ديسمبر 2024.
يعد المعرض باستخدام تقنية ثلاثية الأبعاد، دون عرض آثار حقيقية، ليتيح للزوار استكشاف الحضارة المصرية القديمة بطريقة جديدة ومتطورة. وهو استكمال للمعرض السابق “شباب توت عنخ آمون”، الذي أقيم في متحف كادوكاوا موساشينو في عام 2023. تحت إشراف عالم الآثار شوتا كاواي، الذي يشغل منصب أستاذ مشارك في معهد الدراسات المتقدمة بجامعة ناغوي.
وعن التقنية المستخدمة، تعاون فريق العمل مع مشروع “WORLD SCAN PROJECT” الذي يتخصص في مسح وتحويل الآثار القديمة إلى نسخ رقمية ثلاثية الأبعاد. المدير التكنولوجي ياسوماسا إيتشيكاوا الذي أنشأ نسخة ثلاثية الأبعاد للأهرامات المصرية باستخدام تقنيات المسح الحديثة. وهو يعمل على أرشفة المواقع التراثية العالمية. بالإضافة إلى ذلك، قام إيتشيكاوا بزيارة المتحف المصري في القاهرة للحصول على بيانات دقيقة من خلال مسح قناع توت عنخ آمون العرش الذهبي. والعديد من القطع الأثرية الأخرى، بهدف عرضها في المعرض باستخدام تقنية 3DCG.
اليابان وكنوز الملك المصري
ترجع بداية اهتمام اليابان بالآثار إلى 21 أغسطس 1965، حينها كانت اليابان في ذروة نموها الاقتصادي. وشهد متحف طوكيو الوطني (توهاكو) في حي أوينو ازدحاماً غير مسبوق أمام معرض “توت عنخ آمون”. على الرغم من الرياح القوية والأمطار الغزيرة. وشكل نحو 1200 شخص طابوراً طويلاً أمام المتحف قبل افتتاح المعرض في الساعة التاسعة صباحًا.
كانت هذه بداية فعاليات الآثار المصرية في اليابان. حيث عرض المعرض 45 قطعة من الكنوز المصرية القديمة التي حملت قصة الحضارة الفرعونية وتاريخ الملك توت عنخ آمون. ومن أبرز القطع المعروضة في المعرض كان القناع الذهبي الشهير. وتصف الصحف اليابانية كواليس اليوم: “كان الزوار يتدفقون بشكل متواصل أمام القناع الذهبي، في مشهد يشبه الطواف حول رمز ديني. كانوا يتوقفون مرارًا للاستماع للشرح عبر سماعات الأذن. كما تم توفير مترجمين فوريين لتفسير القطع الأثرية”.
وتوافد أكثر من 1.29 مليون شخص على المعرض خلال فترة امتدت لـ51 يومًا. في وقت كانت فيه الرحلات إلى الخارج ليست بالأمر السهل. مما جعل زيارة هذا المعرض تجربة فريدة من نوعها بالنسبة لليابانيين. وبعد تسع سنوات، في عام 1974، عاد متحف طوكيو الوطني لاستقبال عدد أكبر من الزوار في حدث آخر شهد نفس الاهتمام والازدحام.