الناقد السينمائي محمود علي: أفلام حسين صدقي بيعت بـ2000 جنيه.. بالتقسيط!
أتمنى من وزارة الثقافة إعادة النظر في توثيق تاريخنا السينمائي
حوار: عرفة محمود
تنطلق مساء اليوم فعاليات الدورة الـ 24 من مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والروائية القصيرة الذي يرأسه الناقد السينمائى عصام زكريا. يحتفي المهرجان هذا العام بالفيلم الوثائقي “العابر للنوع” أو Hybrid، والذي يعد واحدا من أبرز الأنواع الفيلمية التي يلجأ إليها صناع الأفلام في العصر الحديث. وقد أعلنت إدارة المهرجان عن تكريم ثلاثة من صناع الأفلام والنقاد البارزين سواء فى مصر أو عالميا. وتشمل قائمة المكرمين مدير التصوير السينمائي محمود عبدالسميع، كما تكرم إدارة المهرجان الناقد السينمائي والمؤرخ محمود علي الذي اخترنا أن ننشر له هذا الحوار المطول بمناسبة تكريمه مساء اليوم. أجرى الحوار عرفة محمود الذي ينشر كتابا كاملا ضمن إصدارات المهرجان عن الناقد الكبير.
في هذا الحوار يتحدث الناقد الكبير محمود علي عن مسيرته التي بدأها صحفيا بمجلة الإذاعة والتلفزيون. وعن مشواره في التوثيق لتاريخ السينما المصرية. وحكاية مذكرات المخرج الكبير محمد كريم، وخلافة مع الناقد الكبير أحمد الحضري حول توثيق أول عروض السينما في مصر. كما تحدث عن منجزه الأدبي، واكتشافاته لنصوص لأدبائنا نجيب محفوظ، ويحيى حقي، والشاعر الكبير أحمد شوقي. كذلك تحدث عن حركة النقد الفني في مصر، ومخاطبته لوزارة الثقافة بضرورة كتابة، وتوثيق تاريخ مصر السينمائي.
كيف بدأ الناقد الكبير محمود علي مشواره؟
بدأت بمجلة الإذاعة والتلفزيون، وكانت تربطني صداقة بمجموعة من الزملاء الذين التحقوا بالمجلة مثل د. فاروق أبوزيد، وسكينة فؤاد، ومحمد بركات، وآخرين، وكان رئيس التحرير وقتها أحمد سالم الذي اعتمد على خريجي قسم الصحافة بالجامعة. كنت أذهب إلى دار الكتب بشكل دائم، بدأت العمل في البحث عن تاريخ السينما المصرية. واكتشفت وقتها حقيقة صدمتي! وهى عدم وجود تاريخ موثق، أو حقيقي عن بداية تاريخ السينما بمصر. كل من كتبوا في هذا الموضوع يضع التاريخ الذي يحلو له من دون أسانيد أو دليل، على سبيل المثال، قامت جريدة الأهرام بنشر معلومة بتاريخ يوم معين. وعندما ترجع إلى صحيفة الأهرام لا تجد شيئا. وقد سجلت ذلك في أول صفحة من كتاب “تاريخ السينما المصرية”. وبدأت منذ ذلك الوقت ما أسميها بعملية “الحفر” في الأوراق القديمة، أقصد الصحف القديمة.
وماذا عن تجربة مذكرات المخرج محمد كريم التي قدمتها؟
اخترت محمد كريم لكتابة مذكراته، وقتها كنت قد قابلته بمركز الصور المرئية ومعه ابنته ديانا. كنت قد كتبت مقالا مفاده أن المخرج الكبير محمد كريم تنتابه حالة من الحزن بسبب تجاهل وزارة الثقافة له وعدم تكريمه رغم ما قدمه للسينما المصرية. وعندما قابلته سألني عن اسمي وسألني: أنت كتبت حاجة عني؟ أجبته: بالطبع؛ فعرض علي الزيارة بمنزله، وقد كان بالفعل، تحادثنا كثيرا، وبعدها طلبت منه أن أكتب مذكراته، ووافق على الفور. وقتها اتصلت بالأستاذ محمود سالم، رئيس التحرير، وشرحت له الموضوع، وطلبت منه أن يكون هناك مكافأة له. وبالفعل أقر سالم المكافأة، أظن وقتها كانت حوالي 250 جنيها.
كان كريم بالفعل قد دوّن مجموعة من مذكراته. وقمت بمرحلة الصياغة على لسانه، والتي ظهرت بعد ذلك في جزأين تم إصدارهما في كتاب ضمن إصدارات معهد السينما برئاسة مدكور ثابت بإضافات جديدة.
وما أبرز ما تحويه تلك المذكرات؟
أبرز ما جاء فيها كانت أمانيه بشكل عام. فقد كان لديه ثلاثة سيناريوهات كان يرغب في تقديمها للسينما، أولها سيناريو كان يحمل اسم “الملعونة” عن إسرائيل. وسيناريو فيلم “نور الله”، تأليف محمد صبيح، وعبدالوارث عسر. والسيناريو الثالث كان من تأليف حسين السيد، وكان من المُقرر أن يلعب بطولته محمد عبدالوهاب.
وبالمُناسبة فيلم “نور الله” كان جاهزا للتنفيذ، وهناك خطاب أرسله محمد كريم إلى وزير الثقافة، ثروت عكاشة، وقتها يشرح فيه كل الخطوات التي وصل إليها في مسالة الفيلم. سواء مسألة الرقابة، أو غيرها، ويطلب منه التنفيذ، وهذه المُذكرة ننشرها هنا لأول مرة (أنظر باب الوثائق والأرشيف).
حينها، أيضا، قابلت الفنان محمد عبدالجواد، وكان قد اشتغل مع كمال سليم في فيلم “العزيمة”، وجدت عنده سيناريو فيلم “العامل” بخط يده. وجدت عنده أيضا صفحات ناقصة من سيناريو فيلم “العزيمة” الذي نشره محمد سيد شوشة. كان هناك نقص في أوراق السيناريو حوالي 6 صفحات وجدتها عند محمد عبدالجواد. وقد نشرتها في كتاب “أوراق منسية”، الكتاب الذي لم يصدر بعد، وأخصكم بفصل منه عن فيلم لقصة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
**
أما عن العلاقة التي جمعتني بالموسيقار محمد عبدالوهاب. فمُنذ أن بدأ محمد عبدالوهاب التفكير في تقديم مشروع سينمائي وقتها كان اسم محمد كريم كبيرا بالسوق السينمائي، قدم فيلم “زينب”. وكان قد سافر إلى ألمانيا وعاد وقتها، وبعدها قام محمد عبدالوهاب بدعوته إلى منزله، ورافقته في هذه الزيارة زوجته. ومن المعروف عن عبدالوهاب أنه وسواس؛ لذلك بعد انتهاء الزيارة قالت له زوجته: “بلاش تشتغل معاه هيتعبك”. لكنهما بدآ العمل سويا.
وللحق عبدالوهاب لم يتدخل في أي شي يخص الفيلم عدا الأغاني. كل ما كان يفعله هو أن يدخل البلاتوه، واستمرت تلك العلاقة حتى بدأ التفكير في تقديم فيلم يحمل اسم “نور في الظلام”، كان من تأليف وحوار حسين السيد، وهو رفيق عبدالوهاب مُنذ زمن، فهو مُطربة المُفضل. وكان يضم الفيلم 5 أغانٍ وقتها، تمت إذاعة أغنيتين منهم، وكان ذلك سببا في موت فكرة الفيلم، ولم يكن أمامه سوي “نور الله”. لكنه في النهاية لم ينفذ الفيلم كما ذكرت، وفيلم “الملعونة” مات مُنذ ولادته رغم أن السيناريو كان جاهزا.
كيف تفسر قلة الإنتاج السينمائي لمحمد كريم؟
كان طوال الوقت يعتبر نفسه رائدا من رواد السينما المصرية، وبالتالي لن يقبل على نفسه تقديم أعمال من دون هدف. كذلك عبدالوهاب كان يمنحه إمكانيات مادية ضخمة جدا في ظل ظروف الإنتاج الصعبة التي كانت موجودة في تلك الفترة. لأن أغلب الأفلام الموجودة في تلك الفترة كانت أعمال تجارية لا تتناسب معه، وكان شخصية مثالية جدا. وبالتالي من الأفضل له أن يقدم فيلما واحدا كل ثلاث سنوات بدلا من تقديم فيلم واحد كل سنة لا يتماشى مع اقتناعاته. تلك هي وجهة نظره الشخصية.، لذلك كانت تجربته السينمائية لا تضم عددا كبيرا من الأفلام، فبعد تجاربه مع عبدالوهاب قدم فيلم “جنون الحب”، وفيلم آخر أخرجه، ولم يخرجه كما يقول.
من المُلاحظ أن غالبية ما كتبته كان عن فترة مُعينة من تاريخ السينما المصرية فلماذا؟
أعود للتأكيد على أن تاريخ السينما المصرية بالكامل مُنذ بداية عروض لوميير بالإسكندرية إلى سنة 1952م كلها تواريخ غير دقيقة. حتى وإن كان كاتبها حاصلا على دكتوراه. فلا يوجد أحد قادر على توصيف وتأريخ تلك الفترة.
فمسألة النقد بالطبع أسهل بكثير، فيمكنك مُشاهدة الفيلم والكتابة عنه في أربع ساعات فقط، إنما التوثيق فهو يحتاج إلى وقت كبير وبحث. ومع إحالتي للمعاش؛ قمت بتقديم طلب منحة لوزارة الثقافة للتفرغ لعملية البحث. وبالفعل حصلت على منحتين: أولاهما عن كتاب “تاريخ الرقابة”، والثانية خاصة بكتاب عن “تاريخ السينما”.
حدثنا عن مرحلة تاريخ السينما المصرية؟
بدأت مرحلة التوثيق من خلال كتاب “تاريخ الرقابة في مصر” الخاص بالتشريعات الرقابية. ومنذ أن بدأت عملية البحث للتوثيق؛ اكتشفت، للأسف، عدم وجود عدد كبير من الأفلام، خاصة الصامتة، منذ سنة 1930م.
ومن خلال بحثي تمكنت من الوصول إلى أسماء دار عرض لم نكن نعرفها من خلال التراخيص الخاصة بالمحلات الخاصة بعرض الأفلام الأجنبية في هذا الوقت. وكان لي شرف البداية في توثيق التاريخ الحقيقي لبداية السينما المصرية، ونُشر بمجلة الإذاعة والتلفزيون في 19 نوفمبر 1977م تحت عنوان “الصفحة الأولى في تاريخ السينما المصرية”. جاء فيه: “كان لي شرف البداية في تحديد التاريخ الحقيقي لبدايات العروض السينمائية في مصر، وذلك في 5 نوفمبر 1896م بعدما تضاربت الآراء حول هذه البداية.
وقد أشار الناقد الكبير أحمد الحضري إلى هذه الحقيقة في دراسته التي قدمها بمادة “آفاق السينما المصرية”، والتي عقدت تحت إشراف لجنة السينما بالمجلس الأعلى للثقافة بمقال يحمل اسم “توثيق بدايات السينما المصرية”. قال فيها: كنت خلال بحثي عن حقائق المرحلة من بداية 1896م إلى أواخر 1930م اطلع على كل ما يخص تلك الفترة من مطبوعات، كما سبق وذكرت.
ولا يمكنني أن أدعي بأنني اطلعت على كل ما كُتب عن تلك الفترة خلال كل المطبوعات حتى وقت قيامي بالبحث خلال ثلاث سنوات منذ عام 1987م إلى عام 1989م. لذا اتضح لي بعد نشر كتابي في إبريل 1989م أن الزميل محمود علي كان قد توصل قبلي إلى توثيق تاريخ أول عرض سينمائي في مصر. بما يتفق مع ما توصلت إليه تماما في مقال نشر له في عدد 2227 من مجلة الإذاعة والتلفزيون الصادر بتاريخ 19/11/ 1977م. لذا لزمت الإشارة إلى هذا الجهد المشكور الذي يؤيد به ما وصلت إليه، وهو اعتراف يُشكر عليه. وإن جاء مُتأخرا (انظر الوثيقة في فصل الوثائق والأرشيف).
كنت قد أعدت نشر مقال مجلة الإذاعة والتلفزيون في عدد خاص عن مئوية السينما في “مجلة السينما” قبل نشر كتاب الحضري بعدة أشهر ما السبب؟
عندي بالطبع أسباب كثيرة تجعلني أنفي ما ذكره أحمد الحضري؛ فهناك أرشيف مركز الصورة المرئية، وعندما قمت بالتوثيق من الصعب لأي شخص أن يكذبني، طالما يوجد دليل قطعي لدي عن هذا التوثيق. قمت بالتصوير للوثائق ونشرت، لكن هل قام الحضري بالتوثيق بناء على تصويره للمستندات!
ما أقصده أن المقال معروف ومنشور، وغير مطلوب منه مراجعة كل ما كُتب في الصحف عن تلك الفترة. أنا لا أطالبة بذلك، لكن لدية أرشيف، وكذلك مجموعة النقاد أمثال سامي السلاموني. وكان زميلي بالمجلة وغيره، بل وأذكر أن الناقد الكبير سمير فريد قد نشر مقالي كوثيقة في حولية “السينما والتاريخ” التي كان يصدرها.
إذًا ما الفارق بين دراستكم عن بداية أول عروض السينما المصرية وتوثيقها وبين دراسة الناقد الكبير أحمد الحضري؟
كان الأستاذ الحضري طوال الوقت يسألني: كيف توصلت إلي توثيق أول عرض سينمائي في مصر؟! بالطبع كنت قد توصلت إلى أول جريدة فرنسية تنشر كل إنتاج وسلعة فرنسية. وطبيعي أن تروج لتلك الأعمال بالإضافة إلى صحف أجنبية أخرى. فلم تكن صحيفة “لا فورم” هي أول وآخر جريدة أقف عندها في مرحلة التوثيق.
كذلك وثقت أن كل ما كُتب عن تاريخ السينما المصرية غير صحيح بالمُستندات. والأهم من ذلك هو منهج البحث، وهو ما أكده الناقد الكبير سمير فريد عندما قال: إن تاريخ السينما المصرية ليس رصدا بالأرقام.
وفي بحثي قمت بعملية شرح وتفسير وتحليل مرتبط بالأحداث، حيث تتبعت مسيرة السينما في مصر مُنذ عام 1896م حتى نهاية الحرب العالمية الأولى وتطور المُجتمع في مختلف جوانب الحياة سلبا وإيجابا، سياسيا واقتصاديا وثقافيا. وسوف تجد ذلك في كل الأبحاث التي قدمتها عن تاريخ السينما المصرية سواء في “تاريخ السينما المصرية”، أو “تاريخ الرقابة”، تحدثت بدراسة موثقة عن تلك الفترة وتاريخ الرقابة الذي ربطته بالأحداث وقتها.
ما هي القوانين في تلك الفترة؟ وما هو التناقض الذي تحتويه؟ ستجد تحليلا لكل حقيقة ووجهة نظر أيضا. أما كتاب الناقد أحمد الحضري فهو يحتوى على تواريخ فقط من دون توثيق! يمكنك التشكيك فيها كغيرها. لقد كان مرجعة هو الوصول إلى نفس النتيجة التي توصلت إليها قبلة بكثير. وهو مقالي الذي أنكره في كتابه، وتذكره في ندوة. وعندما أذكر في دراستي عن تاريخ عروض لوميير في القاهرة أنه نفس التاريخ الذي ذكره إلهامي حسن في كتابه عن تاريخ السينما المصرية فإن هذا لا يقلل من جهدي، بل يزيده مصداقية.
لم يكن هذا الخلاف الوحيد بينك وبين أحمد الحضري، وكأن هناك خصومة بينكما، وهنا أقصد الخلاف حول موعد الاحتفال بمئوية السينما؟
هو خلاف في الرأي لا يفسد ما كان بيننا من ود. والذي كان يربطني به حتى وفاته، هو الأب الروحي للثقافة السينمائية المُعاصرة في مصر بلا جدال، وكان بمثابة الأب للجميع. وأذكر أنني عندما كنت في أول زيارة لمهرجان كان السينمائي الدولي. كان هو دليلي في معرفة كواليس المهرجان، وأكثر من ذلك، كنا نعيش في بيت واحد.
أما عن الخلاف حول مئوية السينما المصرية فأترك للناقد والمخرج هاشم النحاس الحكم بيننا. وقد نشر مقال في جريدة القاهرة قال فيه بالحرف: من فصول كتاب “فجر السينما المصرية في مصر” هو الفصل الرابع الذي يكشف فيه محمود علي أن “لاجارين”، ولميس عزيز، ودو ريس كما هو شائع بأنه صاحب أول إنتاج سينمائي في مصر. حيث أنتج أول عمل، وكان يحمل اسم “الجريدة المسائية” في شوارع الإسكندرية في 3 مارس 1905م، وليس 1907م. وهو التاريخ الذي اعتمد للسينما المصرية، ومن ثم يجب تغييره بناء على اكتشاف محمود علي.
كنت طوال الوقت مؤمنا بأن فترة دخول السينما إلى مصر حتى بداية الخمسينيات كانت فترة بلا تاريخ. لذلك كنت حريصا على البحث في تلك الفترة، ولذلك قدمت مجموعة من الدراسات الخاصة بذلك وبتلك الفترة تحديدا.
وماذا عن كتاب “السينما المصرية بين المحلية والعالمية”؟
أقصد من خلاله شكل السينما المصرية بالخارج وما السبب الذي يجعل مشاركتنا في المهرجانات الدولية قليلة، وفندت تلك الأسباب من خلال زيارتي لمهرجان كان السينمائي الدولي ومقارنة الأوضاع السينمائية المصرية بشكل عام. وقد استعرضت ما قدمته بعض الدول الإفريقية من سينما وصلت إلي العالمية. وأضفت أن كل أفلامنا كانت تُعرض خارج مهرجان كان “على هامش المهرجان” عدا فيلم ليوسف شاهين. وكانت أفلام شاهين إنتاج مشترك، لكن ما قيل عن فيلم “شباب امرأة” وتحية كاريوكا والذي تم عرضه على هامش المهرجان لماذا؟ هذا ما أجبت عليه في الكتاب.
وما الأعمال الأدبية التي تراها تمثل اكتشافا؟
أثناء عملية بحثي عن توثيق بدايات السينما المصرية اكتشفت هذه الأعمال المجهولة لأدبائنا الكبار مثل روايات الشاعر الكبير أحمد شوقي المجهولة. وأعمال الأديب الكبير يحيى حقي المنسية والمجهولة له مُنذ سنة 1930م وهو بالإسكندرية عندما كان مُحاميا حيث كتب وقتها عن المحاكم هناك. كيف كانت تعمل، وما هو شكلها، وهذا ما يجعلك ترجع إلي ما كتبه يحيى حقي كاملا، وما كتب عنه، وبعدها تقول رأيك لإعداد الدراسة.
كذلك قصص نجيب محفوظ التي لم تُنشر. فمثلا كتاب روايات أحمد شوقي المجهولة وجدتها في كتاب مُنذ عام 1895م، قمت بتصويره وقدمت دراسة عنه، أعمال نجيب محفوظ عثرت عليها في أكثر من مجلة. كل قصة كتبت مصدرها، كل الأعمال الأدبية التي كتبت عنها عثرت عليها من خلال عملية البحث.
أما “المسامير” لعبدالله النديم فهو دراسة عن أول محاكمة لكتاب في مصر. وقد حصلت عليه من سور الأزبكية منذ عشرين عاما، وهو كتاب لم يُنشر بعد.
قمتم بترجمة العديد من الكتب وصل عددها إلى 11 مؤلفا، تم نشر 7 منها وهناك 4 كتب مازالت تبحث عن ناشر.. حدثنا عن هذه الأعمال؟
من الأعمال المنشورة كتاب “أبي: شارلي بقلم الابن” وقام بنشره في مجلة الإذاعة والتلفزيون كمجموعة حلقات. ومنها أيضا “السينما في إفريقيا السوداء”، ووقتها كانت هناك رغبة من مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية في نشر الكتاب، وقاموا بالاتصال بي عن طريق الناقد الراحل سمير فريد. وتم نشر الكتاب، وبعدها قدمت معهم كتابا آخر عن السينما في جنوب إفريقيا للمهرجان أيضا.
وماذا عن اهتمامكم في مجال الترجمة بالتحديد؟
عندما وصلت إلى سن المعاش كانت لدي رغبة في تقديم سلسلة كتب عن السينما والتلفزيون، وكنت أبحث عن ناشر، لكن في النهاية قررت أن أكون الناشر. وقمت بترجمة كتاب “السينما الإسرائيلية والتفرقة العنصرية”، هذا الكتاب جعلني أتوب عن فكرة أن أكون ناشرا لأني بعت فيه “الجلد والساقط ” زى ما بيقولوا.
تعاقدت مع دار”الجمهورية” لتوزيعه، لكني لا أعرف أين كانت توزعه. فقد رجع أكثر من نصف ما طبعناه، وكان الكتاب مأخوذا عن كاتبة يهودية قامت بسرد تاريخي للأفلام الإسرائيلية. ورجعت فيه إلى مصادر يهودية، وكنت طوال الوقت أضع علامة تعجب على كلامها! لأني أخاطب الجمهور المصري. لم أتناول هذه الكتابات بالنقد في ترجمتي، فقط كنت أضع علامة تعجب.
أما عن اعترافات هتشكوك وهو مخرج أفلام الطليعة في السينما الفرنسية. فقد كانت لهم رؤية أن المُخرج هو المؤلف وصاحب الفيلم، ولو تم حصرهم في هوليوود سوف تجدهم قليلين جدا منهم هتشكوك.هو ليس شرطا أن يكتب السيناريو، لكنه لابد أن يختار موضوعه، ويختار أبطاله. ولذلك تنطبق علية صفة المخرج المؤلف، فقام الناقد والمخرج فرانسوا تروفو بمقابلته وإجراء حوار طويل معه وضعه في الكتاب الذي قمت بترجمته.
كذلك كتاب “الحرب السرية للسيطرة على صناعة السينما العالمية” الصادر عن المركز القومي للترجمة. وهو يوضح كيفية السيطرة على صناعة السينما العالمية. وكذلك كتابي الأخير “المخابرات المركزية في هوليوود” وكيفية سيطرتها على صناعة السينما وتوجيهها لهم، فمثلا إذا ما كانت لديهم الرغبة في تقديم فيلم حربي. فهم يمدون الجهة المُنفذة للعمل بكافة التسهيلات في مقابل أن يتبنى صناع الفيلم توجههم، ويحققوا رغباتهم في تقديم ما يريدونه من خلال هذا الفيلم.
وما تقييمكم لمستوى الأفلام خلال فترة البحث الخاصة بكم عن تاريخ السينما المصرية؟
فترة استوديو مصر كانت هناك محاولات لتقديم سينما من خلال مجموعة من الشباب، لكن الموضوع لم يستمر. كان هناك فيلم “العزيمة”، وفيلم “السوق السوداء”، وغيرهما لكن تكلفة تلك الأفلام وقتها كانت عالية. المخرج كمال سليم، مثلا، بعدها دخل في متاهة السينما التجارية.
وفي نفس الوقت كان هناك اتجاه لتقديم سينما تجارية، ويمكن وصف تلك المرحلة بأنها أفلام تجارية. خاصة بعد دخول منتجي القطاع الخاص، وقليلا ما تجد فيلما مثل فيلم “فاطمة”. الصناعة كانت موجودة لكن كانت هناك حالة عزوف من المنتجين تجاه الأفلام الجادة. في نفس الوقت الرقابة في تلك الفترة كانت شديدة مثلما حدث في فيلم “العامل”. كان جدوى المظاهرات التي حدثت منذ 1899م من قبل لقافي السجائر الأجانب. وبعدها في العشرينيات صدر قانون في فترة الوفد وقتها لدرجة أن الرقابة اشترطت تغيير النهاية وأن يكتب بأن القانون صدر تبريرا لجهود الحكومة وقتها.
ماذا عن تراث السينما الآن؟
تراث السينما المصرية تم بيعه برخص التراب. وكانت وزارة الثقافة، أو وزارة الإعلام تستطيع أن تقوم بالمهمة وتشتريه وتكسب من ورائه الملايين. لك أن تتخيل أن أفلام حسين صدقي تم بيعها. وقد بلغت 12 فيلما بألفين جنية بالقسط، فيلم “لست ملاكا” تم عرضة منذ شهرين في نسخة مشوهة محذوف نصفه تقريب لكن من يحاسب من!
موضوع التراث يطرح تساؤلات في ذهن الكاتب الكبير محمود علي. منها مثلا “السينماتك” الذي نتحدث عنه منذ الستينيات ولم يتحرك أحد حتى الآن.. ما تعليقكم؟
هناك أقدم سينما في مصر في العتبة اسمها “أولمبيا” تم تحويلها إلى محلات أدوات كهربائية. وهناك المركز القومي للترجمة، في نفس المبنى به قاعة كبيرة جدا تصلح كي تكون خاصة بالسينماتك، ولكن لا أحد يهتم. الناقد الكبير سمير فريد قبل وفاته قدم طلبا لوزير الثقابة لكتابة تاريخ السينما من خلال لجنة كنت موجود بها. وقد صدر القرار بالفعل (انظر الوثائق) لكنه لم يفعل واختفي، ولم يبلغني أحد بذلك. ولا أعرف ما هي الحكمة من ذلك، إن كانت هناك حكمة.
هناك جدل حول أسبقية عرض فيلم “ليلي” أم فيلم “قبلة في الصحراء”؟
هو جدل مسكوت عنه، التاريخ المعلن والمعروف هو فيلم “ليلى” الذي عُرض في 19 نوفمبر 1927م. في حين كان فيلم “قبلة في الصحراء” قد سبقه في العرض. حيث كان عرضه في الإسكندرية في مايو 1927م كما حدده أحمد كامل مرسي.
لكن اختيار” ليلى” كان لأسباب وطنية، إثر ثورة 1919م، ونمو الوعي الوطني لكل ما هو مصري. في حين اعتبروا الإخوة” لاما” أجانب! وهو منطق غريب لأنهما عاشا في مصر وقدما العديد من الأفلام المصرية. وأمامي إعلان لهما منشور هو نداء لكل المؤلفين والكتاب المصريين لتقديم قصص تعبر عن الروح المصرية. الغريب في الموضوع إني لم أشاهد فيلما لهما حتى الآن يعرض على شاشات التلفاز! وهنا أتساءل: ألا يستحق هذا الموضوع البحث من قبل نقاد الإسكندرية؟
أين أنت الآن كصحفي ومؤرخ؟
كما ترى أسير على عكازين، لا حركة سوى مشاهدة التلفاز ومباريات كأس العالم. ولا يربطني بالكتابة الآن سوى الترجمة لثلاثة سيناريوهات عالمية في كتاب واحد، المواطن كين، والمسامير لعبدالله النديم. ولم يتبق عن تاريخ السينما سوى كتاب “أوراق منسية”- يبحث عن ناشر- وهو كتاب يضم وثائق تؤرخ لحياة عزيزة أمير. وعن أول ناقد سينمائي من الإسكندرية. ومن مذكرات أمينة محمد في السينما وغيرها. وما لم ينشر عن مشروع سيناريو مجهول لقصة من تأليف الزعيم جمال عبدالناصر لم تر النور.