رحلة البحث عن البلمة!!
«البلمة» تلك التسمية التي أطلقها أهالي بورسعيد على القبعة الشهيرة التي يرتديها البحارة، والبمبوطية في الميناء. و«البمبوطية» هي مهنة «تجار البحر» وترجع أصل التسمية إلى “Boatman”- بوت مان – أي “رجل القارب” وحرفت الكلمة إلى “بمبوطي”. ولأن البمبوطي بحكم عمله في القناة يتعامل مع كافة الجنسيات من خلال السفن العابرة لقناة السويس.
وبالرغم من أن معظمهم لم يحمل شهادة دراسية، إلا أن اللغة لم تقف عائق أمامهم، بل تغلبوا على ذلك من خلال تحريف الكلمات الأجنبية لكي تتناسب مع طريقة نطقهم. ويظهر ذلك جليا من خلال العديد من الكلمات الواردة في قاموس الشخصية البورسعيدية، والتي استمدت دلالتها من امتزاج الثقافات المختلفة لكونها مدينة جديدة قادرة على استيعاب تراث البحارة والعمال الذين توافدوا عليها من كل البقاع. وهذا ما يفسر وجود الكثير من الكلمات التي لها أصول أجنبية تم تحريفها مع الوقت لكي تتناسب مع الحياة اليومية في بورسعيد..
***
وفيما يلي بعض الكلمات المشتقة من لغات أجنبية على سبيل المثال لا الحصر:
- “Terrace” تراسينا “شرفة ” – “CORNER” الأورنة “ناصية الشارع”.
- “Fantasy” فنطزية “أونطة” – “Trottoir” ترتوار “رصيف”.
- “FINISH” فنش الموضوع “انهيه” – “PHARMACY” فارماشيه “صيدلية”.
- “COMPANY” كوبانية “شركة” – “AT LAST” ألصطة “أخيرا”.
- بالإيطالية “Aosta” أوسطه – “PASSENGER” مساجيري “السائح”.
- “Cooperative” الكمبراتيف – الجمعية التعاونية – “سوق البازار”.
ونعود إلى “البلمة”، ولماذا سميت بهذا الاسم؟
وما أصل الكلمة؟ هل هي كلمة عربية؟ أم كلمة أجنبية وحرفت إلى العربية كما حرفت “Boatman” إلى “بمبوطي”. وبالبحث عن أصل الكلمة في مختلف الأوساط البورسعيدية. وبعد فترة من البحث عن سبب التسمية، أرجع البعض أنها ترجع إلى سمكة تعيش في البحر المتوسط تسمى “بلمة” وتعرف بـ”ثعبان البحر”، والمعروفة أوروبيا بسمكة “الأنشوفة” أو “الأنشوجة”.
***
ولكن الإجابة قادتني إلى سؤال أخر أكثر صعوبة.. لماذا سميت تلك القبعة باسم سمكة البلمة؟
وما أوجه الشبه بين تلك السمكة والقبعة لكي يطلق عليها البحارة في بورسعيد تلك التسمية؟
“سمكة البلمة أو ثعبان البحر في بورسعيد، والأنشوجة في أوروبا”.
وبالتقصي عن سبب التسمية، قادني البحث إلى المعاجم العربية والأجنبية، ولكني لم أعثر على مرادف لتلك الكلمة. وبعد تفكير طويل لفت نظري التقارب الكبير في النطق بين كلمة “بلمة” وقناة “بنما” ذلك المجرى الملاحي الذي يربط المحيط الأطلسي بالمحيط الهادي. والجدير بالذكر أنه يوجد شارع في بورسعيد يحمل اسم “بنما”.
وبالفعل بدأت البحث بكلمة “بنما” على محركات البحث عبر الإنترنت. وبعد بحث طويل لأيام لفت نظري وجود كلمة “Panam Hat” في نتائج البحث ضمن إعلان تجاري عن قبعة بنفس الاسم وتصنع في الإكوادور!
ويبدو أني قد عثرت أخيرًا على ضالتي..
***
ومع تحليل نتائج البحث فقد تبين أن قبعة “البلمة” في بورسعيد، هي نفسها القبعة “بنما” الإكوادورية. والتي انتقلت إلى بورسعيد عن طريق البحارة والعمال في الميناء الذين توافدوا عليها من قناة بنما عبر السفن المارة بقناة السويس، و”البمبوطية” أول من ارتدى البلمة في بورسعيد وعرفها.
وعلى الرغم من اسمها، إلا أنها لم تُصنع في بنما بل صنعت في الإكوادور منذ ثلاثينات القرن التاسع عشر. وانتقلت إلى بنما عندما هاجر صناع القبعات الإكوادوريون إليها نظرا لكساد التجارة والسياحة خلال خمسينيات القرن التاسع عشر.
وقد تمكن صناع القبعات من بيع القبعات أكثر من أي وقت مضى في الإكوادور. وقد انتقلت القبعات إلى كاليفورنيا عبر بنما. وأخبر المسافرون الناس الذين يعجبون بقبعاتهم أنهم اشتروها من بنما. لذا، سرعان ما أصبحت القبعات تعرف باسم قبعات بنما.
وازدادت شهرة «قبعة بنما» من خلال صور الرئيس روزفلت أثناء رحلته إلى موقع حفر قناة بنما عام 1906. وظهر وهو يرتدي قبعات بنما المصنوعة من الإكوادوريين.
والقبعة عبارة عن قش أو نسيج من الأوراق المضفرة الذي يشبه النخيل، ذات حواف تقليدية من أصل إكوادوري، وهي قبعات خفيفة الوزن، ونظرا لطبيعة نسجها فهي جيدة التهوية. تمت إضافة فن نسج القبعة الإكوادورية التقليدية إلى قوائم التراث الثقافي غير المادي لليونسكو في 5 ديسمبر 2012.