«ستموت في العشرين»: الموت والحياة بين أمجد أبو العلاء وحمور زيادة

يذخر تاريخ السينما العالمية والمصرية بأفلام عدة عن الموت والفناء، مثل فيلم برجمان والذي يواجه فيه الموت ويقف أمامه وجها لوجه (برجمان- الختم السابع)، والتعاطي مع فكرة موت الأبناء أو احتمالية / انتظار موتهم (تيرانس مالك- شجرة الحياة، ونانّي موريتي- غرفة الابن، ويوسف شاهين- اليوم السادس، وأمجد أبوالعلاء- ستموت في العشرين). وكذلك الموت والجوائح، مثل الطاعون والكوليرا (برجمان وشاهين). ومن الأفلام الحديثة عن مسألة الموت والحرب (بلاجوف – شجرة اللبلاب)، والموت الاختياري أو الموت انتحارا كما نراه في فيلم كياروستامي (طعم الكرز) رغم تعارضه مع المعتقدات الدينية في بلده إيران. والموت والخرافة في فيلم “للحب قصة أخيرة” للمخرج رأفت الميهي.

فيلم «ستموت في العشرين» هو الفيلم الروائي الطويل الأول لمخرجه السوداني أمجد أبوالعلاء، صدر في عام 2019، ومقتبس عن قصة بعنوان «النوم عند قدمي الجبل» للكاتب حمور زيادة. فاز الفيلم بجائزة أسد المستقبل – جائزة لويجي دى لورنتيس، في مسابقة آفاق في الدورة 76 لمهرجان فينتسيا/ البندقية السينمائي الدولي. السيناريو لأمجد أبوالعلاء بالاشتراك مع يوسف إبراهيم والتصوير لسيباستيان جوبفيرت.

***

يقدم الفيلم قصة مُزَمّل (معتصم راشد طفلا ومصطفى شحادة مراهقاً وشاباً)، الطفل الوليد الذي أخذه والداه إلى الشيخ الصوفي كي يباركه، ولكن بدلا عن ذلك نسمع النبوءة التي ستزلزل كيان الأسرة الصغيرة بأن الوليد سيموت عندما يبلغ العشرين.

يطلعنا المشهد الافتتاحي والتأسيسي للفيلم، الذي يستغرق أربع دقائق وثمان ثواني، على الكثير مما سيساعدنا على الفهم والتفسير. تطلعنا اللقطة الأولى من المشهد على جمل نافق في يسار مقدمة الكادر، يقف طائر على أرجل الجمل الخلفية، ثم تبدأ الشخصيات في الظهور في مؤخرة الكادر ونرى رجلًا وامرأة تحمل رضيعاً، ثم جمهرة من النساء والرجال تسير وراءهم.

يظهر في منتصف الكادر بناء لضريح ذي شكل مخروطي، ثم مجموعة من الرجال ترتدي الجلابيب الخضراء المطعمة بقطع حمراء على الأكتاف والظهر، وعلم أحمر يرفرف. تقترب الجمهرة وفي مقدمتها المرأة حاملة الطفل الرضيع. نكتشف أن مجموعة الرجال هذه هم جماعة اتباع ومجاذيب من الصوفية تصاحب الشيخ الصوفي خليفة الشيخ أبوعاقلة، وتترنم باسم النبي محمد ﷺ تتقدم السيدة/ سكينة (إسلام مبارك) إلى الشيخ الجالس وتقدم وليدها ” مُزَمّل” كي يباركه، وبالموازاة نسمع الترانيم.

***

يحمله الشيخ ويحنكه، ثم يأتي دور الدرويش وعملية العد الدائرة التي تنتهي مع العدد عشرين وسقوط المجذوب أرضا. كل هذا نراه في صورة دائرة طقسية مفعمة بالحركة والألوان والموسيقى والتراتيل. “أمر الله نافذ يا بنتي”، هكذا يخبر الشيخ سكينة أم مُزَمّل، فتعود أدراجها والدائرة وراءها وتلقي عليها نظرة أخيرة، ثم يأتي القطع.

إن حبكة الفيلم، التي يطلعنا عليها المشهد السابق، توجهنا نحو فكرة الموت المحدد سلفاً عبر نبوءة لها علاقة بالموروث الديني والثقافي. وعلى الرغم من معرفة جميع البشر بحتمية الموت إلا أنه نادرا ما تصبح نبوءة الموت بهذا القدر من الوضوح. فطبيعة النبوءة أنها غامضة، ملتبسة، تمنح أملاً أو تمنعه عبر كلمات مُقَنّعة بالخفة والرشاقة، وقابلة للتفسير على أوجه عدة.

يكشف لنا الفيلم عن قرية فقيرة ذات بيئة بدائية تقليدية، تعيش مزيجًا من الموروثات ذات الطابع الديني والخرافي تؤثر في حياة وسلوك أهل القرية. وبينما لا يفسر الفيلم لماذا تذهب سكينة بالطفل إلى الشيخ الصوفي ليباركه، فيبدو الأمر وكأنه عادة اعتاد عليها أهل القرية، في حين أن قصة حمور زيادة تفسر هذا الأمر بأن كرامات الشيخ أبي عاقلة هي السبب في حمل سكينة في  “مُزَمّل”، هذا الحمل الذي طلبته سكينة زمانا من أولياء الله.

***

إن طقس المباركة والتحنيك الذي يقوم به الشيخ خليفة الشيخ أبي عاقلة وكما يصوره لنا “أبوالعلاء” يحتوي على عدد كبير من التقنيات الطقسية مثل الرمز والإيقاع والصوت والألوان والأداء الحركي التي تعبر عن غموض الحياة ونواميس الكون والوجود، وتعمل على إيقاظ المشاعر المقدسة.

والمفترض أنه بفضل الطقوس تتمكن الجماعات من الحفاظ على تماسكها ووحدتها، ويتمكن الفرد من إيجاد حلول لمشاكله الذاتية بربطها بمشاهد جماعية تجعله يقوى على مجابهتها. إن ماوس Mauss يقدم لنا الطقس بوصفه “مجموعة من الأفعال التقليدية المؤثرة التي تمس الأشياء التي تعد في نظر البعض مقدسة”. ومفهوم “القداسة” يبدو هو الأرجح لما يضيفه من فعالية وقدرة خلاقة على كافة الطقوس ، فيصبح منبعاً خصباً لقدرة لا تعرف الفناء، فمن خلاله تصبح كافة عناصر الطقس وسيلة للتقرب من المجهول وكشف المستور وتبرير الأحداث والمواقف التي تكتنف حياة البشر. وعلى عكس كل الأفلام التي تروي لنا حكاية البطل ورحلته مع الحياة ليفوز ويعود بالغنيمة في النهاية، يحكي لنا فيلم “ستموت في العشرين” حكاية الموت، موت المُزمّل حيًا بناء على نبوءة الشيخ.

***

يستمر الفصل الأول تقوده سكينة/ الأم بعد سفر الأب (طلال عفيفي) أو هروبه. ترتدي السواد والطفل مازال حياً، فهي تمارس طقوس الموت في صمت، تحتفظ بالطفل مُزَمّل داخل المنزل الفقير الخالي من أي مظهر من مظاهر الحياة، ويتحول المنزل إلى مقبرة تضم أحياء يتنفسون على استحياء. وتمارس سكينة ما مارسه الدرويش المجذوب ولكن بطريقة أخرى، وهي إحصاء الأيام المتبقية للمُزَمّل على قيد الحياة.

غرفة من الطين يدخلها بالكاد شعاع من الضوء أو تنيرها أضواء صناعية خافتة أو شموع، وهو أسلوب سائد لمدير التصوير والمخرج الذي يبتعد عن الإضاءة المبهرة إلا في مشاهد النهار الخارجي، وهو أمر تمليه طبيعة المكان الصحراوية. ويستخدم مدير التصوير هنا تقنية  Chiaroscuro أو ثنائيات الجلاء والعتمة التي تميزت بها لوحات فناني عصر النهضة من أمثال رمبرانت أو كرافاجيو أو دافينشي، التي تعتمد على نمط إضاءة منخفضة Low Key Light، وتعتمد على التباين ما بين الألوان ودرجات نصوعها أو ما بين الظل و النور لتحديد الكتل والأجسام و إظهارها على نحو حاد يعمق إحساس التوتر الدرامي داخل المشاهد واللقطات، خاصة في مشاهد نقش سكينة لسنين عمر مُزمّل على جدران القبو المعتم، ومثيلاتها في مشاهد صراع “ونيس” مع أمه في فيلم المومياء، للمخرج شادي عبدالسلام ومدير التصوير عبدالعزيز فهمي، داخل قبو أو حجرة مظلمة  وفق نمط التصوير نفسه.

***

وفي حين يسلم أبوالعلاء القيادة للأم سكينة في الفيلم منذ المشهد الافتتاحي بحملها للطفل وسيرها إلى جوار زوجها في طريقهما إلى الشيخ الصوفي ليبارك الطفل، ثم بعد ذلك حين يهرب الزوج من مواجهة هذا المصير المظلم للابن، يؤسس سرديته على غياب الأب بكل ما تحمله من عوامل نفسية ومن عوامل قهر مجتمعية. نرى النور حسين/ الأب في قصة حمور زيادة حاضرًا وبقوة ولكن هل اختلفت النتيجة؟

“والده، ذات مغرب، نظر إليه في مجلسه صامتًا. راقبه طويلا وهو يشرب الشاي باللبن ويأكل البسكويت. كانوا في مجلسهم اليومي بحوش البيت. قال النور حسين ببطء: “يا سكينة الولد لازم له شئ يفعله غير البقاء في حضنك”- (النوم عند قدمي الجبل ص12).

تسمح سكينة للمُزَمّل، بعد أن أقنعها شيخ الجامع ورجال القرية، بالذهاب للشيخ عبدالقادر ليحفظ القران. وهناك نرى نعيمة طفلة للمرة الأولى، ونرى الصبية الصغار الذين يسخرون من مُزَمّل وينعتونه بأنه “ود موت”، أي ابن موت. ويتفاقم الأمر بقيامهم بطقس دفن للمُزَمّل وهو على قيد الحياة داخل صندوق حديدي كبير يغلقونه عليه كالتابوت بعد أن جردوه من ملابسه ودهنوا جسمه بالرماد ولم يعبأوا بصراخه. محاكاة طقسية كاملة لطقس الدفن ويبزغ الصوت الوحيد لا نواحًا ولا عويلًا لاستكمال الطقس ولكن اعتراضًا وخوفًا من الدفن حيا.

***

يؤدي شريط الصوت دورا هاما في التأكيد على مصير مُزَمّل، حيث يرتل أحد الصبية آية من سورة التكاثر: “ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر”. ويتكرر هذا الأمر أكثر من مرة، ويتكرر معه التأكيد على المزج بين ما هو ديني وبين ما هو ثقافي، وطقسي، وخرافي.

ويقفز المخرج بالزمن، وندخل في الفصل الثاني، ليظهر مُزَمّل بعد حادثة الصندوق شاباً يافعاً مازال يحفظ القرآن ويرتله بقرائتين ويعمل في دكان عيسى فقيري، ولكننا نراه هو وأمه سكينة في طريقهما إلى مقر الشيخ الصوفي خليفة الشيخ أبوعاقلة بحثاً عن طمأنة أو نبوءة جديدة تنسخ القديمة.

ولكن يظل الحال على ما هو عليه، فخليفة الشيخ غير موجود والمشهد بأكمله مختلف. فبدلا من المشهد الخارجي وجمهرة المريدين والدراويش والمجاذيب، نرى مكانا مغلقاً و”شيخا” لم يتعدَ منتصف العمر لا يجيب على سؤال مُزَمّل، ولكن يحاول إقناعه بالبقاء معهم مع إشارة إلى مثلية “الشيخ” ونضوج مُزَمّل الجسدي. ويثير هذا المشهد عدة تساؤلات، خصوصًا أنه لم يأت بأي مشهد آخر ينفي أو يؤيد؛ ولكن يبدو أنها إحدى الطرق أو الوسائل التي يدين بها “أبوالعلاء” الطرق الصوفية وممارساتها دون أن تكون الإدانة مكررة أو صريحة.

***

ونعود إلى القرية، حيث يسيطر الفقر والبدائية على المشهد. ولكننا ننطلق من داخل دكان عيسى فقيري إلى مرحلة العامل الحفاز (Snyder 2005) Catalyst، ويرسل عيسى مُزَمّل إلى سليمان (محمود السراج) ليبدأ مُزَمّل رحلة جديدة في عالم سليمان المليء بكل ماهو جديد وغريب وعجيب. ونمر في منزل سليمان بمرحلة اللهو والمرح Fun and games مع فتح الغرفة المسحورة التي كانت عصيَّة على الفتح، والتي يحتفظ سليمان بكل ذكرياته فيها، ماكينة العرض السينمائي وصور الفنانين ونجاتيف الأفلام سينمائية.

وتكمن مشكلة مُزَمّل في أنه لا يستطيع ترك عالمه الأول وراءه لينغمس تماماً في عالم سليمان، وطقس العبور هنا هو طقس غير مكتمل، وبالتالي سيستمر مُزَمّل في المراوحة بين عالمه القديم وعالمه الجديد الذي اكتسبه لدى سليمان.

تعلم مُزَمّل الحساب وأشياء أخرى أكثر أهمية، تعلم كيف يعيش الآخرون الحياة، وأن الحياة أبعد من قريته وأمه وأبيه الغائب، أبعد من حفظ القرآن وتلاوته بقرائتين مختلفتين. حياة أبعد حتى من نعيمة، بطلة القصة الفرعية التي يظل فيها  مُزَمّل على الهامش إلى أن تختفي نعيمة ذاتها بحكم التقاليد وعجز مُزَمّل المرتبط بنبوءة الموت.

حمور زيادة
حمور زيادة

يبتعد أبوالعلاء عن شخصية الحاج سليمان، في قصة حمور زيادة، السائق الذي كان يعمل في العاصمة في شركة الأسمدة وقد تغرَّب عن القرية أربعين سنة وعرف أمورًا لم يعرفوها. “فإن حدثهم هو عن مميزات السيارة الهليمان كابورليه، لم يميزوها عن اللوري الهوستن! ولم يعرفوا سيارة الأوستن موريس 1100 التي كان يفضلها المدير الإنجليزي، ويعدها أفضل السيارات. أما فنادق الجراند هوتيل وإكسلسيور، التي دخلها مع موظفي الشركة، فهي مجهولة لديهم كجهلهم بما وراء القمر” – (النوم عند قدمي الجبل ص27).

***

ويرسم “أبوالعلاء” شخصية جديدة لسليمان فقط، بدون حاج، شخصية تتناص مع شخصيته بوصفه سينمائيًا وتتناص مع يوسف شاهين وأفلامه الذاتية، بل وتحمل الإحالات النصية التي نراها ممثلة في مشاهد فيلم باب الحديد لشاهين والفيلم السوداني الخرطوم.

يقول أبوالعلاء في لقاء تليفزيوني: “إن مُزمل عكس طفولته في موضع آخر بالفيلم؛ حيث رأى أول شعاع لضوء بروجكتور يعرض أفلام سينمائية في السودان في منزل خاله القادم من السعودية، ولأن الأخير لم يستطع تشغيل الصوت، شعر أبوالعلاء بتماهي ما مع السينما الصامتة، لذا أصر على عرض مشاهد الفيلم المصري “باب الحديد” 1958 للمخرج المصري يوسف شاهين، أو مشاهد الفيلم السوداني “الخرطوم ” للمخرج السوداني جاد الله جبارة، دون صوت، مسترجعا أولى ذكريات  طفولته وهو يتعرف على السينما لأول مرة في حياته، لتتقاطع ذكريات و هواجس “أبوالعلاء ” و”المُزَمّل” في هذين المشهدين”.

ويعود شريط الصوت ليلعب دوراً مهما في منزل سليمان بدءا من الراديو الذي يذيع أغنية عبد الوهاب “لأ مش أنا اللي أبكي”، لنلاحظ أننا في مرحلة منتصف الفيلم، وفيها يبدو البطل إما في أفضل حالاته وهي قمة زائفة، وإمّا في أقصى حالات الانهيار، وهو أيضا انهيار زائف، فالانهيار هنا نابع من الخسارة التامة، يخسر فيها مُزَمّل كل من سليمان بعد الجدال وطرد سليمان له من منزله، ويخسر نعيمة (بونا خالد) بخطبتها للطيب. وعلى الرغم من ذلك من المفترض أن تتحسن أحواله من الآن فصاعدا.

***

يختم مُزَمّل القرآن في احتفال يحضره معظم أهل القرية، وبعدها يرى نفسه في حلم صامت كما لو كان المسيح يرقد على رجلي سكينة، شبيهة مريم، ووراءهما المبنى المخروطي الذي تنبأ عنده الشيخ الصوفي ودرويشه بموته في العشرين. إن تماهي مُزَمّل بالسيد المسيح يحمل مجموعة من الدلالات، أولها تأثره بالقصة القرآنية للسيد المسيح، وقد رتلها في مشهد من المشاهد، ورؤيته للظلم الذي حل بأمه سكينة بعد هروب الأب، وبالتالي رآها في صورة السيدة مريم العذراء التي فقدت ابنها في سن صغيرة، وكذلك في صورته عن نفسه بوصفه قريباً من الله بعد حفظه للقرآن كاملاً.

يعود النور حسين أبو مُزَمّل لنعرف أننا قاربنا على نهاية العام التاسع عشر لمُزَمّل، ويبدأ الوالدان التحضير معًا لطقوس الوفاة والدفن، فتنتهي سكينة من حياكة الكفن وتهديه امرأة عجوز نبات الصندل الذي كانت قد ادخرته لنفسها، ولكن على حد قولها “أنت أولى”، وتدق مجموعة من نساء القرية الأعشاب في باحة المنزل استعداداً للتكفين. وعلى الجانب الآخر نرى بشكل مواز طقوس الشروع في زواج نعيمة من الطيب، أحد الصبية الذين دفنوا مُزَمّل حياً في الصندوق. وجدير بالذكر أن طقوس الموت/ الدفن والزواج تتشابه إلى حد كبير في عدد من الحضارات القديمة.

تذهب سكينة بصحبة امرأة عجوز وأرنب صغير إلى طقس زار وسط مجموعة من النساء. وهنا تتداخل الطقوس وتتابع، الدفن، الزواج، الزار. ثم نرى رؤية لسكينة وهي ترى نفسها متشحة بالسواد يحيط بها مجموعة من الدراويش يرتدون الأبيض والطربوش الأحمر، وجوههم مستورة، وهي الوحيدة التي انكشف وجهها. تصور هذه اللقطة تماهيا من نوع آخر بين سكينة ومُزَمّل، فهي كما لو كانت قد ارتقت إلى السماء بديلا عن الابن.

***

تتلاحق الأحداث، فيذهب النور وسكينة لاختيار قبر للمُزَمّل. مُزَمّل يحاول الانتحار غرقا بعد زواج نعيمة. يفيق مُزَمّل في مرحلة عودة الأشرار Bad Guys Close in، حيث نرى مشهد موكب الدراويش في النهر بعد موت سليمان ونرى الدرويش المتنبئ ينظر كما لو كان الموعد أزف. يتناص هذا المشهد بصريا مع مشاهد من أفلام المخرج اليوناني “ثيو أنجولوبوليس” خاصة ثلاثيته The Weeping Meadow.

نعرف أن سليمان قد دفن في قبر مُزَمّل. وتقول سكينة عن مجيئي الدراويش: “يمكن شايلين البشارة والعفو”! يجبر مُزَمّل امرأة سليمان على ممارسة الجنس لإثبات رجولته، وحتى يكتسب رحمة الرحمن طبقاً لكلمات سليمان: “كيف يعيش للطاعة من لم يعرف المعصية؟ وكيف يأتي إنسان إلى ربه وليس معه معصية أو كبيرة؟ هذا تحقير لرحمة الله وعفوه. لا يجوز”.

وإذا كان مشهد الافتتاح والختام لابد أن يكونا متضادين تماماً كالسالب والموجب، نستطيع أن نرى أن مُزَمّل لم يمت، وأنه في المشهد الختامي يجري وراء سيارة النقل التي تنقل القطن، ربما إلى منزل عروس تبدأ حياة جديدة وربما مُزَمّل يبدأ هو أيضا حياة جديدة وذلك على خلاف القصة التي تنتهي بالكلمات التالية:

“ولسنوات كثيرة آتية، ستمر السيارات بقرب جبل الصحابة ويشير راكبوها إلى المقابر المتناثرة ويقولون:

  • هنا ينام مُزَمّل، الذي مات يوم أكمل عامه العشرين – (النوم عند قدمي الجبل ص57).

 

يتواصل عرض فيلم «ستموت في العشرين» في سينما زاوية حتى الثلاثاء الأول من أكتوبر.

اقرأ أيضا:

جيمس بالدوين في ذكراه المئوية: إسرائيل تنفذ أعمال الغرب القذرة!

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر