«أساطير شارع النبي دانيال».. ضمن فعاليات أيام التراث السكندري
ضمن فعاليات أيام التراث السكندري، أقيمت محاضرة بعنوان «رحلة في تاريخ وأساطير شارع النبي دانيال» بمكتبة الإسكندرية. قدمها د.أحمد منصور، وتحدثت فيها ياسمين حسين، باحثة سكندرية حاصلة على الماجستير في الآثار ولها خبرة دولية في مجال العمل الثقافي والعمل البحثي، عن الجذور التاريخية للنبي دانيال والأساطير التي تتردد حول الشارع.
عملت «ياسمين» أبحاث حول حضارة البحر المتوسط، ودرست في معهد العالم العربي في باريس. كما نشرت أكثر من كتاب عن مدينة الإسكندرية والبحر المتوسط، وقارنت في كتابها الأخير (إسكندرية بين الماضي والحاضر) بين الأماكن القديمة والحديثة في الإسكندرية. ولها اهتمام بتاريخ السينما والأرشيف.
النبي دانيال
في البداية يقول د.أحمد منصور، رئيس قسم كتابات الخطوط بمكتبة الإسكندرية: “الشارع مليء بالأساطير بداية من الأماكن التي يحدث بها هبوط أرضي وتبتلع الناس بشكل غريب. (وهو يشير هنا إلى حادثة اختفاء السيدة ميرفت في عام 1967 حيث حدث هبوط أرضي في تقاطع شارع النبي دانيال وشارع فؤاد وانشقت الأرض وبلعتها، ليس كتعبير مجازي ولكنها اختفت فعلا)”.
وتابع: شارع النبي دانيال هو مجمع للأديان، فيوجد به جامع سيدي عبدالرزاق الوفائي الأثري. كما يوجد به المعبد اليهودي والكنيسة المرقسية، أقدم كنيسة في إفريقيا. وهناك أسطورة حول وجود قبر الإسكندر الأكبر أيضا في هذا الشارع. وهو شارع قديم يعود تاريخه إلى تأسيس مدينة الإسكندرية. حيث أسست على شكل رقعة شطرنج بشوارع طولية وعرضية، وكان يُسمى شارع السوما وله تقاطع رئيسي مع شارع كانوب.
فيما بدأت الباحثة ياسمين حسين، محاضرتها بجزء نظري أوضحت خلاله الفرق بين التاريخ والقصص. تقول: “إذا لم توجد أدلة موثقة على التاريخ فهو مجرد قصص. وهناك أنواع مختلفة من القصص كالأسطورة والقصص الدينية والحكايات الخرافية والقصص البطولية والحكايات الشعبية. على سبيل المثال قصة أصحاب الكهف وقصص الأنبياء من القصص الدينية. والأساطير مثل أسطورة إيزيس وأوزوريس وأسطورة التكوين، القصص الخرافية مثل الغولة والشاطر حسن، والسير البطولية كقصة الزير سالم، والحكاية الشعبية شيخ العرب همام وسير الفتوات والكرامات”.
تاريخ الإسكندرية
وتابعت: تأسست الإسكندرية كتاريخ موثق على شكل رقعة شطرنج. لكن أيضا هناك أساطير تحيط بذلك التأسيس، ومنها أنه عندما نفذ الحجر الجيري الذي خططت به الشوارع، تم الاستعانة بالبذور والحبوب لإكمال التخطيط. فجاءت الطيور وأكلت الحبوب، وتلك أسطورة تنم عن الخير الذي تبشر به المدينة، وأنها ستطعم العالم. ومن الأساطير أيضًا أن الإسكندر حلم بالإسكندرية عندما أتى إلى مصر وذهب إلى المعبد في سيوة وأصبح ملكا على مصر.
وتضيف، بالعودة إلى التاريخ الموثق نجد أن أول خريطة مشهورة نعرفها عن الإسكندرية وضعت في عام 1866 هي خريطة محمود باشا الفلكي، التي توضح الإسكندرية القديمة في العصر اليوناني والروماني. إذ تأسست الإسكندرية بأحد عشر شارعا طوليا وسبعة شوارع عرضية متقاطعة، وتلك التقاطعات هي ما صنعت رقعة الشطرنج التي نتحدث عنها. وهناك خريطة أخرى من القرن السادس الميلادي، ويظهر فيها شارع النبي دانيال الذي يقال إنه فيه قبر الإسكندر.
ماذا تبقى من الإسكندرية القديمة في شارع النبي دانيال من العصرين اليوناني الروماني؟ وما هي الآثار التي وجدت في شارع النبي دانيال؟ أجابت حسين: “وُجدت بعض الآثار التي يقال إنها كانت في قبر الإسكندر، أراد سوتر دفنه في الإسكندرية. لكن أول مكان دفن فيه الإسكندر هو على حدود القاهرة. ثم نقله ابنه بطليموس إلى الإسكندرية بعد بناء السوما، وبدأت عبادة الإسكندر، وبُني له معبد. وهناك شواهد أنه كان مزارًا وزاره يوليوس قيصر وأغسطس الذي وضع إكليلا من الزهور على القبر. وكاليجولا الذي أخذ درع الإسكندر، وزاره سفيروس وأمر بإغلاق المكان لإيقاف عمليات النهب، ونزع كاراكالا صورة الإسكندر وخاتمه وحزامه ووضعها في تابوته لكي لا تُسرق”.
واستطردت حديثها: آخر من حكى عن قبر الإسكندر كان الرحالة ليون الإفريقي في القرن السادس عشر. وتحدث عن الإهمال والنسيان اللذين أصابا قبر الإسكندر. ولم ينتهِ البحث عن قبر الإسكندر.
كنيسة الفتية الثلاثة
وحول كنيسة الفتية الثلاثة الموجودة بالقرب من شارع النبي دانيال، تقول ياسمين: “يحكى عن ثلاثة فتيان كانوا مع النبي دانيال؛ والنبي دانيال هو نبي تم أسره أثناء فترة الأسر البابلي. وهم حنانيا وميشائيل وعزريا، وظل الثلاثة مع النبي في الأسر حتى حلم الملك حلما ولم يعرف تفسيره، وطلبوا من النبي دانيال تفسير الحلم ففسره. وتم تعيين الفتية في مناصب كبيرة بالدولة، ثم صنع الملك تمثالا من الذهب وطلب منهم أن يسجدوا للتمثال، فرفضوا، وأمر الملك بحرقهم بالنار، لكن النار لم تصبهم بأذى ولم يحترقوا”.
وتابعت: تطل كاتدرائية المرقسية على شارع النبي دانيال، إذ بنيت عام 67 ميلادية، وهي أول كنيسة في إفريقيا. ويقال إنها حوت جسد مرقس الرسول الذي سرقه البحارة الإيطاليون. وتمثل الكنيسة المرقسية مع جامع النبي دانيال والمعبد اليهودي ثلاثة مراكز دينية كبيرة في الشارع.
وتحدثت الباحثة عن المعبد اليهودي، وتقول: “من أشهر وأقدم المعابد، وتم قصفه بأمر نابليون لإقامة حاجز رملي للمدفعية بين حصن كوم الدكة والبحر. وأعيد بناؤه بتوجيه ومساهمة من أسرة محمد علي عام 1850. يحتوي المعبد على مكتبة مركزية بها 50 نسخة قديمة من التوراة، ومجموعة من الكتب التي يعود تاريخها إلى القرن الخامس عشر. وأرشيف الجالية اليهودية السكندرية في مصر. تم ترميم المعبد عن طريق الحكومة المصرية ووزارة الآثار، ورفُضت أي أموال من أي جهة خارجية للمساهمة في الترميم”.
ماذا تبقى من العصر المملوكي في شارع النبي دانيال؟
تقول ياسمين: “في شارع البرديسي القريب من شارع النبي دانيال، تم العثور على شاهد قبر بالخط الكوفي غير المنقوط من العصر المملوكي الذي يعود تاريخه إلى عام 835. وبقيت أيضا الصهاريج التي كانت منتشرة في ذلك الخطر. وهناك أساطير مرتبطة بالصهاريج التاريخية القديمة، مثل حكاية ميرفت العروس الجديدة عام 1967، التي سقطت في الشارع واختفت.
تقول الأسطورة إن شارع النبي دانيال يبتلع العرائس، لكن الحقيقة إنها اختفت لوجود صهاريج ومياه جوفية بالشارع، وهناك حكاية أخرى عن أحد البائعين يقال إنه اختفى أيضا، وهناك أيضا حكاية عن مقهى في شارع النبي دانيال أمامه بلاعة تستطيع منها أن ترى الصهاريج والممرات التي تصل إلى البحر، وهناك حكاية عن طفل اختفى يومين من شارع سيزوستريس. وكان قد دخل في فتحة في الشارع ووجد نفسه عند مسجد سيدي عبدالرزاق. ولكن في عام 2010 تم إغلاق جامع النبي دانيال بسبب حدوث هبوط أرضي في المنزل المحاور له”.
المدينة التركية والمنشية
تشرح الباحثة، أنه من خلال خرائط العصر المملوكي نستطيع رؤية سكان المدينة الذين كانوا متمركزين في المدينة التركية والمنشية. وكانت كوم الدكة وما يسمى الهيتاستاديوم والصهاريج عبارة عن صحراء. في عام 1566 ميلادية كان شارع النبي دانيال غير مأهول بالسكان والمنطقة حوله كذلك، وتوضح خرائط الحملة الفرنسية عدم وجود حياة بالقرب من موقع شارع النبي دانيال.
أما عن مسجد النبي دانيال، تقول حسين: “هو مسجل آثار، ويرجع تاريخه إلى القرن الـ18، وقد ذكر علي مبارك أنه تم تجديده في عهد محمد علي، ومرة أخرى في عهد الخديوي سعيد. والمسجد ينسب للشيخ محمد بن دانيال الموصلي أحد شيوخ المذهب الشافعي، وأتى لمصر ومات فيها. لكن الأساطير الشعبية تقول إن المسجد للنبي دانيال. لكن النبي دانيال مات قبل تأسيس الإسكندرية، فكيف يكون له مسجدا في الإسكندرية؟ وهناك رواية أن النبي دانيال عندما مات لم يتم دفنه لأن جسمه لم يظهر عليه الموت وحافظوا على جسده بسبب هطول الأمطار. وفي عصر عمر بن الخطاب قرر أن يجعل له عشرة قبور حتى لا يعرف أحد مكانه الحقيقي. وأن جسده موجود في قبر بالإسكندرية. وقد وجدت عظام بجوار المسجد، أي أن مكان المسجد كان مقابر”.
من هو عبدالرزاق الوفائي؟
هو محمد بن عبدالله بن شعيب بن الحسين بن عبدالرزاق ابن أبوبكر بن عبدالجليل الأموي المصمودي الجازولي. انحدر من السلالة الأموية التي نزلت بالأندلس وانتقلت أسرته إلى المغرب، ولد بالمغرب وكان تلميذا للشيخ أبي مدين. أتى الإسكندرية عام 575 هجرية وبنى زاوية وألقى دروسه ومات في حياة شيخه عام 592 هجرية. وفي مكان الزاوية تم بناء الجامع عام 604 عندما أمر قاضى الإسكندرية أبوالوفاء ببناء الجامع الوفائي. فنُسب المسجد إلى القاضي الذي بنى الجامع. ومن أهم تلاميذه سيدي عبدالرحيم القنائي. ويمثل المسجد مقرا مركزيا لقراء القرآن.
ما هي شهرة سيدي عبدالرزاق؟ شهرته هي “سيدي عبدالرزاق يا مهدي الأخلاق”. هو مكان لمعالجة الأطفال المشاغبين! يقال عندما يشرب الأطفال المشاغبون الماء من سبيل الوقف المشيد في القرن الـ12 تهذب أخلاقهم. وحكت امرأة أن طفلها أصبح من قراء القرآن -بعد أن كان مشاغبا وفي طريقه للانفلات- بعد أن شرب من مياه السبيل بجوار المسجد.
اقرأ أيضا:
«الجذور التاريخية لموالد الأولياء في الإسكندرية».. محاضرة ضمن فعاليات أيام التراث