هدم حوش عُتَقاء الأمير إبراهيم حلمي.. ومدفن علي باشا فهمي تحت التهديد
شهدت مصر، أمس، فقدان أحد المدافن التاريخية وهو حوش عُتَقاء الأمير إبراهيم حلمي التابع لإشراف وزارة الأوقاف، ضمن مشروع تطوير محور صلاح سالم، وهو ما ينذر بهدم 24 مدفن تراثي لرموز تاريخية بالمرحلة الأولى، ويثير التساؤلات عن مصير مدفن علي باشا فهمي المُسجل بالتنسيق الحضاري ويحمل علامة إزالة.
مدفن علي باشا فهمي
المدفنان من أهم الصروح المعمارية الجنائزية في قرافة الإمام الشافعي بالقاهرة. ورغم أن مدفن علي باشا فهمي مدرج بالتنسيق الحضاري باعتباره له طراز معماري متميز، الذي يحظر هدم الصروح المعمارية ذات القيمة التاريخية، لكنه حمل رقم هدم 548 وعلامة إزالة.
يقع مدفن علي باشا فهمي في نهاية تقاطع شارع الطحاوية وشارع الخلاء في منطقة الإمام الشافعي. ووصف عمر النعماني كتابات المدفن: لوحتان تزينان مدفن علي باشا فهمي بقرافة الإمام الشافعي بخط الثلث صنعتا من القيشاني التركي. وفي اعتقاده أنهما أقدم من المكان؛ وتم جلبهما من إسطنبول لتزيين المدفن.
ويضم المدفن أيضا عواميد رخام، وأسقف خشبية رُسمت يدويا، ومٌقرنصات وحجارة ذات زخارف نباتية.
بحسب المادة الثانية لقرار وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية د.م عاصم عبدالحميد الجزار، المنشور في العدد 74 بالجريدة الرسمية في 29 مارس عام 2023. تمت إضافة 86 مدفنا بنطاق حي الخليفة والمقطم لسجل المباني والمنشآت ذات الطراز المعماري المتميز لمحافظة القاهرة. ومن بينها تسجيل مدفن علي باشا فهمي برقم (04240000202).
ويعد إدراج المدفن في هذه القائمة سببا لحظر هدمه وإدراجه ضمن الأحواش التي يجب الحفاظ عليها. خاصة أن مدفن علي باشا فهمي يتميز بطراز معماري فريد يعتبر مثالًا للعمارة الجنائزية في القاهرة.
خطورة هدم المدافن التاريخية
ومن جانبه تساءل دكتور محمد حمزة، عميد كلية الآثار الأسبق بجامعة القاهرة، عما إذا كان ما يحدث من عمليات هدم تتسق مع الفصل الثالث بالدستور المصري، المعلق بالمقومات الثقافية بالمواد من 47 إلى 50.
كذلك إذا كان يتسق مع القوانين المصرية ذات الصلة بالقانون 117 لعام 1983 وتعديلاته، أو مع المواثيق والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالتراث المادي واللامادي.
ويقول: “أين دور وزارة السياحة والآثار ممثلة في الأمين العام وقطاع الآثار الإسلامية واللجنة الدائمة. ولماذا تقاعسوا عن دورهم الوطني وتخلوا عن اختصاصهم في التسجيل وفقا للمادة 2 من القانون للأبنية والتحف التي تعود إلى الفترة من 1883م إلى 1953م”.
وأضاف خبير الآثار: أين دور الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، وما هي جدوى القانون 144 لسنة 2006، والقانون 19 لسنة 2008، ووزارة الثقافة، والمجلس الأعلى للثقافة ولجنة الثقافة والآثار بمجلس النواب”. ويستكمل: تضم قائمة 24 مقبرة ستتم هدمها في المرحلة الأولى، لرموز ونخب مصرية ووطنية لها دور كبير في تاريخ مصر الحديث”.
فيما عبر الدكتور محمد حمزة عن قلقه إزاء هدم المقابر التاريخية الذي يهدد تراث مصر الثقافي والتاريخي. مشيرا إلى أن المقابر وأصحابها يمثلون جزءًا هامًا من الدراسات الأكاديمية. وأن هناك العديد من الأبحاث والرسائل الجامعية التي استندت إلى هذه المقابر ودراستها.
مقبرة عتقاء الأمير إبراهيم حلمي
ومن بين المقابر التي تم هدمها، مقبرة عتقاء الأمير إبراهيم حلمي، ابن الخديوي إسماعيل، والتي تعود إلى عام 1901م. ويقول عنها حمزة: “يكفي للتذكرة على سبيل المثال أن نشاهد مكتبته النادرة التي أهداها لجامعة القاهرة وهي مفخرة المكتبة التراثية بها حتى الآن”.
ويوضح: تحوي هذه المقبرة ثروات ثقافية قيمة، وتزخر بتفاصيل معمارية وفنية فريدة من نوعها. بما في ذلك الأعمدة والأعتاب والأركان المشطوفة والمداخل والصدور المقرنصة والتراكيب والنقوش الكتابية.
إنقاذ آثار بمعاول الهدم
بجهود فردية اجتمع محبو التراث ضمن مبادرة “شواهد مصر” لتوثيق حوش عُتَقاء الأمير إبراهيم حلمي قبل وأثناء هدمه. وإنقاذ آثار غير مسجلة من الحوش. وهم: “د.مصطفى الصادق، حسام عبدالعظيم، مريم عبدالعزيز، إبراهيم طايع، كريم بدر، أحمد أيمن وعمر النعماني”.
نجح الفريق في إنقاذ آثار غير مسجلة من الحوش، ضمن مشروع “توثيق وإنقاذ الآثار غير المُسجلة في حيز مشروع توسعة طريق صلاح سالم”، والذي تعمل عليه المبادرة منذ عام 2021.
ويقول الباحث الأثري حسام عبدالعظيم: “نعمل حاليًا تحت إشراف المؤسسة المصرية لإنقاذ التراث. ويتميز هذا الحوش ببنائه من الحجر الجيري وتصميمه على الطراز الإسلامي”. وعلى حد وصفه، تزين واجهته الرئيسية والجانبية مقرنصات منحوتة، ويحتوي أيضًا على سبيل مصنوع من الرخام على الجانب الأيسر من الداخل.
ويستكمل خطوات المهمة لـ«باب مصر»: “راقبنا عملية الهدم بدقة وأبلغنا ممثلي الحي والمحافظة المتواجدين في موقع الهدم بضرورة الحفاظ على عدد من المكونات المعمارية في واجهة الحوش نظرًا لأهميتها الفريدة وندرتها. وقد استجابوا فورًا وقدموا المساعدة باستخدام معداتهم لإنقاذ هذه المكونات المعمارية والفنية الفريدة”.
آثار في حوزة الأوقاف
بمساعدة حي الخليفة، نجح الفريق في إنقاذ عدد من الآثار غير المُسجلة وتسليمها إلى وزارة الأوقاف. نظرا لأن هذا الحوش تحت عهدتهم، ومن بينها، النص التأسيسي للحوش والذي كان يعلو باب الدخول الرئيسي. وهو منحوت على الحجر بشكل بارز بخط الثُلُث.
ويحمل هذا النص: “مدفن عُتَقاء دَولَة البرنس إبراهيم حلمي باشا نجل المغفور له إسماعيل باشا الخديوي الأسبق سنة 1319”. ويُستدل من هذا النص على عمر الحوش الذي يرجع إلى عام 1901 ميلادية. ويحمل أيضا إمضاء الخطاط وهو “عبدالله عمر”. وعلى حد وصف عبدالعظيم لم يجد حتى الآن أي خطوط أخرى لهذا الخطاط.
وجمعوا أيضا، قمة شَّطفَة زاوية الحوش مكونة من 2 حجر جيري نحت عليهما بشكل غائر وبارز صفين من المقرنصات. وقطعتين من الرخام الأبيض كان مثبتان أعلى السبيل.
وأيضا لوحة رخامية عبارة عن سبيل لسقي الماء للمارة صدقة جارية على أرواح قاطني الحوش. لكن تسببت شروخ في هذه اللوحة في كسر عدد 4 قطع. وقد كتب عليها نحتا بارزا هذا النص:
“إذا رأيت سبيلاً صيغ من حكم… فاشرب هنيئاً مريئاً إنه صافي
و كيف والشهم إبراهيم أنشأهُ … إلى الأدل نعم المورد الوافي
سنة 1319هـ”.
للاشتراك في خدمة باب مصر البريدية اضغط على الرابط التالي: