الأزمات تهدد «قصر الفيوم»: مخطط تدمير الثقافة في الأقاليم

حالة من القلق تسود بين المثقفين والفنانين إثر توقف الأنشطة بقصر ثقافة الفيوم منذ إبريل عام 2021 بسبب أعمال التجديد، التي لم تظهر بوادرها حتى الآن. كما أن إلزام استخراج الفاتورة الإلكترونية لكل نشاط أدبي من محاضرات وندوات أصبح عبئا إضافيا يسهم في تفاقم الوضع الثقافي بالمحافظة.

النشاط الثقافي خارج الخدمة

يقول القاص والناقد عصام الدين الزهيري، رئيس نادي الأدب المركزي في الفيوم: “تعطيل قصر ثقافة الفيوم بحجة إصلاحه هو عمل عبثي من وجهة نظر الكثيرين في الفيوم، لأن قصر الثقافة قبل إغلاقه كان في حالة لا بأس بها، وكان بإمكانه العمل لسنوات قادمة غير محدودة. لكننا نسلم – بقليل من الارتياح – لرأي الخبرة الهندسية، والمشكلة أنه وكالعادة لم يهتم أحد بإطلاع رواد القصر ومثقفي الفيوم بما يدل على أن اختصاصيين هندسيين رأوا أن القصر في حالة تستدعي التجديد. فالقرار الثقافي كما يعلم الجميع ولا شك هو قرار مركزي يتخذ على نطاق ضيق وفي غيبة الرأي العام والمثقفين والرقابة الإعلامية”.

وتابع: “من الممكن ألا يؤثر خروج فصر الثقافة من الخدمة لفترة مؤقتة، ولو طالت لسنوات، على النشاط الثقافي، ولكن هذا في ظل وجود بدائل صالحة للاستخدام، مثل المكتبة العامة للنشاط الأبي والثقافي ومسرح مجلس المدينة للنشاط الفني والمسرحي، على سبيل المثال. لكن التعطيل إلى درجة إيقاف وإعدام كل نشاط ثقافي جاد في الفيوم نابع من طبيعة الإدارة الثقافية التي لا تمتلك رؤية لوضع الثقافة في مجتمعنا، كما لا تمتلك فلسفة لإدارتها. فالأنشطة الثقافية أصبحت تدار تقريبا وبشكل كلي عن طريق المختصين بالثقافة في الأجهزة الأمنية، في غيبة تامة للإدارة الثقافية، ومع تنحية الكوادر الثقافية ذات الخبرة والفعالية والقدرة في الفيوم”.

مناخ طارد للفكر

يكمل الزهيري: “أصبح المناخ الثقافي مناخا معدما وشبه بوليسي طاردا للفكر والرؤى، لأنه لا يخفى على خبير أو غير خبير أنه لا إبداع بدون حرية، إذ تعد حرية الفكر والإبداع هي أول شروط إنتاجه. كما أن أجواء الحظر والقمع والرقابة والمصادرة تؤدي إلى فرار المثقفين إلى أجواء مواقع التواصل الأكثر حرية ورحابة وحفاوة بالإبداع باختلافه وتفرده وبالحوار الأدبي والفكري والثقافي الراقي والخلاق”.

وفيما يخص الفاتورة الإلكترونية يقول الزهيري: “من جهة أخرى، أدى تعميم قرار وزارة المالية بخصوص استخدام الفواتير الالكترونية إلى الإجهاز على ما تبقى من أنشطة أدبية وثقافية، والحكاية هي أن الأدباء يتقاضون ما يسمى “مكافأة” نظير ما يلقونه من محاضرات أو ما يقدموه من ندوات، لكنه ليس في الحقيقة مكافأة بأي معنى، إنما هو بدل انتقال بسيط لا يتعدى مبلغ 80 جنيها بعد خصم الضريبة. واستجابة للقرار، طالبت هيئة قصور الثقافة كل أعضاء الجمعيات العمومية لنوادي الأدب بعمل فواتير إلكترونية ليصرف لهم هذا البدل البسيط”.

واستطرد، كان المطلب في غاية الغرابة والشذوذ، لأن الأديب الذي يتقاضى 80 جنيها مخصومة ضرائبها من المنبع لم يجد حاجة ولا معنى لاستخراج فاتورة إلكترونية ببطاقة ضريبية كي تحاسبه الضرائب على ما يتقاضاه من بدل بسيط لمرة ثانية أو ثالثة أو رابعة، من يدري..!!، ولأن البدل البسيط لا يمكن أن يعد أجرا أو مكافأة تستحق المحاسبة الضريبية بالطبع.

على كل حال، تعثر النشاط الثقافي في الفيوم نتيجة تعطيل عمل قصر الثقافة بدون سبب معروف، ثم بسبب هيمنة الجهل الثقافي والتطرف الديني، ثم بسبب العقبة المالية والفاتورة الإلكترونية. وكما يبدو بعد الحوار والمداولة مع قيادات الهيئة، أصبح النشاط الثقافي خارج الخدمة لحين ورود إشعار آخر.

مخطط لهدم الثقافة

يقول الفنان محمود عبدالمعطي، مخرج مسرحي وممثل بفرقة الفيوم القومية للمسرح: “توقف نشاط قصر ثقافة الفيوم انعكس بالسلب على جميع الفرق والفنانين. حيث تجرى البروفات والتدريبات لجميع الفرق بالمكتبة العامة، وهي بالطبع لا تستوعب نشاط ما يقرب من 15 فرقة تابعة للقصر. أما العروض المسرحية فيتم عرضها على مسرح مجلس مدينة الفيوم، وهو لا يصلح على الإطلاق للعروض الفنية والمسرحية. حيث إنه أقرب ما يكون إلى قاعة مخصصة للاجتماعات. وهو ما يظلم العروض المسرحية بالفيوم في المسابقات والمنافسات مع فرق المحافظات الأخرى”.

وتابع: “حال الثقافة بالفيوم لا يختلف عن حال الثقافة في باقي المحافظات، وأرى أنه مخطط لهدم الثقافة. هل من المعقول طلب الفاتورة الإلكترونية عن أي مبالغ تحفيزية  لا تتجاوز غالبا 80 جنيها من ولي أمر الطفل الذي يرتاد الأماكن الثقافية ويشارك في فرقها مثل فرق كورال الأطفال ومسرح الطفل وغيرها؟!! هذا المبلغ لا يكفي حتى انتقالات الطفل، مما يزيد العبء على أولياء الأمور”.

ويوضح، جميعنا نعلم أن الأنشطة الثقافية والفنية من الرفاهيات بالنسبة لقطاع كبير من الأسر بالمجتمع المصري وخاصة في الأقاليم. لذا، لا يجد أولياء الأمور أمامهم سوى منع أطفالهم من الذهاب، والتركيز على مصروفاتهم الدراسية والحياتية. وهو ما انعكس على نشاط الفرق. فهناك فرق توقفت بالكامل عن العمل، وانسحب الكثير من الأطفال من ممارسة الأنشطة. وحتى على مستوى الفرق الكبيرة والمتعاقدين أيضًا. حيث يتكلف استخراج الفاتورة الإلكترونية ما يقرب من 2000 جنيه. وأنا بصفة شخصية ولمشكلة ما في بطاقتي الضريبية. لم أستطع الحصول على أجري ومستحقاتي المالية عن التمثيل أو الإخراج أو كتابة الأشعار عن 7 عروض مسرحية على مدار 6 سنوات بسبب هذا النظام. حيث تم إضافة أجري على الفاتورة الضريبية دون مراعاة أي من المشاكل التي قد نواجهها.

الحد الأدنى

يكمل عبدالمعطي: “المثير للاستهجان أننا نتحدث عن مبالغ مالية بسيطة للغاية. حيث إن ما يتقاضاه أي من الفنانين بعد أي عرض مسرحي، يستغرق بروفات وانتقالات لشهور، مبلغ مالي لا يتعدى في النهاية الـ350جنيها. ويطالب الفنان بتقديم فاتورة ضريبية تفوق تكلفة استخراجها هذا المبلغ. لذلك، نطالب بالحد الأدنى للضريبة، لأنه من المفترض أن الثقافة جهة خدمية معفاة من الضرائب، نظرا لما تقدمه من خدمات ثقافية.

لكن الواقع غير ذلك، حيث يتم خصم ضريبة من ميزانيات جميع الأنشطة والعروض المسرحية تصل أحيانا إلى 40% من المنبع لجهة سيادية لا نعلم ما هي، بجانب فرض ضريبة أخرى علينا كممارسين للنشاط. حتى وصلت الضريبة إلى الحافز البسيط الذي يعتبر تشجيعا للأطفال والشباب.

فقد توقفت جميع مستحقات العاملين في هذا المجال، وهو أكبر خطأ قد يؤدي إلى هدم الثقافة في مصر. وهو ما تظهر بوادره حيث لا يتقدم أحد للاشتراك في فرق المسرح والتمثيل. بالإضافة إلى أن هناك جيلا كاملا يتم القضاء عليه بتلك الممارسات. ولا يجد رواد الحركة الفنية والثقافية من الشباب إلا الجامعات ومؤسسات وزارة والشباب والرياضة لممارسة أنشطتهم الفنية. وذلك لأنها جهات أسهل في التعامل، حيث تعطيهم أي حوافز مالية دون تعقيدات.

 توقف الأنشطة

يقول الفنان حسين محمود، أحد أعضاء فرقة الفيوم القومية المسرحية، وكان أحد أفراد فرقة الإنشاد الديني لقصر ثقافة الفيوم: “غلق قصر الثقافة جعل الأنشطة تكاد تكون متوقفة. إذ لم تعد تقام حفلات بالشكل المرضي. وأصبحت المكتبة العامة المكان الوحيد المتاح والمتوفر أمام الفرق لعمل البروفات. وذلك بالرغم من أنه لا يوجد بها سوى قاعة واحدة تصلح لعمل تلك البروفات، وفي فصل الشتاء فقط. حيث إنها صعبة للغاية في فصل الصيف بسبب عدم وجود تهوية كافية أو مراوح أو أجهزة تكييف. وهو ما لا يستطيع أفراد الفرق تحمله. حيث قد يصل عدد أعضاء بعض الفرق إلى أكثر من 30 فرد بالفرقة الواحدة”.

وتابع: “هناك أزمة كبيرة، نحن كفناني الثقافة، سواء في فرق المسرح أو الفرق الغنائية، لا نتقاضى غير مبالغ ضئيلة للغاية، تصل إلى 600 جنيه لمن هم على الشرائح الأعلى، والمطلوب منا عمل بطاقة ضريبية، ثم حساب بنكي وفاتورة إلكترونية تتكلف ما بين 2000 إلى 2500 جنيه لصرف هذا المبلغ الضئيل”.

مضيفًا، “أرى أنه يمكن تطبيق ذلك على المتعاقدين. أما غير المتعاقدين فما يصرف لهم يعد حافزا أو مصروف جيب لشرب كوب شاي واحد أثناء البروفات، وليس بأجر يستحق الضريبة. وقد ينظر البعض إلى أن تلك المبالغ على أنها ضئيلة لا تستحق الكلام عنها والمطالبة بها. لكن لدينا أطفال وطلاب يسعدون ويفرحون بتلك المبالغ الزهيدة. وقد انعكس تأثير هذا التصرف على العديد من أصحاب المواهب من الأطفال والشباب. حيث لم يعد يأتي الكثير منهم، ونبحث على مواهب كي تشارك في النشاط بصعوبة بالغة. والخلاصة أن الثقافة لم تعد الآن عامل جذب، للأولاد بل أصبحت طاردة”.

فرار المثقفين من الندوات

تقول إحدى موظفات فرع ثقافة الفيوم- رفضت ذكر اسمها-: “تسبب القرار الخاص بضرورة أن يكون لدى المستحق لصرف مبلغ مالي نظير المشاركة في نشاط ثقافي بطاقة ضريبية في عزوف الكثير من مثقفي المحافظة عن المشاركة. ممن كانوا يقدمون ندوات ومحاضرات ثقافية. لاسيما الخاصة بنوادي الأدب، والتي كان مخصصا لها من 200 إلى 250 كأجر للمحاضر”.

تابعت: “بعد قرار الهيئة بعدم مطالبة موظفي الثقافة بهذه الفاتورة في حالة قيامهم بالندوات. أصبحوا هم من يقومون بدور المثقفين والأدباء والمتخصصين. فهل يعقل ذلك؟ على الرغم من أن المخصصات المالية لتلك الندوات. وما يخص صرف الحوافز للعاملين في الفرق والأنشطة الثقافية يتعدى الـ50 ألف جنيه سنويا تعود لميزانية الوزارة”.

حل المشكلة

تواصل «باب مصر» مع الكاتب محمد ناصف، القائم بأعمال رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، والذي قال: “في البداية، أنوه بأن هناك العديد من المواقع الثقافية يتم تجديدها. وسيتم افتتاح بعضها قريبا خلال شهر أو شهرين. أما بالنسبة لقصر ثقافة الفيوم وغيرها من المواقع الأخرى التي يتم تجديدها، فنحن نسعى للانتهاء منها”.

وتابع: “يعمل الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، بكل جدية في هذا الموضوع الخاص بقصور الثقافة من خلال توفير مصدرين هامين. الأول هو البحث وتوفير الجهات الداعمة والشريكة لوزارة الثقافة في عملية الإحلال والتجديد لقصور الثقافة. والثاني العمل وفق الميزانيات الخاصة بالوزارة والمتاحة. وفي كلا الحالتين العمل مستمر، وسيتم توفير الدعم اللازم لقصر ثقافة الفيوم وغيره من المواقع الثقافية الأخرى بشكل سريع في الفترة المقبلة”.

أما من ناحية الأنشطة الثقافية بالفيوم، فهي تسير بشكل طبيعي. سواء على مسرح مجلس مدينة الفيوم، أو من خلال المكتبة العامة. بجانب المعارض والأسابيع الثقافية والندوات والمسابقات واتحاد كتاب الفيوم وبني سويف، وهناك أخبار سارة في وقت قريب عن قصر ثقافة الفيوم.

وعن الفاتورة الإلكترونية قال ناصف: “على كل المتعاقدين مع الهيئة تقديمها وعمل ملف ضريبي. أما الأشخاص الذين يتعاملون مع الفروع الثقافية دون تعاقدات. ويستحقون ما ذكر من مصروف الجيب أو الحافز، بالإضافة لما يستحقه الكتاب والأدباء والمثقفين. نظير ما يقيمون به من محاضرات أو ندوات داخل الفروع الثقافية المختلفة. فإنه يتم الآن التواصل بين وزير الثقافة ووزير المالية لحل تلك المشكلة. ويجب أن يعلم الجميع أن تلك سياسة مالية عامة يجب على الجميع الالتزام بها. كما أن وزير الثقافة يبذل جهدًا كبيرا لحل تلك المشكلة قريبًا”.

اقرأ أيضا:

التشكيلي هشام عبدالمعطي: بدايتي كانت «حرامي صابون»!

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر