مطارح الضوء في المدرسة الليلية
ــ 1 ــ
الإسكندرية، مدينة الكشف الأبدي، مدينة لا تعرف سرا دفينا ولا تحمل خبيئة ما، بل مدينة تتعرى، كاشفة عن مفاتنها المُلهِمة وسحرها الآسر.
مدينة دأبت على أن تنجب فنونا وآدابا، لذا كانت جمعية هواة الفنون الجميلة بالإسكندرية، واحدة من الموجات الفنية التي بثتها المدينة وبعث دفعتها الأولى الفتى “حسن كامل” منذ أن التمعت لديه غواية تكوينها، فأجج ملامحها وبثها نبضا موحيا.
و”حسن كامل” نال تكوينه الفني في مدرسة الفنون الجميلة بالقاهرة. تلك التي أسسها سمو الأمير “يوسف كمال”، و”حسن كامل” واحد من النماذج الإنسانية والثقافية التي سكنت الظل. لكنه ظلّ يحمل وهجا حقيقيا وصخبا طاغيا، تجسد في الوصل بين الفنانين وهواة الفنون بالإسكندرية مرورا بتأليفه في كتابة الرواية والشعر.
ــ 2 ــ
وكانت ثورة 1919 التي اشتعل بها في الإسكندرية ولم يعرف سبيلا سوى التظاهرات وإرسال برقيات الاحتجاج.
وفي العام 1928، تعقد جمعية الفنون الجميلة المعرض الأول بقاعة نادي موظفي الحكومة بمساندة “حسين صبري باشا” محافظ الثغر.
ثم تمخضت عن الجماعة، مدرسة الفنون الجميلة المصرية المجانية، وسكنت العمارة رقم (13) بشارع محطة مصر. وحفلت المدرسة الليلية بعديد من الرواد المصريين والأجانب لتعليم الرسم والموسيقى والتصوير الفوتوغرافي وفن الخط والنحت مجانا.
ونالت المدرسة ثناء “المسيو أولمير” مفتش الفنون الجميلة بوزارة المعارف. فضلا عن إعانة “المسيو شارل” مدير مكتب الفنون الجميلة بوزارة المعارف العمومية.
ــ 3 ــ
ثم إن المدرسة حظيت بدعم الفنان “محمود بك سعيد” و”محمود مختار” و”جاستون زنانيري” و”هدى شعراوي” والكونت “إتيان زيزنيا”. حيث انعقد في سراي الكونت “دي زغيب” بشارع فؤاد الأول، معرضا ضمت أجنحته منحوتات المثّال “مختار”، منحوتة “فلاحة تملأ الجرّة” نحت من البازلت، ولوحة “الطبيب” لـ”محمود سعيد” تمثل صديقه الدكتور “جواد حمادة” الذي درَّس فن التشريح لطلبة المدرسة مجانا. فضلا عن ذلك شمل المعرض لوحات الفنانة “فلورا كرافيا” زوجة “المسيو نيقولا كرافيا” صاحب جريدة “تاخيدروموس” اليونانية.
ولوحات الآنسة الراحلة “رونا هازار” والتي سقطت من شرفة منزلها إثر اختلال توازنها وهي تؤدي إحدى لوحاتها. وكذا إبداعات مدرسة محمد علي الصناعية التي شملت أثاث ذات طراز فرعوني وعربي، وأبسطة فاخرة من نسج تلاميذ الملجأ العباسي.
ــ 4 ــ
ولقد نظمت الجمعية عددا من المحاضرات لـ”سليم حسن” والفنان “محمد ناجي” ودعت إلى تأسيس المعاهد الخاصة لتدريس الفنون. فضلا عن دعوتها لتأسيس متحف للفنون بمصر ونشر الكتب والمجلات. مستهدفة إشاعة الفنون الخالصة، واعية لدور الفن في إثراء وجدان الأمة وروحها.
لكن جمعية هواة الفنون الجميلة لم تنجُ من عواصف وتدابير عصفت بها، فاجتاحتها أهواء أجنحة مالت لاعتماد اللغة الفرنسية. يساندها في ذلك مدير عام مكتب الفنون الجميلة الأجنبي بوزارة المعارف. وأخرى ترى ضرورة اعتماد اللغة العربية، لتشهد الجمعية تراجيديا أفضت إلى الشتات والجمود. وينضب المدد والعون لينزوي معمارا فنيا واعدا بمخاض حقيقي وتوق لأفق حافل بالوهج. ولكن يبقى الظمأ لمشهد ثقافي يعبأ بالفن والبقاء ولا يعبأ بالمسخ والترهل.
ــ 5 ــ
فهل بمقدورنا استلهام واستعادة نماذج تشق دروبا نحو تأسيس جمعيات أهلية ثقافية وكيانات فنية تسهم في اكتشاف وجوه أخرى واعدة.
اقرأ أيضا:
للاشتراك في خدمة باب مصر البريدية اضغط على الرابط التالي: